مقالات مختارة

«سي أي آي»: «داعش استخدم أسلحة كيماوية وقادر على إنتاجها»… ما العمل؟ د. عصام نعمان

 

قالها جيمس كلابر، منسّق أجهزة الاستخبارات الأميركية، أمام إحدى لجان الكونغرس الأميركي. أكّد بالحرف: «أنّ داعش استخدم مواد كيماوية سامة في سورية والعراق، بما في ذلك العمل المسبّب للقروح بكبريت الخردل».

قبله أكد الواقعة نفسها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية C.I.A جون برينان بقوله: «داعش استخدم أسلحة كيماوية وهو قادر على إنتاج كميات قليلة من الكلورين وغاز الخردل. لدينا عدد من الإشارات التي تدلّ على أنّ داعش استخدم ذخائر كيماوية في ميدان القتال».

قال برينان أكثر من ذلك: «إنّ داعش بإمكانه تصدير الأسلحة إلى الغرب لتحقيق مكاسب مالية. لذلك من المهمّ قطع مختلف طرق النقل والتهريب التي يستخدمها».

لعلّ ما أكده اثنان من أساطين الاستقصاءات والاستخبارات في العالم هو ما حمل باراك أوباما على تعديل جدول أولويات إدارته في الحرب داخل سورية وعليها، فما عاد إسقاط بشار الأسد أولى الأولويات بل هزيمة «داعش». هذا لا يعني، بطبيعة الحال، التخلي عن رغبة الإسقاط الدفينة التي تتشارك أطراف إقليمية عدّة في طرحها والعمل في سبيلها. انه يعني تقديم ما يعتبرونه الأهمّ على المهمّ في الأجندة المثقلة بالأولويات.

ما العمل؟

رداً على سؤال حول «وجود أميركي على الأرض» للبحث عن مخابئ ومختبرات لأسلحة كيماوية قال برينان: «إنّ الاستخبارات الأميركية تشارك بفعالية في الجهود الرامية إلى تدمير التنظيم داعش ومعرفة ما لديه على الأرض في سورية والعراق قدر الإمكان». حسناً فعل برينان بتقديمه تدمير «داعش» على استقصاءٍ قد يطول حول ما لديه على الأرض من مخابئ ومختبرات للأسلحة الكيماوية. لكن، كيف يكون التدمير؟ مدير الاستخبارات المركزية لم يوضح ذلك. ربما أراد القول إنّ الجواب الشافي يوجد لدى القيادة السياسية والقيادة العسكرية الأميركيتين. فماذا تقولان؟

تقولان كثيراً وتفعلان قليلاً. تقولان إنّ طائرات «التحالف الدولي» قامت بآلاف الغارات على مواقع «داعش» في العراق وسورية. لكن لا يبدو أنها تركت أثراً سلبياً محسوساً في مجهوده الحربي، بدليل ما كشفه بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في هذا المجال، وفي مقدّمهم السناتور ماكين. ليس كثيراً، والحال هذه، مواجهة الولايات المتحدة بأنّ المطلوب هو الارتفاع إلى مستوى الخطر الداعشي التدميري المحدق وذلك باعتماد سياسة جديدة جدّية وجذرية أساسها اعتبار «داعش» خطراً عالمياً ماثلاً وفاعلاً، وأنّ مواجهته تجب أن تتمّ في إطار تعاون عالمي جاد، وانّ أولى الخطوات الواجب اتخاذها هي تجفيف موارده المالية بمنعه من نقل مخزونه من النفط السوري والعراقي عبر تركيا لبيعه من خلال أسواقها وموانئها، كما إغلاق جميع الموانئ البحرية والجوية والمعابر البرية لمنعه من «استيراد» الرجال والعتاد عبرها. أخيراً وليس آخراً، إدانة ومعاقبة الأفراد والحكومات والتنظيمات كافة التي تتعاون معه في حربه، باسم الإسلام، على العالم برمّته، شعوباً وأقليات وحكومات ومؤسسات.

إلى ذلك، يجب التوقف مليّاً أمام قول رئيس الاستخبارات الأميركية جون برينان إنّ «داعش» قادر على إنتاج أسلحة كيماوية وعلى تصديرها، إذ من الممكن تدمير آلة «داعش» الحربية واقتلاعه من المواقع والمرافق والمناطق التي يحتلّها في العراق وسورية واليمن وليبيا ونيجيريا. لكن من غير الممكن سحق كلّ خلاياه النائمة على مدى الكرة الأرضية ولا اعتقال جميع أعضائه وأنصاره ومريديه الذين يأتمرون بأمره وينتحرون من أجل تحقيق أغراضه. ولعلّ أخطر هؤلاء أفرادٌ منتشرون في شتى أنحاء العالم ممّن يمتلكون موهبةً ودراية فنية وتصميماً وإرادة تمكّنهم من صنع أسلحة كيماوية وبيولوجية.

بقي أن نتصوّر ما يمكن أن يفعله هؤلاء ضدّ البشرية في أيِّ مكان، بتوجيه من قياداتهم أو بإلهام من عقولهم المريضة، والأضرار المعنوية والمادية ذات القيمة الفلكية التي يمكن أن يتسبّبوا بها عالمياً.

إنّ خطراً كونياً على هذه الدرجة من الخطورة يتطلّب مقاربة أممية لمواجهته، أقلّه ما هو آتٍ:

أولاً: برنامج سياسي وأمني وثقافي متكامل لمواجهة الإرهاب و «داعش» على مستوى الشعوب والحكومات، يجري تكريسه في الأمم المتحدة ومباشرة تنفيذه بشفافية وجدّية تحت رقابة شعبية ودولية دائمة.

ثانياً: إقرار توصيف دولي لجريمة الإرهاب وتحديدٍ لعناصرها المعنوية والمادية والعقوبات المترتبة على اقترافها وإلزام الدول باعتمادها في المحاكم الوطنية والدولية ذات الصلة والاختصاص.

ثالثاً: إقامة وكالة دولية في إطار الأمم المتحدة تُعنى، على جميع المستويات، بالشؤون والتدابير المتعلّقة بمواجهة الإرهاب كخطر عالمي وسبل مواجهته.

رابعاً: إقامة جهاز دولي للاستقصاء والاستخبارات على غرار جهاز الانتربول الدولي لرصد وتعقّب ومحاربة كلّ ما يتصل بـِ»داعش» وغيره من الإرهابيين أفراداً وجماعات.

خامساً: تأسيس صندوق دولي لتأهيل ضحايا الإرهاب والتعويض عليهم وعلى ذويهم وإيجاد الموارد المالية اللازمة لذلك.

هذا قليل من كثير يقتضي فعله لمواجهة تحدّي العصر.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى