مقالات مختارة

تركيا في المأزق محمد نور الدين

ليس جديداً على تركيا الاصطدام بمشكلة القصور عن رؤية الحقائق وفهم الوقائع في الشرق الأوسط. فهذا البلد الذي غاب عن المنطقة مئة سنة منذ خروج آخر جندي عثماني من المنطقة العربية في نهاية العام 1918 يريد العودة بل أراد العودة منذ سنوات إلى المنطقة. وهذا ليس أمراً محرماً بل إنه مستحب من جانب العرب وكل المكونات الشرق أوسطية. لكن ذلك لا يعني أن يقوم الضيف بالعمل على إزاحة أصحاب الدعوة والبيت وإخراجهم منه واحتلاله.

هذا ما سعى حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان وتنظيرات أحمد داود أوغلو للقيام به.

لقد أدركت تركيا أنه لا يمكن القيام بدور فاعل ومؤثر في المنطقة من دون أن تدخل إلى المنطقة وتكون جزءاً منها.

ولقد توسلت ذلك من خلال الأنظمة العربية نفسها سواء في سوريا أو العراق أو في مصر أو في الخليج وشمال إفريقيا، ونجحت ولكن إلى حين. حيث ما لبثت أن حولت بوصلتها من الأنظمة إلى مجموعات وأحزاب تتشارك معها في الخط الإيديولوجي نفسه. فكان السعي التركي للإطاحة بالأنظمة التي كانت بوابتها للدخول إلى المنطقة.

انتهى هذا القصور الاستراتيجي إلى خروج تركيا من المنطقة. وبمعزل عن بعض التقاطعات مع هذه الدولة أو تلك في قضية محدودة بالزمان والمكان فإن تركيا تواجه عزلة كاملة عن معظم محيطها.

ولا شك أن التطورات الأخيرة في سوريا قد سلطت الضوء من جديد على الأخطاء الاستراتيجية التركية في طريقة التعامل مع الأزمات المنبثقة منها.

في رأس هذه المشكلات العلاقة مع أكراد سوريا وخصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يرأسه صالح مسلم. لقد عملت تركيا على استبعاد الحزب من «جنيف 3». لكن الفوبيا الكردية لدى أنقرة بلغت ذروتها من تهديد تركيا بالتدخل في سوريا عسكرياً في حال استمرت قوات الحماية الكردية بالتقدم في منطقة أعزاز ومنغ وتل رفعت.

رفعت تركيا سابقاً خطوطاً حمراء وهي عدم تجاوز الأكراد لنهر الفرات غرباً. لكن قوات الحماية فاجأت الأتراك بأنها لم تعبر النهر ولكنها توسعت من الغرب إلى الشرق انطلاقاً من عفرين.

الفوبيا الكردية في تركيا تفضي إلى محاربة الأكراد أينما كانوا. وهي بذلك لا تريد للأكراد خارج تركيا ما ترفضه هي تجاه أكرادها في الداخل. أي أن معضلتها مع أكرادها تريد تصديرها إلى الخارج هرباً منها لا رغبة في حلها. وهذا أدخل تركيا في صدام عسكري مع الأكراد أولاً في الداخل وثانياً في سوريا.

وأدخل تركيا في اشتباك سياسي مع واشنطن التي طالبت أنقرة بوقف قصفها المدفعي لقوات الحماية الكردية. أنقرة كانت خيرت واشنطن بين أن تكون مع تركيا أو مع «إرهابيي كوباني». ووزير العدل التركي بكر بوزداغ يقول إن كل من لا يرى في حزب الاتحاد الديمقراطي تنظيماً إرهابياً هو إما عنصر فيه أو داعم له. وهكذا كأنه يقول للأمريكيين «أنتم إرهابيون» لأنهم كرروا عدة مرات في أسبوع واحد أن الحزب المذكور ليس إرهابياً.

تتكاثر الأسئلة الموجهة إلى تركيا عن سبب هذا التخبط في سياساتها الإقليمية وتصميمها على محاربة الأكراد. ولماذا تحاربهم وهم أكثر من ضحى وحارب تنظيم «داعش» في وقت لا تحرك تركيا ساكناً ضد هذا التنظيم، بل إن كل إضعاف لقوات الحماية الكردية هو تقوية لتنظيم “داعش”، بل لماذا لا تتدخل تركيا لضرب “داعش” في المنطقة الحدودية معها من عفرين إلى جرابلس بينما تتحرك لمجرد سيطرة الأكراد على بلدة هنا أو مركز عسكري هناك؟

جلبت تركيا لنفسها بسياساتها المتخبطة والمصطدمة مع الجميع المخاطر على نفسها وبدلاً من مصالحة أكرادها بل التصالح أيضاً مع أكراد المنطقة ومنهم الموجودون في سوريا إذا بها تفتح حرباً عليهم في الداخل والخارج. وبدلاً من مراجعة سياساتها إذا بها تتحدى روسيا وتتمرد على الولايات المتحدة ولتتحول إلى عامل توتر واضطراب بدلاً من عامل استقرار في المنطقة. وهذا يفترض بالقوى والدول التي لا تزال تثق بتركيا أن تراجع حساباتها وتدرك أن التعاون مع حصان خاسر نتيجته خسارة السباق.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى