مقالات مختارة

الجيش السوري يسترد كنسبا: إلى إدلب درّ؟ علاء حلبي

بعد سلسلة عمليات عسكرية امتدت لنحو أربعة أشهر، وتحت غطاء جوي روسي، شارف الجيش السوري، والفصائل التي تؤازره، على انهاء ملف ريف اللاذقية الشمالي، بسيطرته على آخر معاقل المسلحين في كنسبا، الواقعة في أقصى الريف الشمالي الشرقي، لينحصر تمركز المسلحين في بعض القرى والجيوب الحدودية مع تركيا.

وتتجه الأنظار حالياً إلى محافظة إدلب، الخارجة بشكل كامل عن سيطرة الحكومة السورية، والتي من المنتظر أن يفتح الجيش السوري نحوها جبهات عدة في وقت متزامن، تكليلاً للعمليات التي ينفذها على امتداد الشمال السوري والمنطقة الوسطى.

وأعلن مصدر عسكري سوري سيطرة قوات الجيش السوري على كنسبا، التي تمثل آخر المعاقل الكبيرة للمسلحين، وآخر نقطة في ريف اللاذقية المحاذية لحدود محافظتي إدلب وحماه، وتبعد نحو 60 كيلومتراً عن مدينة اللاذقية، بعد معارك عنيفة مع المسلحين الذين كانوا متمركزين فيها، وذلك بعد أن شكلت قوات الجيش طوقاً يحيط بالبلدة، تاركاً الباب مفتوحاً نحو إدلب، الأمر الذي أجبر المسلحين على الانسحاب من البلدة نحو جسر الشغور وبداما في ريف إدلب.

وبين المصدر أن قوات الجيش السوري، والفصائل التي تؤازرها، دخلت بلدة كنسبا من محورين اثنين، هما وادي باصور وقلعة الشلف، حيث وقعت اشتباكات عنيفة دفعت المسلحين للانسحاب، لتتفرغ وحدات الهندسة في الجيش لتمشيط البلدة وتفكيك العبوات والألغام التي تركها المسلحون خلفهم.

وعلى الرغم من وعورة المنطقة وطبيعتها الجغرافية، تمكن الجيش السوري من قضم مناطق ريف اللاذقية الخارج عن السيطرة، والذي كانت تقدر مساحته بنحو 18 في المئة من مساحة اللاذقية بشكل تدريجي، حيث سيطر خلال العملية على معظم هذه المناطق بمساحة تقدر بأكثر من 700 كيلومتر مربع، لتبقى مسألة السيطرة على ما تبقى من جيوب «مسألة وقت»، وفق مصدر عسكري. وشدد المصدر على أنه «يمكن اعتبار الريف آمناً، لأن ما تبقى منه لا يشكل أي فرق وفق المفهوم العسكري، ومسألة السيطرة عليه ستتم بشكل متتابع».

وتمثل السيطرة على كنسبا (التي يعني اسمها باللغة السريانية عش النسر نظرا لارتفاعها نحو 750 متراً عن سطح البحر) ضربة قاصمة للمسلحين في ريف اللاذقية، الذي بات بيد الجيش السوري بشكل شبه كامل، باستثناء بعض القرى والجيوب مثل عين البيضا، زيتونة، الشحرورة. كما تضع هذه السيطرة الجيش السوري على تخوم محافظة إدلب، وسط خيارات متعددة، سواء نحو بداما شمالاً، أو نحو جسر الشغور، التي تبعد أقل من 15 كيلومتراً في الشمال الشرقي، أو حتى السرمنية شرقاً.

وفي هذا السياق، يشير مصدر عسكري، خلال حديثه إلى «السفير»، إلى أن الخيارات باتت مفتوحة أمام الجيش السوري، خصوصاً انه بات يشرف على مناطق ريف إدلب من مناطق مرتفعة، الأمر الذي يعني وفق المفهوم العسكري أن تلك المناطق باتت ساقطة عسكرياً.

وتتكامل عمليات الجيش السوري، التي بدأها على محاور عدة منذ دخول روسيا وتأمين غطاء جوي قبل نحو أربعة أشهر، حيث باتت الطريق نحو إدلب مفتوحة من ثلاث جهات، تمثل حلب الجهة الأولى انطلاقا من الريف الجنوبي، الذي يسيطر الجيش السوري على معظمه، ومن المنتظر استكمال العمليات فيه نحو بلدة الزربة في الجنوب الغربي لحلب، ما يفتح الباب نحو إدلب من بضعة محاور، سواء نحو سراقب الواقعة على طريق حلب – دمشق الدولي، أو نحو مدينة إدلب بشكل مستقيم، لفك الحصار عن قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين والمحاذيتين لمدينة إدلب.

كذلك تستعد قوات الجيش السوري في محافظة حماه، وسط سوريا، لفتح معارك نحو محافظة إدلب عبر ثلاثة محاور، وهي محور صوران ـ مورك ـ خان شيخون، ومحور عطشا ـ تل سكيك ـ التمانعة، ومحور السرمانية في سهل الغاب، والتي بات الجيش السوري يشرف عليها من ريف اللاذقية.

وفي هذا الإطار، قال مصدر عسكري، لـ«السفير»، إن معارك ريف حماه كانت تنتظر إنهاء ملف ريف اللاذقية المتداخل معها، ما يعني أن موعد فتحها قد حان بعد سيطرة الجيش على كنسبا.

وفي وقت يؤكد فيه مصدر عسكري أن معارك ريف حماه ستكون الأعنف، بسبب التمركز الكبير للمسلحين على خطوط المواجهة، حيث تقدر مصادر معارضة عدد المسلحين على محاور ريف حماه بأكثر من 17 ألفاً ينتمون إلى تنظيمات «جهادية»، أبرزها «جند الأقصى» و «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، يرى أن قدرة الجيش على المباغتة وفتح الجبهات الثلاث في وقت واحد، إضافة إلى جبهات ريف اللاذقية وريف حلب، من شأنها أن تسهل عمليات الجيش وتشتت قوة المسلحين وتسرع من وتيرة اختراق إدلب.

ويمتلك الجيش السوري في الوقت الحالي القدرة على فتح جبهات عدة في وقت واحد، وهي ميزة لم يكن يمتلكها قبل دخول روسيا على خط العمليات، حيث تمكنت القوات السورية، وتحت غطاء جوي روسي فعال، من توزيع القوات على بضع جبهات، والعمل عليها في وقت متزامن، الأمر الذي أثمر في أرياف اللاذقية وحلب ودرعا، وحتى في ريف حماه وحمص.

كذلك تساعد الأحوال الجوية، التي باتت مستقرة، على متابعة العمليات في المحاور التي كانت متوقفة، والتي تمثل مناطق ريف حلب الجنوبي أبرزها، ما يعني أن لحظة إدلب باتت قريبة جداً، وهو ما تخشاه الفصائل المسلحة، ومن خلفها تركيا التي تعيش أزمة كبيرة في ريف حلب الشمالي، حيث تسعى لاستباق عمليات الجيش السوري في إدلب عن طريق دفع المسلحين وزيادة قدراتهم العسكرية، وهو ما أكده مصدر معارض تحدث إلى «السفير»، موضحاً أن معبر باب الهوى الحدودي في إدلب شهد تدفقاً كبيراً للمسلحين خلال الأسبوع الماضي من الداخل التركي، كما تم إدخال قوافل من الأسلحة، استهدف سلاح الجو الروسي بعضها ودمرها بشكل كامل.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى