مقالات مختارة

اكتملت اللعبة الشيطانية بين تركيا وأوروبا.. على اللاجئين! بروكسل – وسيم ابراهيم

 

على طريقة اللافتات التي تؤهل بالضيوف، ارتفعت لوحة ضوئية كبيرة أمام المجلس الأوروبي في ساحة «شومان» تقول بالخط العريض «لا تتاجروا باللاجئين». اللوحة نقلتها على عجلات «منظمة العفو الدولية»، لتضعها في وجه زعماء الاتحاد الأوروبي ونظيرهم التركي أحمد داود أوغلو، خلال مضيّهم لإكمال المساومة على صفقة توقف تدفقات اللاجئين إلى أوروبا. لكن، كما هو متوقع: «لا حياة لمن تنادي». الصفقة تمت. أوروبا ارتضت الأتراك بوابين ـ سجانين لها، أما أنقرة فتمكنت من إذلال الأوروبيين في عملية ابتزاز مخططة وممنهجة.

الخلاصة هي إكمال إغلاق كل المنافذ إلى أوروبا. البداية كانت مع قيام دول طريق البلقان بإغلاقه، ناصبة الحدود في وجه اللاجئين، ليكتمل الأمر أمس بإعلان اتفاق لإغلاق الممر المائي بين تركيا واليونان. هذا الممر عبر منه العام الماضي نحو 850 ألف لاجئ. الصفقة المعلنة من عاصمة الاتحاد الأوروبي تعهدت فيها تركيا باستقبال جميع اللاجئين الواصلين منها إلى اليونان، مقابل حزمة مكاسب استراتيجية من الاتحاد الأوروبي.

ساعة الصفر المعلنة لبدء التطبيق هي حلول يوم الأحد. من حينها، يفترض أن جميع من سيصلون إلى جزر اليونان سيتم تنظيم إعادتهم إلى تركيا، بغض النظر عن جنسياتهم وظروفهم. الاتحاد الأوروبي سيتكفل بتكاليف عمليات الشحن المعيبة هذه. سيرسل أيضاً تعزيزات من القضاء وموظفي اللجوء لتسريع إجراءات الترحيل، على أساس تجميلها للتوافق مع القانون الدولي الذي يمنع عمليات الترحيل الجماعي.

سيكون ترحيلاً جماعياً إذاً، لكن بعد عمليات فحص فردي شبه صورية. اليونان منخرطة، فهي تريد الخلاص أيضاً من ورطة تركها تواجه التدفقات وحيدة، خصوصاً بعدما أغلقت دول البلقان حدودها. لتمكين التطبيق السريع، يفترض أن تعلن اليونان أن تركيا بلد «آمن»، بكبسة زر ومن دون أي مستجدّ يبرر ذلك، ليكون ترحيل اللاجئين إليها قانونياً.

مقابل استقبال الشحنات البشرية، تعهد الأوروبيون بإطلاق برنامج إعادة توطين، محدود للغاية، للاجئين السوريين من تركيا. بدايةً عبر منطق «واحد مقابل واحد»، أي لاجئ يعاد إلى تركيا مقابله لاجئ يوطّن منها في أوروبا. الهدف الفعلي هو تيئيس اللاجئين، كي لا يقدموا أصلاً على عبور ممر بحر إيجه بعد الآن. لترقيع هذه الصورة، تعهد الأوروبيون، بعد توقف التدفقات تماماً، بإطلاق برنامج توطين آخر.

لكن إعادة التوطين هذه، برمّتها، لن يسمح لها بتجاوز سقف 72 ألف لاجئ سوري. إذا اقترب الرقم من هذه الحدود، فستعقد اجتماعات لمراجعة الصفقة مباشرة، وإذا تجاوزه فسيعتبر الاتفاق لاغياً. سيكون ذلك، بمعنى آخر، سلاحاً لدى تركيا إذا رأت ما يستدعي نسف الاتفاق، عبر فتح صنبور اللجوء مجدداً.

لا كلمات أخرى غير إغلاق وفتح يمكن استخدامها، فالأتراك تلاعبوا باللاجئين، بمن هم في أمسّ الحاجة للحماية والعطف الإنساني، بطريقة باتت المنظمات الحقوقية تعجز عن اختيار مفردات تصف انحطاطها، ومثل ذلك وأكثر قبول الأوروبيين الانخراط بهذه اللعبة الشيطانية.

قبل الاتفاق بأسابيع قليلة، كان مسؤولون أوروبيون يقولون، حرفياً، إن تسليم مفاتيح أوروبا إلى تركيا يعني «اننا نلطخ أيدينا». رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل قال خلال القمة أيضاً إنه يخشى أن هذه المساومة «تتحول إلى شكل من الابتزاز». حتى رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، وجد نفسه مضطراً للنفي، حالما وصل المجلس الأوروبي، ليؤكد ما هو مفضوح، حينما قال إن هذه المفاوضات «ليست مضاربة».

كل إعلانات النيات الطيبة، الحذر والتردد والاعترضات، لم تمنع تماماً الاتفاق. كان أمس يوم جمعة أسود في تاريخ الاتحاد الأوروبي، ويوم إعلان ساعة الصفر سيكون يوم أحد حزين لمن تم التلاعب بهم، بحياتهم وعذاباتهم ومقاساتهم، من أجل مزاد سياسي. أوغلو قال مبرراً الحاجة للصفقة، بمنتهى عدم الإحساس، إنه يجب إيقاف غرق اللاجئين في البحر، كأن عملية إنقاذ كانت تحتاج كل تلك المزايدات ثم تمامها لإعلان ساعة «صفر» الإنقاذ.

تعقيدات الاتفاق جعلت العديدين يشككون في إمكانية تطبيقه. لكن مصادر أوروبية قالت لـ «السفير» إن السرعة التي تم فيها يجب أن تعطي صورة واضحة أن «التطبيق عاجل». المصادر أوضحت أن «دولا عديدة أولاها ألمانيا نفد صبرها تماماً، يريدون حلاً عاجلاً بأي طريقة ممكنة»، قبل أن تضيف «من يحتاج حقا إلى هذا الاتفاق هم نحن وليس الأتراك، صحيح أنهم يستغلون عامل الوقت، لكن يمكنهم المماطلة».

إقناع الأتراك تتطلب إرضاءهم. ستحصل تركيا على اتفاقية لسفر مواطنيها إلى الاتحاد الأوروبي، من دون فيزا، بحلول نهاية حزيران المقبل. صحيح أن هناك 72 معياراً يجب الالتزام بها، وتركيا بالكاد طبقت نصفها، لكن الاوروبيين سيساعدون الأتراك على إتمام تلك الشروط في الموعد المأمول. بعض المرافقين للوفد التركي أشاروا بوضوح إلى «الاهمية السياسية الكبيرة» لهذه القضية. أحدهم شرح الأمر قائلاً إنه «حتى الاغنياء يعانون أحياناً من أجل الحصول على فيزا لأوروبا»، مضيفاً «انها قضية سياسية ذات أهمية كبيرة للشعب التركي».

اعتراض قبرص قلل سقف المكاسب التركية. بدلاً من افتتاح خمسة فصول في مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، سيتم الاكتفاء الآن بافتتاح فصل واحد (فصل الموازنة العامة)، مع وعود بالعمل على إطلاق فصول تفاوض «في أقرب وقت ممكن». الجانب القبرصي قدم مداخلات شبه احتفالية، خصوصاً بعد تمكنه من إبقاء تجميد الفصول الخمسة، وجميعها فصول مهمة وحساسة، كورقة للضغط على أنقرة. فالجزيرة المتوسطية مقسمة إلى شطرين منذ الاحتلال التركي عام 1974، ومفاوضات التوحيد بقيادة الامم المتحدة وصلت الآن مرحلة «حرجة».

التمويل جزء من الصفقة أيضاً. لن يضاعف الأوروبيون مبلغ الثلاثة مليارات يورو مباشرة، كما طالبت أنقرة، بل سينتظرون حتى يتم استنفادها، ثم يقيّمون مدى استفادة اللاجئين السوريين في تركيا من المشاريع التي ستمولها.

داود أوغلو استشعر ما يكفي من الشجاعة والجرأة، ليهين الاوروبيين في دارهم. قال لهم، علانية وبشكل شبه مباشر، إنه حزين لرؤيتهم يرعون «الارهاب». استغرب خلال مؤتمر صحافي، مع رؤساء المؤسسات الأوروبية، كيف يسمحون لـ «حزب العمال الكردستاني»، المصنف في أوروبا «منظمة إرهابية»، بالتظاهر على بعد عشرات الأمتار من مقر انعقاد القمة.

نظراؤه الأوروبيون، على منصة المؤتمر، أخذوا يشيحون بوجوههم ويتأففون. كان واضحاً أنهم يتمنون لو أن الأرض تبتلعهم. لكن أوغلو كان معنياً جداً، في الوقت ذاته، بتصوير الاتفاق باعتباره «يوماً تاريخياً»، أثبت أنه «لا غنى لأوروبا عن تركيا، ولا غنى لنا عن العمل معاً على مستقبل مشرق». لأسباب كثيرة، لا تشمل ما ذكره، كان يوماً تاريخياً بالفعل. بكلمات «منظمة العفو» باقتباس «ضربة تاريخية لحقوق الإنسان».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى