مقالات مختارة

الهجوم السعودي «المتدحرج» يفرض على حزب الله «قواعد اشتباك جديدة»: ابراهيم ناصرالدين

«حتى الان لم تطلب منا السعودية اتخاذ اي اجراء عملي ضد حزب الله»، الجملة المفتاح قالها الرئيس سعد الحريري للرئيس نبيه بري خلال لقائهما الاخير، فالتقطها ليرد عليه بالقول«اذا ليش بدك تكون ملكي اكثر من الملك»، وبناء عليه خرجت الجلسة بتوافق على استمرار الحوار الثنائي والعام، والتمسك ببقاء الحكومة في غياب البدائل المنطقية الضامنة للاستقرار في غياب اي امل بحصول الانتخابات الرئاسية قريبا. لكن هل من ضمانة ان لا تطلب المملكة من حليفها اجراءات عملية للضغط على حزب الله؟ وهل من ضمانة ان لا «يحشر» «المستقبل» وقوى 14آذار في «الزاوية»؟

انها جزء من الاسئلة المقلقة التي تؤرق الحريري في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة، يبحث عند الطرف الاخر عما يمكن ان يساعده في تخطي الازمة الحالية، هو اكثر العارفين «بالعقلية» السعودية، ويدرك جيدا كيف تدار الامور لدى القيادة «الشابة» هناك، «جل» الامور لا تخضع للتشاور، وثمة تفاوت واضح حتى الان بين الخط البياني الخليجي التصاعدي باتجاه حزب الله، وكيفية ترجمة تلك الحملة بقرارات عملية على ارض الواقع في لبنان. وآخر الدلائل الحسية، تصنيف مجلس التعاون الخليجي للحزب كمنظمة ارهابية، والسؤال المطروح كيف يمكن التعامل مع هذا القرار من قبل خصوم حزب الله في الداخل؟ الان ثمة حكومة فيها عضوين من حزب الله وهما على قوائم الارهاب؟ وثمة مجلس نيابي كتلة نيابية وازنة مصنفة ارهابية؟ وماذا لو حمل مجلس التعاون هذا القرار وذهب به الى الامم المتحدة؟ وهو امر بديهي بعد الاتهامات اليمنية للحزب. اسئلة ستزيد الضغوط على حلفاء المملكة التي لا تساعدهم على «التقاط الانفاس»، ولا تقدم اجابات واضحة عما تريده منهم لمواكبة التصعيد..

طبعا يدرك حزب الله وجود هذا «الارباك» عند الطرف الاخر، وبحسب اوساط في 8آذار، كان القرار المتخذ منذ بداية الحملة السعودية، عدم خروج السيد نصرالله للرد على الاجراءات السعودية، وترك الردود لمسؤولي الحزب ضمن الخطوط العامة المعروفة، لكن خروج الامور عن «السيطرة» في الشارع بعد الاساءة على قناة «ام بي سي» التي قدمت مادة ساخرة كانت بمثابة دعوة مباشرة للفتنة، حتمت الاطلالة الاعلامية التي وضعت النقاط على «حروف» تمسك حزب الله بالاستقرار الداخلي وعدم الانجرار الى رغبة السعودية بتفجير الداخل اللبناني في وجه الحزب. ولكن مضامين الرسائل الاهم في توقيتها كانت للفريق اللبناني الاخر، وبالتحديد تيار المستقبل الذي حاول «زعيمه» خلال العشاء مع الرئيس بري الحصول على نوع من الوعود «بالتهدئة» مع السعودية «كي تمر «العاصفة» باقل الخسائر، وعندما تفتح القيادة السعودية «باب النقاش» يمكن البحث بمخارج قد تكون متاحة»….

طبعا السيد نصرالله كان في اجواء هذه المقاربة، ولذلك كان حريصا على التأكيد ان «الكرة» ليست في «ملعب» حزب الله، الحرب تقودها السعودية دون هوادة مع الحزب، وثمة «خارطة طريق» واضحة يدرك الحزب انها تتدرج باتجاهات شديدة الخطورة لن تقف حدودها عند التصعيد الدبلوماسي او الاقتصادي، ولذلك اي عرض بالمساومة على مواقف الحزب مرفوضة بالمبدأ، وبالمنطق ايضا، حيث لا مجال راهنا داخل المملكة للاستماع لاي كلام «عاقل» او منطقي، ولذلك فان حزب الله ليس في وارد التراجع اي «خطوة» الى الوراء، وسيطور اساليب رده على السعودية بما يتناسب مع حجم الهجوم السعودي المستمر، وهذا ما دفع السيد نصرالله الى تحرير حلفائه من خوض المعركة الى جانبه، لكنه ايضا عرض على خصومه في الداخل البقاء خارج دائرة المواجهة، حتى لو كان الثمن «مسايرة» «الجنون» السعودي.

وهنا كان «بيت القصيد» عندما قدم «ضمانات» الى من يهمه الامر، بان حزب الله ليس في وارد استخدام القوة في الداخل، هو بذلك حرر الحريري من «هم» الضغوط السعودية، وقال له علنا ما وصل بالتواتر عبر وسطاء، اذا طلبوا منك مغادرة الحوار، غادر، واذا طلبوا منك اسقاط الحكومة، اسقطها، هذا لن يدفع حزب الله الى النزول الى حمل السلاح، الحزب لا يريد نقل المواجهة مع السعودية الى الساحة اللبنانية، ولا يرى في حلفائها اللبنانيين «اعداء» بل «خصوم» في السياسة، ومهمة تهدئة التوتر تقع على عاتق السعوديين، واذا اراد اي من حلفائها «تقليل» الخسائر، كما قال النائب وليد جنبلاط، فعليه «التماس» «شفاعة» الملك السعودي عله يوقف استراتيجية «نحر» الحلفاء في لبنان دون اي امل في ان تؤدي هذه التضحية بنتائج مثمرة على صعيد اضعاف حزب الله. اما غير ذلك فلا يملك حزب الله اي ضمانة لاحد، هو يريدهم ان يحيدوا انفسهم عن هذا الصراع، لكن لا مونة لديه عند السعوديين لثنيهم عن الزج بحلفائهم في هذه «الدوامة»، ودفعهم لتجرع «الكأس المر».

لكن المشكلة بحسب تلك الاوساط، ان السعودية غير مهتمة بقدرة الحلفاء على المواجهة، فهي لا تملك خيارات، هي تحتاج الى «ساحة» تستخدمها «صندوقة بريد» في وجه «اعدائها» الاقليميين و«خصومها» الدوليين، فتزامن التصعيد مع بدء سريان الهدنة في سوريا، كان بمثابة رد سعودي واضح على تجاهل «مصالحها» السورية، الرياض تدرك جيدا ان وقف النار «الهش» ليس نهاية المطاف، التقدم الميداني للجيش السوري مقلق، نجح في تغيّير «قواعد اللعبة» بعد الدخول العسكري الروسي، لكن القلق الحقيقي يأتي من الحليف الاميركي الذي «يتقاسم» النفوذ مع موسكو دون الاخذ بعين الاعتبار مصالحها الحيوية في المنطقة، المملكة لا ترغب في ان لا تكون على «طاولة» «تقاسم» المصالح في سوريا، وهي ترى ان واشنطن لا تضع في سلم اولوياتها ما تريده، وفي المفاوضات مع روسيا جرى تجاوز تلك المصالح «بوقاحة» توحي بان الاميركيين لا يكترثون بـ«الحرد» السعودي، ومنذ ان تجاوزوا اعتراضات المملكة على الاتفاق النووي الايراني، ووقعوا مع طهران، عرفت المملكة ان الامر يتعلق بتقليص نفوذها لصالح الدور الايراني، دخلت في مرحلة مراكمة الخسائر، ولذلك لا بد من اجراءات لوقف التدهور، فجاة «استفاق» السعوديون على حقيقة «مرة» مفادها انه لم يبق امامهم الا الساحة اللبنانية يمكن استخدامها للتهديد «بقلب الطاولة» على الجميع، يعرفون انه خيار مماثل سيكون «مؤلما» ونتائجه محدودة، لكن لا توجد خيارات بديلة….

هذا «المأزق» السعودي سيترجم عمليا المزيد من التصعيد مع حزب الله، وهذا يشير الى ان المرحلة المقبلة ستزداد «سخونة»، كان السيد نصرالله واضحا عندما استعرض التدرج في المواجهة مع الرياض، كانت المملكة تخوض حروبا «بالوكالة» وبطرق غير مباشرة، وكان الحزب يتجاوز «الضيم» على «مضض» لاعتبارات كثيرة، اما عندما دخلت السعودية حرب اليمن، فكان للحزب موقفا مباشرا وحاسما ودون «قفازات»، هذا التدرج يمكن القياس به للاستدلال على ما لم يقله السيد نصرالله مباشرة، فكلامه يعني ان طبيعة المواجهة مع السعودية ستختلف ايضا في المرحلة المقبلة، هي انتقلت الى الهجوم المباشر على حزب الله بعد سنوات من المواجهة غير المباشرة، وهذا سيقود الحزب حتما الى تغيير «قواعد الاشتباك»، وبحكم التجربة ربما على السعودية ان تقلق كثيرا لان مواجهة مماثلة ستكون مكلفة للغاية، واذا كان ثمة شك في ذلك، يمكن الاستعانة «بالصديق» الاسرائيلي، ومن هنا تأتي المصلحة الوطنية في تحييد «خصوم» الداخل، فالمواجهة مفتوحة في المكان والزمان، ولا مصلحة لهم في ان يكونوا جزءا من وقودها، الحزب لا يريد اي مواجهة معهم «الكرة» في «الملعب» السعودي، ولكن لن يكون حزب الله «ملكيا اكثر من الملك»…..

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى