مقالات مختارة

نهاية أميركانا باكس انسحاب واشنطن من الشرق الأوسط: ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون

 

سعت إدارة أوباما وبشكل واضح الى تقليص دور واشنطن في الشرق الأوسط، على الرغم من صعود “الدولة الإسلامية” (المعروفة أيضا باسمداعش) والحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضدها. ويلفت النقاد الى ان التغيير جاء بسبب رفض الإدارة للتدخل الاميركي في المنطقة، ولعدم رغبتها في الانخراط في العمليات القتالية الرئيسية، وبحسب بعض المحللين فان إيديولوجية الرئيس الاميركي باراك أوباما تقوم على تقليص الانخراط العسكري في المنطقة.

ولكن التدخل الاميركي في المنطقة عقب احداث 11 سبتمبر خصوصا في العراق كان شاذا وشوه صورة الولايات المتحدة في الداخل والخارج. عدم رغبة الإدارة في استخدام القوات البرية في العراق أو في سوريا هو ليس انسحابابل تصحيح لمسار استعادة الاستقرار الذي استمر لعدة عقود بفضل ضبط النفس الأميركي.

من الممكن القول أن الانسحاب هو أقل من اختيار واكثر من ضرورة. يزعم بعض المراقبين أن الواقعية في زمن عدم اليقين الاقتصادي والتخفيضات في الميزانية العسكرية الأمريكية، وسياسة الولايات المتحدة التوسعية في المنطقة أصبحت باهظة التكاليف. ووفقا لهذا الرأي، الولايات المتحدة، مثل المملكة المتحدة، هي ضحية “التوسع الإمبراطوري المفرط”. ويرى آخرون أن مبادرات السياسة الأميركية، وخاصة المفاوضات الأخيرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، جعلت المسافة أوسع بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن المحرك الرئيسي للانسحاب الأميركي ليس ما يحدث في واشنطن ولكن ما يحدث في المنطقة.فقد خفضت التطورات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط فرص التدخل الأميركي الفعال إلى نقطة التلاشي، واعترف صناع القرار في واشنطن بذلك وتصرفوا على أساسه. ونظرا لذلك، يجب أن تتبع واشنطن سياسة الانسحاب المعتدل على الأقل لعدم المخاطرة بالمصالح الجوهرية للولايات المتحدة.

العودة الى الجوهر

بين الحرب العالمية الثانية وهجمات 11 سبتمبر، كانت الولايات المتحدة تمثل جوهر القوة في الشرق الأوسط، ولم تكن تتدخل عسكريا إلا في الظروف الاستثنائية. التدخل الاميركي المباشر لم يكن موجودا بالحد الأدنى في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وأزمة السويس عام 1956، وحرب الأيام الستة في عام 1967 وحرب يوم الغفران في عام 1973، والحرب العراقية الإيرانية في 1980. كما فشلت بعثة حفظ السلام الاميركية بين الأعوام 1982-1984 في لبنان، ودفعت إلى الحرب العقائدية .

واشنطن لا تحتاج إلى سياسة الدفع للأمام، لأن مصالح الولايات المتحدة تتفق إلى حد كبير مع حلفائها وشركائها الاستراتيجيين في المنطقة، ويمكن تحقيق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الوجود العسكري الأميركي المتواضع. تتشارك الولايات المتحدة ودول الخليج العربي في الحفاظ على إمدادات النفط وعلى الاستقرار السياسي.

منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، كان للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربي هدف مشترك باحتواء إيران، بدءا من اتفاقات كامب ديفيد في العام 1978، ولاحقا تلاقي المصالح الاميركية المصرية والإسرائيلية، وتطوير هذه العلاقة الثلاثية التي عززتها المساعدات الأميركية الكبيرة لمصر وإسرائيل على حد سواء. وحتى بعد 11/9 الولايات المتحدة، وإسرائيل، ودول الخليج العربي تقاسمت الأولويات في معاركها ضد الإرهاب.

على مدى العقد الماضي، كانت هناك عدة عوامل لا علاقة لها بجدول اعمال السياسة الخاصة بواشنطن والتي أضعفت أسس هذه التحالفات والشراكات. أولا، ظهور التكسير الهيدروليكي الذي خفض بشكل كبير اعتماد الولايات المتحدة المباشر على نفط الخليج، كما تضاءلت القيمة الاستراتيجية والأولوية للعلاقة الاميركية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي.

في الواقع، الولايات المتحدة سوف تتفوق قريبا على المملكة العربية السعودية والعالم كأكبر منتج للنفط الخام وتحتاج إلى استيراد كمية أقل من الوقود الأحفوري. على الرغم من أن المنتجين الخليجيين سيستمرون بتحديد السعر العالمي لشركات النفط، الا ان الولايات المتحدة سوف تستمر في الحصول على حصتها من الآبار في منطقة الخليج، فالولايات المتحدة تتمتع بمزيد من السلطة التقديرية والمرونة.

انتشار “الجهاد” أيضا عزز الروابط الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. قبل عقد من الزمان، مزيج من الضغوط الأميركية، والصدمة من هجمات القاعدة داخل المملكة العربية السعودية أقنعت السعوديين وجيرانهم بتضييق الخناق على الأنشطة الجهادية داخل حدودها.

دول الخليج العربي اليوم لا تقمع الجهاد الذي يهدف الى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وإلى ضرب إيران، بل على العكس يقدمون له الدعم في سوريا على الرغم من نصائح واشنطن بكبح الرغبة السعودية الخاصة بالإطاحة بالنظام السوري، وتجنب ما قد يحصل بعد الأسد في سوريا أي عندما يحكمها المتطرفون.

بعض الشركاء الاقليميين يعتبرون أنفسهم أقل مسؤولية أمام واشنطن، وواشنطن تشعر بالتزام أقل بحماية مصالح هؤلاء الشركاء، والتي تبدو على نحو متزايد ضيقة وبعيدة عن المصالح والقيم الأميركية بالإضافة إلى ذلك، أدى التطرف الإسلامي لظهور الهوية الاسلامية الحقيقية التي تعقد التدخل الغربي في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، أصبح الشرق الأوسط مكانا مشكوكا فيه للاستثمار بسبب الخلل السياسي والاقتصادي المنتظم والهيكلي دول الشرق الأوسط، تعاني من عجز مالي، وتعاني من ضعف في الوظائف وفي الخدمة المدنية، ولا تؤمن الوقود وغيرها من الضروريات لسكانها.

انخفاض عائدات النفط ربما يحد من قدرة دول الخليج على تمويل احتياجاتها، وقد ادت الصراعات الى سياسة التطرف الديني. الجهود المبذولة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط باعتباره حاضنا للديمقراطيات الليبرالية التي من شأنها تهدئة الشبان المسلمين فشلت حتى عندما كان لدى الولايات المتحدة الكثير من المال لرميه في المشاريع الشرق اوسطية.

تقلص الامكانيات العسكرية الأميركية التي تحدث تغييرا كبيرا في المنطقة.

هذا النقص احدث تغييرا ضمن المجموعات المتواجدة داخل الشرق الأوسط التي تعتبر معاقل الموالين للغرب مثل الجيوش الوطنية، والنخب التي تعمل في صناعة النفط، والعلمانيين التكنوقراط.

العناصر الموالية للغرب اصبحت مصالحها وسياساتها تتباعد بصورة متزايدة عن المصالح الأميركية. الجيش المصري، على سبيل المثال خدم لعقود العلاقات المصرية -الأمريكية. وبفضل انقلاب العام 2013 وضع الجيش الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي على راس نظام استبدادي جديد، الجيش المصري يبذل الآن المزيد من الجهد للسيطرة اكثر من أي وقت مضى في مصر. ولكن هذا نادرا ما يبشر بالخير بالنسبة لواشنطن: فالماضي هو المقدمة، حيث ادى قمع الجيش الوحشي لجماعة الإخوان المسلمين إلى زيادة العنف الجهادي، وقيام الولايات المتحدة بتجميد المساعدات المالية التي ترسل الى مصر سنويا..

لقد تلاشت الآمال منذ سنوات الخمسينات والستيناتمع صعود العلمانية، والتكنوقراط ، والنخبة العربية ذات التوجه الغربي التي من شأنها أن تنشر الافكار المتحررة في المجتمعات.

قوية ولكن عاجزة

حضور سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بات في تضاؤل ​​مستمر ومصالح الولايات المتحدة وشركائها التقليديين في الشرق الأوسط متباينة، وإمكانات القوة العسكرية الأميركية لإحداث تغيير كبير في المنطقة آخذة في التناقص أيضا. اللامركزية في تنظيم القاعدة وظهورداعش، قد زاد من عدم التماثل بين القدرات العسكرية الأميركية والتهديدات الأكثر إلحاحا التي تواجه المنطقة.

مع انزلاق العراق الذي تحتله الولايات المتحدة نحو الحرب الأهلية في العام 2006، انتقلت وزارة الدفاع الأميركية نحو تحسين العقيدة ومكافحة التمرد، وتجديد بنية الجيش لمواجهة الحرب غير النظامية والعمليات الخاصة. ولكن الحكومات الديمقراطية الليبرالية وجدت صعوبة في البقاء في السلطة أو استخدام الوحشية لقمع الحركات الجامحة على المستوى الاقليمي الاجتماعي مثل داعش، الذي لا يعترف بالحدود المادية أو السياسية.

عندما تفقد القوى الخارجية شركاءها المحليين بسبب تماسك بيروقراطي كبير أو شرعية شعبية الولايات المتحدة تصبح لديها الموارد والمرونة لخوض الحروب ضد الدول القومية الحديثة..

عملية عسكرية تقودها الولايات المتحدة ضدداعش، على سبيل المثال، قد تنتج انتصارات رائعة ومرضية. ولكن تداعيات الصراع من شأنها أن تصل الى الوطن وتعبث بالاستقرار المحلي، تعزيز المكاسب التكتيكية يتطلب إرادة سياسية مدعومة من الرأي العام الأميركي.

كادر كبير من الخبراء المدنيين يدركون تماما الأسباب العميقة التي من شأنها أن تدعم انتصار الولايات المتحدة، وهي القوة العسكرية المتواصلة لتوفير الأمن للسكان وللبنى التحتية. ومع كل تلك الظروف، تكافح واشنطن للعثور على المكونات التي يمكن الاعتماد عليها من عملاء، أو حلفاء. ذلك يبدو مألوفا، لان واشنطن لم تكن قادرة على ضبط تلك المعايير عندما تدخلت عسكريا في الشرق الأوسط، مع غزو العراق في العام 2003 والحملة الجوية للناتو ضد ليبيا في العام 2011. ببساطة، الولايات المتحدة قد تخسر حربا أخرى في الشرق الأوسط .

النهج القائم على مكافحة الإرهاب وداعش، ينطوي على توجيه ضربات جوية عبر الطائرات بدون طيار وعمليات كوماندوس دورية، مما يحمل مخاطر جسيمة فالأضرار الجانبية للهجمات التي تقوم بها الطائرات بدون طيار الأميركية، على سبيل المثال، جعلت من الصعب على الحكومة الباكستانية توسيع التعاون مع الولايات المتحدة.

قبل خمس سنوات، تفاخر المسؤولون العسكريون الاميركيون بقيامهم بعمليات خاصة في أفغانستان ادت الى مقتل وأسر عناصر بارزة في طالبان. لكن سقوط ضحايا مدنيين في الغارات قوض الأهداف الاستراتيجية وهو ما أثار حفيظة السكان المحليين والقيادة الافغانية على حد سواء.

لهذه الأسباب، يجب على صناع السياسة الأميركية طرح الشكوك حول جدية تحقيق النصر في الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط. وعلى وجه التحديد شرح وتبرير عدم رغبة إدارة أوباما في التدخل بقوة أكبر في سوريا. درست الولايات المتحدة خلال الفترة الممتدة بين العام 2012 وأوائل العام 2013، بعض الخيارات الخاصة بسوريا، بما فيها فرض منطقة حظر جوي ومناطق عازلة، لتغيير النظام بالقوة، وتوجيه غارات جوية انتقامية محدودة ضد النظام ردا على استخدامه للأسلحة الكيميائية.

لكنها تراجعت مع تدخل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحزب الله اللبناني للدفاع عن سوريا، كي لا تفهم الامور على انها حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وايران، مما سيؤدي الى تصاعد حدة الاشتباكات في باقي المنطقة، ويجعل التفاوض مستحيلا مع طهران لتقليص برنامجها النووي.

وبالإضافة إلى ذلك، التدخل الذي قادته الولايات المتحدة تمتع بدعم دولي كبير جدا: الصين وروسيا كانتا على استعداد لممارسة حق النقض ضد أي قرار للأمم المتحدة يجيز بذلك، تماما كما اعترضتا على الكثير من القرارات.

الحفاظ على الهدوء والدفع نحو الأمام

مصلحة الولايات المتحدة الرئيسية في الشرق الأوسط هي تحقيق الاستقرار الإقليمي. في الوقت الحاضر على الأقل، القيود المفروضة على القوة الأمريكية، تعود لمصالح الولايات المتحدة المترابطة في المنطقة، فضلا عن التنافس بين الولايات المتحدة والصين الذي من شأنه أن يحول اهتمام الولايات المتحدة الاستراتيجي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالتالي ستكون سياسة واشنطن في الشرق الأوسط افضل وبالاخص بشان العلاقات الدولية “والتوازن في الخارج”: الامتناع عن المشاركة في العمليات العسكرية في الخارج والتخلي عن بناء الامبراطورية والتركيز على استخدام نفوذها الكبير لحماية مصالح الولايات المتحدة.

انسحاب واشنطن من الشرق الاوسط يجب ان لا يشكل تهديدا وجوديا حقيقيا لحلفائها الإقليميين، وهذا بطبيعة الحال يتطلب من واشنطن تجنب أي حشد لمزيد من القوى العسكرية الأميركية في المنطقة.

ويقول المنتقدون لسياسة ضبط النفس الاميركية، إنه في غياب قوة الولايات المتحدة، ستقوم ايران أوأي من خصومالولايات المتحدة بالتجرؤ على التفكير بان ضبط النفس سيؤدي إلى الحرب.

حدود ضبط النفس قد تمنع ايران من مواجهة إسرائيل أو فعل أكثر من ذلك والدخول بقوة الى العراق وسوريا واليمن، أو أماكن أخرى من المنطقة لعدم افساد الاتفاق النووي وإحياء العقوبات المؤلمة التي دفعت طهران إلى طاولة المفاوضات في المقام الأول.

يتعين على صناع القرار الأمريكي طرح شكوك جدية حول تبني أي من الصراعات الجارية في منطقة الشرق الأوسط.

ومعرفة ما اذا كان التقارب هو نموذجا واعدا للعلاقات الأميركية الإيرانية، حيث تسعى إيران بشكل واضح لفرض نفوذها في أي مكان، ومن الواضح أنه يمكنها السيطرة على المنطقة. وقد ساعد النفوذ الإيراني في العراق في ملء الفراغ الذي خلفه الغزو الاميركي.

طالما لا تزال بغداد تعتمد على الولايات المتحدة لمواجهةداعش، يجب على واشنطن الإبقاء على النفوذ الكافي لدعم السياسية العراقية المعتدلة والحد من نفوذ ايران. الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين في اليمن والشيعة المنشقين في البحرين هو أكثر انتهازية.

لا يرقى تدخل طهران في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى مستوى التحدي الاستراتيجي: لم تكن حركة المقاومة الفلسطينية حماس قادرة على ترجمة السخاء الإيراني إلى ميزة خطيرة على إسرائيل، ناهيك عن معارضة مصر والسلطة الفلسطينية لحماس. موطئ قدم إيران في لبنان وسوريا يعود لعقود، ولكن هي غير قادرة على تفادي تقسيم سوريا.

حتى اذا اختارت ايران جعل سوريا فيتنام لها، فإن أفضل ما يمكن فعله هو ترسيخ الوضع الحالي للمعارضة المدعومة من الخارج وتقاسم المكافآت الهزيلة مع موسكو.

أنتج الاتفاق النووي انقساما حقيقيا بين الأميركيين والإسرائيليين، الذين يعتقدون أن شروط الاتفاق متساهلة للغاية ولن تمنع الايرانيين من تطوير السلاح النووي. ولكن الفجوة لها عواقب وخيمة. فواشنطن ملتزمة بالحفاظ على علاقتها بإسرائيل، ولها مصلحة استراتيجية في الحفاظ على العلاقات الثنائية مع الجيش الإسرائيلي، الذي يعتبر اقوى جيش قتالي في المنطقة.

الاتفاق النووي مع إيران أيضا زعزع العلاقة مع دول الخليج العربي، ولكن المسؤوليات الاقتصادية والعالمية تفرض على واشنطن مكافحة الإرهاب والحفاظ على علاقة استراتيجية جيدة مع تلك البلدان، وخاصة المملكة العربية السعودية. ودول الخليج العربي تحتفظ باتصال ثقافي أقوى مع الولايات المتحدة أكثر من أي دول أخرى: النخب الخليجية قامت بإرسال أبنائها إلى الجامعات الأمريكية بدلا من الصينية والروسية، أو الدول الأوروبية.

الإسرائيليون والخليجيون لن يشعروا بالذعر: الحكمة تملي وجودا عسكريا اميركيا اقليميا لمنعتوسعداعش بشكل أكبر (في الأردن، على سبيل المثال)، ولردع الانتهاكات الإيرانية للاتفاق النووي والرد على أي تحركات ايرانية لزعزعة الاستقرار، مثل تدخل بري واسع النطاق في العراق.

الوجود العسكري الأميركي في المنطقة يجب أن لا يتغير، ينبغي أن تبقي واشنطن على حاملة طائرات قتالية في بحر العرب. قوة الهيكل والابقاء على العاملين في القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط. الحملة الجوية ضدداعشيجب أن تستمر، فالقوات الأميركية لا تزال بحاجة إلى الانتشار في بعض الأحيان على أساس انتقائي لقمع التهديدات الإرهابية أو حتى الاستجابة بطريقة محدودة للكوارث البيئية. ولكن سياسة ضبط النفس تتطلب تدخل عسكري بري من جانب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتشجيع الشركاء الإقليميين على تحمل المزيد من المسؤولية.

توقعوا القليل واحصلوا على الكثير

بالإضافة إلى التأكيد على انسحابها العسكري تحتاج واشنطن إلى إعادة تقويم أولوياتها الدبلوماسية. في أعقاب الثورات العربية وخاصة في مصر وليبيا وسوريا، وقد أثبتت التجارب أن معظم مجتمعات الشرق الأوسط ليست مستعدة لاتخاذ خطوات هامة نحو الديمقراطية، وحتى المحاولات الاميركية للتشجيع نحو المزيد من التحرر السياسي في المنطقة ينبغي أن يكون أكثر كبتا.

وينبغي أيضا أن يعترف المسؤولون الامريكيون بان تحقيق السلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين مستبعد جدا. وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قادرة على إفشال جهود صنع السلام وفي نفس الوقت الإفلات من العقاب، فهي كانت على ثقة بأن الأميركيين سوف يستمرون في محاولاتهم مهما حصل.

في المقابل، عدم قدرة الولايات المتحدة على تسهيل التوصل الى اتفاق دفع واشنطن الى استخدام ورقة الضغط على السلطة مع بعض الحلفاء الخليجيين لحماية إسرائيل.

يجب على الولايات المتحدة أن تدعم دائما أهداف الديمقراطية والسلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ولكن على المدى المتوسط، بدلا من التشبث بالأهداف غير الواقعية كان يجب على واشنطن الاستفادة من الاتفاق النووي الايراني لتحسين العلاقات مع طهران. وان تكون الصفقة بداية لتحقيق المرونة مع طهران في مجالات أخرى والتركيز على تعزيز التسوية المؤقتة بين الإيرانيين والسعوديين والتي تبدو مستبعدة جدا الآن.

وثمة طريقة للقيام بذلك وهو جلب إيران وغيرها من الحكومات معا في محاولة لإنهاء الحرب السورية باتفاق سياسي. ويجب على اللاعبين الرئيسيين كالولايات المتحدة وروسيا وإيران ودول الخليج العربي الاتفاق على عدم السماح لداعش بتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الاوسط وتسريع نشر أيديولوجيتها المتطرفة وعدم السماح لها بإنشاء امارة الخلافة التي تسعى اليها.

ولكن كل لاعب يجب أن يدرك أن الحل الافضل بالنسبة لكل دولة بما خص الأزمة السورية هو على الارجح غير قابل للتطبيق. وبالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في الخليج، دعم تغيير النظام بالقوة من قبل المتمردين السوريين الذين تسللوا بشكل متزايد سيكون له نتائج عكسية من الناحية العملية.

في الوقت نفسه، وبعد أكثر من أربع سنوات من الجمود العسكري، من الواضح أن دعم إيران المستمر للأسد والتصعيد الروسي الأخير يمكن أن يدفع بالأمور لصالح الدولة السورية برئاسة بشار الاسد. وتدرك طهران وموسكو أنه بغض النظر عن دعمهم لنظام الأسد فأنه من المحتمل أن يصبح من المستحيل إعادة بناء حكم وحدوي في سوريا، لهذه الأسباب، أظهرت كل من إيران وروسيا في الآونة الأخيرة مزيدا من الاهتمام في الوصول الى تسوية عن طريق التفاوض.

اظهر الاتفاق النووي إمكانات الدبلوماسية في التخفيف من حدة الأزمات الإقليمية. بالإضافة إلى مكافحة انتشار الجهاديين، فإن الاتفاق بين الولايات المتحدة وايران لإنهاء الحرب السورية سينهي الأزمة الإنسانية الأكثر إلحاحا في العالم وتستعيد واشنطن هيبتها التي تضاءلت في المنطقة. حل الصراع ربما يساعد واشنطن على إقناع الإسرائيليين بفعالية نهج الولايات المتحدة الجديد.

يجب ان تستفيد واشنطن من السندات الدبلوماسية الجديدة، فالمفاوضات النووية بين القوى الكبرى وعلى وجه الخصوص بين الولايات المتحدة والمسؤولين الإيرانيين، وهذه الخطوة قد تساهم في عقد مؤتمر جنيف الثاني، والذي تعثر في فبراير 2014، وجمع كل الأطراف إضافة الى ايران.

إصرار روسيا بأن رحيل الأسد لا يمكن أن يكون شرطا مسبقا لإجراء محادثات سياسية لا ينبغي أن يكون، فوزير الخارجية الاميركية جون كيري قادر الآن على توجيه النداء إلى الخارجية الإيرانية والوزير محمد جواد ظريف، وتأييد دول الخليج العربي الحذر للاتفاق النووي ومشاركة المملكة العربية السعودية في المحادثات الثلاثية مع الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا في أوائل أغسطس يشير إلى أن عرب الخليج ادركوا اخيرا ان الدبلوماسية هي الوسيلة الافضل لتخفيف حدة التوتر الاستراتيجي مع إيران.

أفضل سياسة للشرق الأوسط هي أقرب إلى ما يسمى من منظور العلاقات الدولية “بموازنة الخارج.”

الجزء الأصعب، بطبيعة الحال، سوف يكون الوصول الى ترتيبات انتقالية معقولة. وسيكون أحد الاحتمالات لإنشاء هيئة لتقاسم السلطة مع السلطة التنفيذية التي يجب ان تهمش داعش وجبهة النصرة، كما هو وارد ضمنا في بيان مجلس الأمن في أغسطس.

حل اخر سيكون في تقسيم البلاد، وإقامة كونفدرالية من نوع ما ليحل محل الحكم المركزي في دمشق. تكتيكية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها بين قوات المعارضة والنظام معتدلة ويمكن أن تكون بمثابة حجر الأساس لتلك الأنواع من الترتيبات السياسية الاوسع، وربما تسمح أيضا للأطراف لمحاربة الفصائل الجهادية، والتي تمثل العدو المشترك.

نضوج الانسحاب

السيادة الأميركية على الشرق الأوسط قد انتهت، على الرغم من أن حرب العراق أضرت بمصداقية واشنطن. الولايات المتحدة لن تنسحب بالمعنى الحرفي للكلمة انما ستستمر في التراجع، وذلك لخدمة الأولويات الاستراتيجية في أماكن أخرى. لا الولايات المتحدة ولا شركائها الإقليميين يريدون أن تمتلك إيران الاسلحة النووية أو يكون لديها دور اقليمي كبير. ولكن بسبب تضاؤل النفوذ الاميركي، فإنه يجب التركيز على إقامة الاستقرار الإقليمي. ومن شأن ذلك أن يكون نهجا أكثر حكمة من الضغط من أجل التحرر السياسي والتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

يتعين على واشنطن بان تقر بأن الحد من دورها العسكري يعني أن حلفاءها سوف يمارسون استقلالية أكبر في القرارات العسكرية الخاصة بهم. بدورهم، حلفاء الولايات المتحدة بحاجة إلى اعلام واشنطن بما يريدون القيام به من مغامرات عسكرية، مثل ضربات المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن.

واشنطن وشركاؤها بحاجة للاتصال والتخطيط الثنائي والمتعددة الأطراف. واشنطن تحتاج إلى أن تكون أكثر وضوحا بشأن ما قد يدفعها إلى التدخل عسكريا وما هو مستوى القوة التي ستستخدمها.

لا تزال إسرائيل تفضل مواجهة إيران، وسيكون على واشنطن مراقبة الصفقة النووية لإقناع الإسرائيليين بفعاليتها. ولكن كلما تقدم تنظيم داعش، تحسن وضع دول الخليج وتركيا قليلا في وجه الولايات المتحدة وإيران.

فورين افيرز

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان

https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2015-10-20/end-pax-americana

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى