الأوروبيون ينصحون الأتراك بـ«الواقعية»: الروس أجهضوا أحلام «المنطقة المغلقة»! وسيم ابراهيم
فيما تواصل تركيا جني الأرباح السياسية، بعد المساومة الفجة على ورقة اللاجئين، يجزم مسؤولون أوروبيون بأن إنشاء «منطقة مغلقة» لن يكون ممكناً في الأمد المنظور. الثمن السياسي لتقليل أنقرة تدفقات اللجوء إلى أوروبا لن يشمل الانخراط في ذلك المشروع التركي، رغم إعلان الولايات المتحدة أنها تتبناه الآن.
الاجتماعات عالية المستوى بين الاتحاد الأوروبي والأتراك كانت نتيجةً مباشرة للصفقة حول اللاجئين. وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مدعو إلى اجتماع وزراء خارجية التكتل، يوم الاثنين، لمحاولة التنسيق بين توجهات السياسة الخارجية لدى الجانبين. الملف السوري سيكون حاضراً على الطاولة، إضافةً إلى العلاقات مع روسيا واستراتيجية مكافحة الإرهاب.
استثمر الأتراك ارتفاع الطلب العالمي على محاربة «داعش»، ليقوموا أخيراً بإعادة تغليف مطلبهم بـ «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري. صاروا يسمونها الآن «منطقة مغلقة» أمام التنظيم الإرهابي، لمنع استفادته من نقل النفط وتدفق المقاتلين. لكن تسويق المطلب بغلاف جديد لا يبدو أنه غيّر في رفض الأوروبيين شراءه.
سألت «السفير» مسؤولاً أوروبياً رفيع المستوى حول القضية، فقال إنه «في كلتا الحالتين، سواء إذا كانت منطقة آمنة أم مغلقة، فنحن نفهم مشروعية المسألة، لكن نفهم أيضاً الصعوبة العملية» لإنشائها، قبل أن يشير إلى الصعوبة الأساسية التي أوجدها التدخل الروسي: «كما نرى الآن، حينما يكون لديك طائرات مقاتلة كثيرة في المنطقة، ولديها أهداف مختلفة، لذا لا نرى أنه من الواقعي تماماً تخيّل أن منطقة مغلقة سيمكنها أن توجد داخل سوريا في الأسابيع المقبلة. إذا حصل ذلك فسنرحب به، لكن لنكن واقعيين، نحن لا نعتقد أن هذا يمكنه الحدوث في الأسابيع المقبلة».
هذا التقدير يخالف ما أشاعته واشنطن مؤخراً، عن قرب تطبيق «منطقة مغلقة» بطول 90 كيلومتراً شمالي سوريا. وزير خارجيتها جون كيري قال إن هناك «اتفاقاً كاملاً» مع تركيا حول ذلك، لافتاً إلى أن من سيشارك في إنشاء تلك المنطقة هم الجيش التركي وقوات معارضة «معتدلة» بتغطية جوية من واشنطن ودول في «التحالف».
لكن ديبلوماسياً غربياً نفى وجود أي رغبة لدى دول أوروبية، منخرطة في عمليات «التحالف» الجوية، بالمشاركة في تغطية «منطقة مغلقة». متحدثاً عن بريطانيا، الأقرب إلى واشنطن، والتي دخلت الأجواء السورية أخيراً، قال الديبلوماسي لـ«السفير» إن «الغارات البريطانية تستهدف داعش على وجه التحديد، ولا يوجد أي خطط من أجل توسيع ذلك للمساهمة في إنشاء منطقة مغلقة».
المصدر الديبلوماسي أعاد التشديد على القرار الأوروبي برفض دعم المطلب التركي، رغم التغليف الجديد له، قبل أن يقول بلهجة حاسمة إنه «لا يوجد الكثير من الدعم بين حكومات الاتحاد الأوروبي لإنشاء مناطق آمنة في سوريا».
في السياق ذاته، لا يبدو أن التأزم بين تركيا وروسيا سينعكس في تشكيل أنقرة تحالف ضرورة «جيوسياسية» مع الأوروبيين، رغم كونهم متصادمين مع موسكو بخصوص الأزمة الأوكرانية. أحد المسؤولين المطلعين على تلك الأجواء قال إن سقف الموقف الأوروبي سيكون تمديد العقوبات الحالية على روسيا، كما أشار إلى عدم رغبة الأوروبيين في أي تصعيد مع موسكو لأن «الهدف يبقى التهدئة لمحاولة تطبيق اتفاق السلام في أوكرانيا».
استبعاد «حزب الاتحاد الديموقراطي» من لقاء مجموعات معارضة في الرياض سيكون أحد مواضيع النقاش الأوروبي مع الأتراك. دول أوروبية عديدة شددت على أهمية الإنجازات التي حققها المقاتلون الأكراد في وجه «داعش». خلال إطلاعه الصحافيين في بروكسل على أجواء الاجتماع المرتقب، سألت «السفير» المسؤول الأوروبي عن موقفهم، فأكد عدم موافقتهم على ما جرى، مع الحرص على عدم التصادم مع أنقرة والرياض. قال بعد تردد «نريد عملية شاملة في سوريا، وهذا يتضمن أيضاً المعارضة»، قبل أن يضيف «هذا يعني أن الأكراد يجب أن يشاركوا في النقاش حول الانتقال في سوريا، هذه هي رغبتنا وعلينا مناقشة ذلك مع الأتراك».
القضية بالنسبة لديبلوماسي متابع للنقاش تتعلق بمجاملات ديبلوماسية أكثر من كونها مسألة مقرّرة. قال معلقاً على ما جرى إن «هناك فرقاً بين عدم دعوة الرياض للأكراد إرضاءً لأنقرة، وبين أن يكونوا موجودين على الطاولة» للتفاوض مع النظام السوري.
رغم محاولة اجتماع الرياض تهميش عملية فيينا، لكن وزراء أوروبيين أكدوا أن ما جرى هو في صلبها. وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير أصدر بياناً اعتبر فيه الاجتماع ومخرجاته «الخطوة الملموسة الأولى نحو تنفيذ خريطة طريق فيينا لحل سياسي في سوريا»، معتبراً أن الاتفاق المنجز لفصائل المعارضة التي حضرت «أكثر مما كنا نجرؤ على توقعه».
(السفير)