مقالات مختارة

مفاجآت بوتين السورية وحاجات أوباما… عبد الهادي محفوظ

 

          المظلة الأميركية – الروسية على منطقة الشرق الأوسط تضع اللاعبين الاقليميين من أنقرة إلى طهران إلى الرياض في وضع حرج بدرجات متفاوتة. ذلك أن موسكو وواشنطن تحاولان التضييق على هامش حركة العواصم الثلاث التي تستشعر سياسات الإقصاء من البوابة السورية التي يعاد عبرها صياغة النظام الاقليمي وأدوار دول المنطقة. لكن المهمة الأميركية – الروسية ليست سهلة. وهذه الحقيقة هي التي كانت وراء الحضور العسكري الروسي على الساحل السوري مصحوبا بغطاء جوي ضارب أثبت فعاليته إزاء التنظيمات الدينية المتطرفة التي سعت إلى إقامة إمارات متنوعة المشارب والمدارس الدينية وتمزيق بنية الدولة السورية والمجتمع الأهلي.

          أيا كانت الحسابات الاقليمية ’’مؤتمر جنيف‘‘ أرسى معادلات نهائية نظريا. نظام علماني في سوريا ومكانة خاصة للمؤسسة العسكرية وإصلاحات على بنية النظام السياسي عبر تعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية توسّع دائرة التمثيل وترسي تقاليد ديموقراطية جديدة وتؤسس لأحزاب سياسية على قاعدة فصل الدولة عن الدين.

          لا شك أن المظلة الأميركية – الروسية تترك للشعب السوري أن يقرر في مسائل جوهرية وتحديدا في موضوع الرئاسة السورية عبر العملية الإنتخابية. من هنا مسألة تنحي الرئيس بشار الأسد أصبحت خارج التداول. وهذه مسألة حُسمت بين موسكو وواشنطن. لكن السؤال المطروح حاليا هو القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب الجزء الرئيسي من القوات العسكرية الروسية من سوريا.

          يحتار كثيرون في تفسير هذه الخطوة الروسية وأين تندرج في دلالاتها. هل هي نوع من الضغط على النظام السوري. هل هي خروج من التورط في حرب طويلة. هل هي محاولة لتغيير نظرة المعارضة السورية إلى دور موسكو في الأزمة السورية. هل هي ’’رسالة‘‘ إلى أن الحل السياسي أصبح قريبا وضاغطا وبأنه على ’’النظام‘‘ و ’’المعارضة‘‘ معا أن يمضيا إلى توافق ’’قسري‘‘ في جنيف؟

          أسئلة كثيرة تتدحرج من هذه الخطوة الروسية المفاجئة بما فيها هل ’’تقايض‘‘ موسكو في مكان ما وعلى ماذا. ذلك أن هناك من يذكّـر بأن الإمبراطورة كاترين الثانية قامت بشيء مشابه في تاريخ العلاقة مع السلطنة العثمانية.

          في جانب ما تبدو دمشق مطمئنة للخطوة الروسية. فما تحتاجه هو استمرار تدفق السلاح من نوعية جديدة بعد أن غيّـر الطيران الروسي في التوازنات العسكرية لصالح المؤسسة العسكرية. وفي المعلومات أن تدفق السلاح مستمر ومن دون مقابل مالي. من ناحية ثانية موسكو تكلمت عن انسحاب جزئي. بمعنى أن ذلك يشكّـل اختبارا لمدى استعداد المعارضة للقبول بالدور الروسي كوسيط أساسي في مفاوضات جنيف وطالما أن موسكو تعطي حاليا الدور الديبلوماسي الأولوية في البحث عن حلول تلبية لرغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يريد حلا سريعا قبل الإستحقاق الرئاسي يوظفه كإنجاز وتستفيد منه هيلاري كلينتون في السباق إلى البيت الأبيض. ومعنى هذا الأمر أن خطوة الرئيس فلاديمير بوتين المفاجئة أخرجت مفاوضات جنيف من الشروط والشروط المضادة… واستطرادا لا يمكن أن تكون هذه الخطوة غير منسقة سلفا مع سيد البيت الأبيض باراك أوباما.

          ’’مرونة موسكو‘‘ الجديدة تسحب فتيل التوتر في العلاقة مع تركيا بحيث تستبعد في مثل هذه الحالة أية إمكانية لمجابهات عسكرية غير محسوبة على الأرض السورية. بكلام آخر المرونة الروسية تستدرج ’’مرونة تركية‘‘ خصوصا وأن ’’الحريق السوري‘‘ تمدّد باتجاه الداخل التركي بحيث أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح يدرك أن البوابة السورية لم تعد صالحة للتمدد باتجاه العمق العربي واستعادة مجد السلطنة العثمانية. وبوادر هذه المرونة التركية استبقت ’’الخطوة الروسية‘‘ بالتلاقي بين أنقرة وطهران على رفض إقامة ’’دويلة كردية‘‘ على الأراضي السورية. ما يعني أن طهران قد تقوم بتبريد الأجواء بين تركيا وروسيا وتعمل على ’’عقلنة السياسات الخارجية التركية‘‘ وعلى تركيز قاعدة اقليمية لمصالح تركيا وايران على السواء خصوصا وأن البلدين يستشعران أن واشنطن وموسكو مجتمعتين تريدان أدوارا محدودة لهما خلافا لما تتيحه الجغرافيا السياسية من وزن مكاني.

          نظريا الإنسحاب الروسي هو مؤشر لانسحاب تركي وايراني وسعودي يستفيد منه النظام السياسي في سوريا والمعارضة المعتدلة وفكرة الحوار بين الطرفين وصياغة المشترك بإرادة أميركية – روسية. لكن تعقيدات الوضع السوري تفترض إيجاد الآليات الممكنة لقيام نظام علماني. فالسؤال كيف الوصول إلى ذلك في ظل ’’بنية دينية‘‘ جذرتها الحرب وذهنية مشابهة. هذه المسألة تفترض بالضرورة إنجازا غير ممكن بالتفاوض والحلول الديبلوماسية. فالواقع على جغرافيا المعارضة المسلحة تحسمه ’’النصرة‘‘ و ’’داعش‘‘ والتنظيمات المشابهة وتقصي القوى المحسوبة على واشنطن. فيما حسابات النظام العلماني تتطلب حضورا قويا لنخب فكرية علمانية ومدنية مغيّبة حاليا عن المسرح. وبهذا المعنى كيف ستعالج موسكو وواشنطن موضوع السلفية الجهادية التي تعتبر عائقا جديا أمام الحل السياسي والنظام الاقليمي.

          في كل الأحوال واشنطن تستعجل الحل السياسي الذي لا زال بعيدا وفي نفس الوقت تريد حصتها من النفط والغاز السوريين وشراكة ’’شخصيات ليبرالية‘‘ في السلطة. ما يعني أن أوباما يريد أن يشتري الوقت ويسرّعه. وهو في هذه المهمة يحتاج أكثر فأكثر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولترتيب ’’الأرض‘‘ في الكواليس.

                                                                  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى