مقالات مختارة

مسلحو الزبداني: سخط على القيادة ! عبد الله سليمان علي

 

يعاني مسلحو «أحرار الشام» في الزبداني أوضاعاً سيئة للغاية على الصعد كافة، العسكرية والنفسية والمعيشية والصحية. ولا يعود ذلك إلى التقدم الميداني الذي يحققه الجيش السوري و «حزب الله» فحسب، بل لإحساسهم أيضاً، أن قيادتهم المركزية وحلفاءهم قد تخلّوا عنهم، وحاولوا إدارة المفاوضات بخصوص الهدنة بمنطق الابتزاز وإرادة التكسّب على حسابهم، من دون الأخذ بالاعتبار الأوضاع السيئة التي أصبحوا عليها.

في هذا الوقت، تلقت المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية دفعة، مع إعلان الرئيس السوري بشار الأسد ترحيبه بها، فيما كان مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يشدد على أن أي مبادرة ناجحة لا بد أن تأخذ بالاعتبار الدور المحوري للأسد وحكومته.

وقال عبد اللهيان: «نحن نعتبر أن أي مشروع ناجح لحل الأزمة السورية لا بد أن يأخذ بالاعتبار الدور المركزي للشعب السوري في تقرير مستقبله ومصيره. وستكون مسألة مكافحة الإرهاب أساسية ومهمة، مشيرا إلى أن «المسؤولين السوريين قدموا أفكاراً ومقترحات واضحة وبناءة وقيمة تساعد في مجال إنهاء الأزمة». وأضاف: «نحن متفائلون بهذه الورقة والنتائج المترتبة عليها».

وساد مؤخراً، لغطٌ كبير حول انهيار هدنة الزبداني والأسباب التي أدّت إلى فشلها والطرف المسؤول عن ذلك. ووجهت «حركة أحرار الشام» اتهامات إلى «الوفد الإيراني» بأنه السبب وراء فشل الهدنة، لأنه أصرّ على إخلاء المدينة من أبنائها في إطار سياسة تغيير ديموغرافي يتبعها. كما تحدثت بعض وسائل الإعلام عن حدوث خلاف بين «الوفد الإيراني» والنظام السوري حول شرط الإفراج عن ألف معتقلة من السجون مقابل إخلاء بعض المدنيين من بلدتَي الفوعة وكفريا، حيث رفض النظام الاستجابة لهذا الشرط رغم موافقة «الوفد الإيراني» عليه.

كما أن الشيخ السعودي عبدالله المحيسني شدَّد على رفض النظام لشرط الإفراج عن المعتقلات، ودوره في فشل الهدنة، وذلك في مقطع الفيديو الذي تحدث فيه من قرية الصواغية القريبة من بلدة الفوعة بريف إدلب، والتي كان «جيش الفتح» قد سيطر عليها قبل أيام.

وفي هذا السياق، كشف أحد الناشطين الإعلاميين المقربين من قائد «أحرار الشام في الزبداني» أبو عدنان زيتون، لـ «السفير» حقيقة ما حصل في المفاوضات، وقصة شرط المعتقلات الذي حال دون الوصول بالهدنة إلى خواتيمها السعيدة.

ويشير كلام الناشط بوضوح إلى وجود حالة من الاستياء العام بين صفوف مسلحي الزبداني من موقف قيادتهم المركزية في الشمال، وبعض حلفائهم في «جيش الفتح»، من المفاوضات وطريقة التعاطي معها، إذ لم يتردد الناشط لحظة واحدة في اتهام بعض الفصائل في «جيش الفتح» بأنها تريد «المتاجرة بالمجاهدين»، وأن هذه الفصائل «أصبحت تريد تحرير جميع المدن السورية مقابل الزبداني»، في إشارة منه إلى المعادلة التي أرساها «جيش الفتح» وتقوم على أساس الزبداني مقابل الفوعة وكفريا.

وحول الطرف المسؤول عن انهيار الهدنة وفشلها، قال الناشط أن مسلحي الزبداني بقيادة أبي عدنان كانوا موافقين على الهدنة المطروحة، بل لم يُخْفِ اعتقاده أن أبا عدنان كان يمكن أن يوافق على شروط أسوأ من ذلك، بسبب الحالة الحرجة التي تمر بها جبهة الزبداني وعدم رغبته في إلقاء مقاتليه إلى تهلكة لا نجاة منها إلا عبر المفاوضات. لكن هناك أطرافا ضمن «جيش الفتح» تواطأت في ما بينها، وضغطت على قيادة «الأحرار» في الشمال من أجل طرح شرط الإفراج عن ألف معتقلة من سجون النظام. وشدد على أن هذا الشرط لم يطرح إلا بعد التوقيع على الهدنة، وهو الأمر الذي أزعج الوفد المفاوض عن الطرف السوري (ما يسمونه الوفد الإيراني) لتتوقف المفاوضات بعدها وتنهار الهدنة.

وأكد الناشط بأنه في حال «سقطت الزبداني بيد النظام، فإن ملف المفاوضات بتفاصيله موجودة، وكلّ من تاجر بالمجاهدين سوف ينشر اسمه ودوره في خذلان الزبداني».

وعند سؤاله عن موقف أبي عدنان من محاولات الإفشال، وعدم قيامه بالتواصل مباشرة مع المفاوض السوري لعقد هدنة متجاوزاً قيادته المركزية، قال الناشط إنه فكّر في هذا السؤال لكنه لم يستطع توجيهه إلى أبي عدنان ونار المعارك مستعرة.

وبالنسبة إلى الوضع المعنوي والصحي للمسلحين في ظل تقدم الجيش السوري و «حزب الله» على أكثر من محور، أقرّ ناشط آخر مقيم في لبنان، لكنه على تواصل مستمر مع القادة الميدانيين، بأن الوضع سيئ جداً، وأن «المجاهدين» يحتاجون إلى معجزة للنجاة من هذا الهجوم، خصوصاً بعد أن ضاقت المساحات التي يسيطرون عليها.

وشدد الناشط بشكل خاص على سوء الأوضاع الصحية للجرحى والمصابين، الذين رفض تحديد أعدادهم، موضحاً أنه لم يعد هناك مستشفيات ميدانية وانعدمت وسائل الطبابة كافة، مشيراً إلى أنهم يضطرون أحياناً إلى بتر أعضاء بعض الجرحى من دون تخدير نتيجة افتقارهم إلى المواد اللازمة لذلك. كما أشار إلى أن بعض الإصابات أصابها التعفن لعدم توافر مواد التعقيم، وبعضها أصبح يرعى فيها الدود. لذلك لم يُخْفِ الناشط استهجانه من موقف «قيادة الشمال» في المفاوضات الأخيرة وعدم مراعاتها للأوضاع الحرجة التي يمر بها «المجاهدون».

وفي تأكيد لما قاله زميله الناشط السابق، قال إن الفصائل الستة التي تحاصر الفوعة وكفريا هي المسؤولة عن إفشال الهدنة، وهي من أصرت على طرح شرط الإفراج عن ألف معتقلة. وأشار إلى أن «قيادة الزبداني» عند استشارتها بهذا الشرط رفضته بشكل مطلق، وردت عليهم بالقول: «رح تروحوا المجاهدين ومعهم آلاف المدنيين كرمال ألف معتقلة مجهولة المصير».

غير أن هذا الناشط لفت إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن شرط الإفراج عن ألف معتقلة لا يدخل، حسب رأيه، في خانة إفشال الهدنة، بل قال إن بعض قادة الفصائل فوجئوا من مشاركة «الوفد الإيراني» في المفاوضات، الأمر الذي أثار لديهم اعتقاداً مغلوطاً بأن القضية كبيرة وتستحق المطالبة بثمن أكبر مما كان مطروحاً على الطاولة، فابتدعوا شرط الألف معتقلة. وبعبارة أخرى بحسب الناشط: «الموضوع لم يكن موضوع إفشال، بل موضوع طمع بعد رؤية الإيراني مهتماً بالقضية، وكل ذلك على حساب الشباب المحاصرين في الزبداني».

(السفير)

حوار برّي والفوضى «المضبوطة»: الرئاسة لا تزال مؤجّلة

وفيق قانصوه

بدا في الشهرين الماضيين أن المنطقة وُضعت على سكة الحلول: حراك دبلوماسي مكثف شهدته العواصم الاقليمية والدولية بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الغربية؛ تفويض أميركي لموسكو بالبحث عن حل للأزمة السورية؛ الزيارة الشهيرة لعلي مملوك الى الرياض؛ وغيرها كثير، مما أوحى بأن كرة الحلول لن تلبث أن تتدحرج وتكبر لتشمل كل الملفات العالقة والمعلّقة بما فيها اللبناني.

سرعان ما بدأت تتوالى مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان على وقع ما أُشيع عن مفاوضات ايرانية ــــ سعودية حول اليمن في مسقط، مترافقاً مع جولات السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل على المسؤولين وحثهم على تفعيل العمل الحكومي وضرورة اجراء الانتخابات.

التقط الرئيس نبيه بري اللحظة في خطاب النبطية، الأحد الماضي، فدعا الى «إدراك أهمية الاتفاق النووي… الذي لا بد ان يعيد صياغة استقرار نظام المنطقة، بدءاً من اليمن». إنطلاقاً من ذلك، أعاد إحياء طاولة الحوار. وفي مضمون الدعوة وشكلها، راعى خواطر كل الأطراف. في المضمون عبر اقتصار البحث على قضايا رئاسة الجمهورية وعمل مجلسي النواب والوزراء وقوانين الانتخابات واستعادة الجنسية واللامركزية الادارية (وهي مطالب لـ 8 و14 آذار والتيار الوطني الحر). وفي الشكل عبر تمثيل كل الكتل النيابية. بذلك، يصيب بري أكثر من عصفور: يؤكّد مرجعيته ضمن التركيبة القائمة؛ يلبّي رغبة مزمنة لدى الرئيس تمام سلام بإخراج المسائل الخلافية من مجلس الوزراء؛ يسحب الجدل والاعتراضات العونية من داخل الحكومة ومن الشارع الى طاولة الحوار؛ ويواكب المساعي الاقليمية والدولية بتهدئة داخلية تساعد على تلقّف اي فرصة وترجمتها بانتخاب رئيس للجمهورية.

مصادر مطلعة على الحراك الدبلوماسي في المنطقة تؤكّد أن الثغرة الرئيسية في «الخريطة و«الحقيقة الوحيدة» هي أن لا مفاوضات سعودية ــــ ايرانية حالياً، لا في مسقط ولا في غيرها. وبالتالي، فإن كل المعطيات والتحليلات التي تتحدث عن انتخاب رئيس خلال شهرين، نتيجة هذه المفاوضات المفترضة، «لا صحّة لها على الاطلاق». وتشير هذه المصادر الى أن حزب الله، المعني الأساسي بهذا الملف لجهة التزامه بمرشح وحيد هو العماد ميشال عون ولجهة ايكال الايرانيين والسوريين الملف الرئاسي له (وهو ما أبلغته طهران ودمشق لباريس صراحة)، «ليس في أجواء اقتراب الاستحقاق الرئاسي».

ويؤكّد ذلك ما علمته «الأخبار» من أن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبداللهيان أبلغ سلام، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، بأن السعوديين «وافقوا مبدئياً على الجلوس معنا ولكن لم يتم الاتفاق بعد على توقيت اللقاء ولا على مكانه».

وحتى ذلك الحين، ترسم المصادر صورة قاتمة للوضع الاقليمي، لافتة الى ان التوتر الايراني ــــ السعودي في أعلى مستوياته حالياً: في اليمن تصعيد عسكري سعودي كبير. في العراق تشن الرياض حرباً ضخمة ضد النفوذ الايراني. التصعيد في أعلى مستوياته في سوريا أيضاً حيث الحرب لا تزال مستعرة، وحيث عاد السعوديون الى المربع الأول عبر المطالبة بإبعاد الرئيس بشار الأسد شرطاً لأي حل، متراجعين عن التعهدات التي قطعها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لموسكو بالبحث في المشاركة في تحالف لمكافحة الارهاب يجمعهم مع السوريين والأردنيين والأتراك. أما في لبنان، ورغم مصلحة الطرفين السعودي والايراني بعدم هزّ الاستقرار، إلا أنهما لا يزالان أبعد ما يكونان عن التوافق على أي من الملفات فيه. أضف الى ذلك أن المفاوضات الاميركية ــــ الايرانية حول ملفات المنطقة لم تنطلق بعد، ولن تبدأ الا بعد توقيع الاتفاق النووي في الكونغرس ومجلس النواب الاميركيين. وهي متى انطلقت، فعلى القاعدة التي وضعها مرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي: «لا مفاوضات على حساب حلفائنا في المنطقة»، ما يؤشر الى أن حصد ثمارها لن يكون قريباً.

وعليه لا ترى المصادر في دعوة بري الى الحوار أكثر من محاولة لـ «تنفيس» الاحتقان وإخراج الجميع من عنق الزجاجة. وبالتالي، فإن كل ما يشاع، أميركياً ومحلياً، عن انتخابات قريبة «لا بوادر ملموسة له على الاطلاق». وتخلص الى أن المطروح اليوم أمران: محاولة تهدوية لرئيس المجلس في انتظار اتضاح المسارات الخارجية علها تنعكس ايجاباً على لبنان، ومشروع الفوضى «المضبوطة» الذي ترعاه واشنطن، بتمويل قطري، علّه يضغط على الجميع ويجبرهم على الوصول الى رئيس تسووي. ولكن، في الحالتين، الأمور تحتاج الى مزيد من الوقت، على عكس رغبات بعض من جهّزوا البزّة البيضاء وتصدّروا الشاشات على ظهر الحراك المطلبي أخيراً.

(الاخبار)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى