مقالات مختارة

حزب الله «ليس محشوراً» بالوقت رئاسياً ابراهيم ناصرالدين

 

عندما تبرر قيادات تيار المستقبل رفضها انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون رئيسا للجمهورية بالقول: «ان ذلك يعني تسليم لبنان لايران»، فان المرء يظن بان مرشح «التيار الازرق» ما يزال رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وليس رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. انه ليس امرا مثيرا «للسخرية» وحسب وانما يدل على استخفاف فاضح بعقول قيادات وجمهور قوى 14 آذار الذين باتوا مدركين حجم «المازق» الذي ورطهم به الرئيس سعد الحريري، ووضعهم امام خياريين احلاهما «مر»، بعد ان سلم ودون مقدمات بان لا رئيس للجمهورية الا اذا كان منتميا لقوى 8 آذار، اما الصراع على هوية الرئيس فمجرد تفصيل «ولعبة» مكاسب داخلية قابلة للتبدل، حين تجهز «كلمة الفصل» الاقليمية والدولية غير المتوافرة حتى الان لانتاج تسوية رئاسية، لم تنضج بعد.

هذا المعطى يبرر عدم استعجال حزب الله في الانخراط العلني «بمعمعة» الترشيحات الرئاسية، وبحسب اجواء 8آذار، لا يبدو الحزب محشورا في الوقت، وهو ليس في «قفص» الاتهام، كما يحاول البعض الايحاء بذلك، «فكذبة» انه يقوم بدور المعطل لانتخاب رئيس جديد، لم تعد تنطلي على احد، خصوصا ان المرشحين المقترحين من قبل خصومه، يشكلان «راس حربة» في مشروعه السياسي، اما تفاصيل «السلة» المتكاملة التي طرحها السيد حسن نصرالله لانجاز التسوية الشاملة، فلم تلق حتى الان اي تجاوب جدي من قبل تيار المستقبل، وهذا يعني عدم جهوزية الطرف الاخر للتسوية. اما ما حققه الحزب من انتصار في تثبيت هوية الرئاسة الاولى لصالح «خطه» السياسي، فجاء دون اي عناء تفاوضي، والنتيجة كانت انتصارا لاستراتيجية «الصمود» التي بدات تؤتي ثمارها، فلماذا التخلي عنها طالما حققت النجاح المطلوب؟ وثبت بان «الوقت» يعمل لصالح خياراته. واذا كان الصراع على اشده في «معسكر» 14آذار، فهل من الحكمة نقل الازمة الى «ملعبه»؟ ام «الانتظار» ريثما ينقشع «غبار المعركة»؟

طبعا لا تحتاج الاجابة الى الكثير من الذكاء، ولذلك «الكرة» اليوم في «ملعب» تيار المستقبل، والسعودية التي لا تريد تسهيل اي تسوية تحسب في خانة الربح لايران وحلفائها في لبنان! ولذلك تواصل استغلال الانقسامات الداخلية لتبرير الهروب من اتمام الاستحقاق، في ظل انسداد افق التفاهم مع طهران على الملفات الساخنة في المنطقة. وهذا يعني ان الجلسة الرقم 35 التي حدّدها رئيس مجلس النواب في 8 شباط لن تكون الجلسة التي سيتصاعد منها «الدخان الابيض». وفي هذا السياق يواصل «التيار الازرق» «المناورة» للهروب من الاستحقاق، وعلى الرغم من الكلام المعلن في بيان كتلته النيابية حول ضرورة النزول الى المجلس النيابي والاحتكام الى «صندوقة» الاقتراع، بعد «بونتاج» «ازرق» اظهر فوزا صريحا للنائب سليمان فرنجية، الا ان وزير الداخلية نهاد المشنوق ومدير مكتب رئيس المستقبل نادر الحريري، لم يجزما بتامين «ميثاقية» الجلسة النيابية، وابقيا على هامش مفتوح للتنصل من هكذا التزام ، خصوصا بعدما لمس تيار المستقبل تراجعا فرنسيا عن الالتزام بتاييد رئيس تيار المردة، وتراجع النائب وليد جنبلاط «خطوة الى الوراء».

اما محاولة رئيس القوات اللبنانية «حشر» حزب الله من خلال القول «أنّ الساعة دقّت ليثبت حزب الله جدّيته بدعم الجنرال عون، وان رئاسة الجمهورية هي في مكان واحد لا غير، وهي عند حزب الله، وإذا كان الحزب جدّياً بانتخاب رئيس للجمهورية فسيتمّ غداً انتخابُ عون». فهو كلام استهلاكي، براي تلك الاوساط، «فالحكيم» يريد تعزيز «دفاعاته» في مواجهة «حلفائه» السابقين ورعاتهم الاقليميين، من خلال الايحاء بان خطوة ترشيح عون من معراب لها فائدة كبيرة يمكن استغلالها والاستثمار عليها، لايجاد شرخ بين التيار الوطني الحر وحزب الله. ولكن محاولة استرضاء السعودية وامتصاص غضبها، لم ينطل على الحزب، واذا كان «الحكيم» مستعجلا ويعاني من «مازق»، فان الحزب ليس في عجلة من امره، موقفه ثابت في دعم «الجنرال»، و«الرابية» تعرف ذلك جيدا، وتدرك ان حراك المطلوب من الحزب سياتي في الوقت الاقليمي والدولي المناسب، دون تسرع قد يؤدي الى حرق المراحل ومعها حرق فرص عون الرئاسية.

وفي هذا الوقت تقع المهمة الداخلية على عاتق اصحاب «العرس»، فالثنائي القواتي- العوني، مطالب بالكثير من العمل «لتفكيك الالغام» الداخلية قبل تسييل تفاهم معراب رئاسيا، فالأساس يبقى العمل على دينامية سياسية تؤدي الى تراكم الإيجابيات الداخلية لحدث 18 كانون من خلال خلق مناخ عام، ومعادلة عنوانها استحالة ان يتخطى أي كان اتفاق زعيمي أكبر حزبين مسيحيين، يمثلان نحو 90 في المئة من المسيحيين، والمطلوب في هذا السياق تاثير اكبر على موقف بكركي ودفعها للتحول الى «راس حربة» في تسويق هذا التفاهم وتذكير باقي المكونات التي سبق ان كررت المطالبة باتفاق المسيحيين اولا، ووضعهم امام مسؤولياتهم الوطنية.

واذا كان مد الجسور مع الخصوم متعذر لاسباب ومعطيات خارجية، فان معضلة الخلافات ضمن الفريق السياسي الواحد تقع مسؤولية حلها على «الجنرال» وفريق عمله السياسي، وهم وحدهم المسؤولون عن تذليل العقبات، ولا يمكن لحزب الله ان يقوم بالمهمة نيابة عنهم، فتبديد الهواجس وتصحيح الاخطاء المتراكمة، يحتاج الى انفتاح جدي وتواصل مسؤول وجاد، يضع كل «الخلافات» على طاولة البحث، فالتواصل مع الرئيس بري يحتاج الى «تفعيل» للتفاهم على الخطوط العامة للسياسات المستقبلية. اما العلاقة مع النائب فرنجية الذي تعرض بعد «التفاهم الباريسي» لحملة غير مسؤولة «وطائشة»، ادت الى تحول التنافس السياسي ضمن «البيت الواحد» الى «خصومة» سياسية وشبه فراق، فهي تحتاج الى اعادة تقويم جدي من قبل «التيار البرتقالي»، لتسييل كلام «الجنرال» حول «بنوته» «لزعيم» المردة الى واقع، وتحويل «حضن» «الاب» الى ملاذ يطمئن معه «الابن» الى خيارات «الوالد».

خطوة كهذه ستحرج المعترضين على ضفتي 8و14آذار، ولولا وجود ترشيح آخر متمثل بالوزير سليمان فرنجية، لما تمكن الرئيس نبيه بري مثلا من اعتماد «التريث» للهروب من الاستحقاق، لانه من الصعوبة بمكان الدفع بانتخاب رئيس وسطي فيما ثمة عرض جاهز لانتخاب «حليف حليفه»، لكن فرنجية يشكل اليوم «خشبة» خلاص لمن لا يريد التعايش مع عون في قصر بعبدا، ليس لاسباب استراتيجية وانما لحسابات ومصالح مرتبطة بادارة شؤون البلاد، حيث تغيب «الكيمياء» بين الجنرال والكثير من خصومه، والمحسوبين ايضا على الخط السياسي الذي يمثله 8آذار، ولذلك المطلوب الكثير من العمل لاعادة مد جسور التواصل مع «بنشعي» لاعادة «المياه الى مجاريها»، خصوصا ان كلا الطرفين يعرفان جيدا ان حزب الله لم ولن يقوم باستخدام اي نوع من «الضغوط» لاجبارهما على القيام بما لا يريدون القيام به.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى