مقالات مختارة

تدمير آثار سوريا: «داعش» ليس وحده علاء حلبي

 

تضج وسائل الإعلام العالمية بأخبار عمليات التدمير الكبيرة التي ينفّذها تنظيم «داعش» للآثار الإنسانية والحضارية والتراثية في مدينة تدمر، والتي كان آخرها تدمير معبد «بعل شمين» الروماني الشهير، وسط أنباء متزايدة عن نية التنظيم تنفيذ تفجيرات بمعالم أخرى في المدينة، الأمر الذي ساهم بدفع ملف الآثار السورية بقوة نحو صدارة الاهتمام العالمي، على الرغم من مرور نحو خمسة أعوام من نزف هذه الآثار المستمر وتدميرها المتواتر.

جردة حساب سريعة للآثار السورية التي طالتها الحرب، وتعرضت للدمار والتخريب خلال سنوات الحرب المنصرمة تظهر أرقاما كبيرة جداً، وسط تأكيدات مختصين أن هذه الأرقام تتعلق بالآثار التي كانت معروفة ومكتشفة ومسجلة فعلا، الأمر الذي يجعل الآثار التي قامت عصابات التنقيب بالعثور عليها أيضا خلال أعوام الحرب، خارج الحسابات أو التصنيف، ما يضاعف الأرقام، ويضاعف معها حجم النزف في الجرح التراثي الدامي.

مديرية الآثار والمتاحف السورية، وعن طريق خريطة تفاعلية يتم تحديثها باستمرار تمكنت من توثيق 785 منطقة أثرية متضررة في سوريا، موزعة على جميع المحافظات السورية. النصيب الأكبر من الدمار وفق إحصاءات المديرية طال محافظة حلب والتي سجل فيها تعرض 280 موقعاً للضرر في المدينة التي كانت تعتبر عصب الاقتصاد السوري، والتي تضم السوق المسقوف الأطول في العالم الذي طاله الدمار، وأحرق أمام عدسات الكاميرات.

الدمار طال أيضا معظم أرجاء المدينة القديمة في حلب، وحتى قلعتها، التي فقدت جزءا من سورها الخارجي، وتسببت التفجيرات التي وقعت في محيطها بزلزلة أساساتها، إضافة لتعرض درجها الأمامي لأضرار، لتبقى القلعة واقفة على تلة مرتفعة يحيط بها حطام نجم عن قيام الفصائل المتشددة بحفر أنفاق وتفجيرها تحت المباني الأثرية المحيطة بالقلعة.

إلى ذلك، تظهر إحصاءات مديرية الآثار السورية تعرض 114 موقعاً اثرياً سوريا للاعتداء في محافظة حمص، التي تضم مدينة تدمر الأثرية، في حين بلغ عدد المواقع التي تعرضت للأضرار في دير الزور في شرق سوريا 83 موقعاً اثرياً، و77 موقعا في محافظة درعا جنوبا.

وفي وقت تركز فيه وسائل الإعلام العالمية على التدمير الممنهج الذي يتبعه تنظيم «داعش» فقط في سوريا، تؤكد مصادر متابعة لملف الآثار السوري أن تنظيم «داعش» يعتبر جزءا من منظومة كبيرة تعمل على تدمير ونهب الآثار على امتداد الأرض السورية، حيث تقوم عصابات مختصة بسرقة الآثار وتهريبها بنقل هذه التحف والكنوز إلى الأسواق الخارجية عبر الأردن وتركيا، في حين تشدد السلطات اللبنانية رقابتها على عملية تهريب الآثار، وفق المصدر.

وفي هذا السياق، يؤكد المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا الدكتور مأمون عبد الكريم خلال حديثه لـ «السفير» أن «الدمار الذي يطال التراث السوري كبير جداً»، ويوضح أن «جميع المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية عرضة للسرقة والتدمير»، باستثناء بعض الحالات التي تدخّل فيها وجهاء وفعاليات شعبية لحماية الآثار في ظل غياب السلطات.

وشدد عبد الكريم على أن «تنظيم داعش ليس وحده من يقوم بتدمير الآثار والمعالم الأثرية في سوريا، ففي المنطقة الجنوبية من سوريا لا وجود لداعش، ورغم ذلك تتعرض المواقع الأثرية لعمليات سرقة وتدمير ممنهج»، كذلك تتعرض المدينة القديمة في حلب لعملية تدمير مستمرة، وهي منطقة تنشط فيها «حركة أحرار الشام» ومسلحي «الجبهة الإسلامية»، وليس «داعش».

وفي وقت تؤكد مصادر أهلية في تدمر أن تنظيم «داعش» قام بتحويل مقر المتحف الوطني في المدينة إلى «إمارة» مختصة بمنح التراخيص للصوص الآثار لعمليات الحفر والتنقيب في المدينة الأثرية بهدف سرقتها وبيعها، الأمر الذي يوفر موارد إضافية للتنظيم يدعم نشاطه المسلح، شدد مصدر متابع لملف الآثار في سوريا على أن جميع الفصائل المسلحة اعتمدت على سرقة الآثار، ومازالت تعتمدها لتمويل جزء من نشاطها، بالتوازي مع نشاط المافيات المتخصصة بسرقة الآثار وتهريبها.

وتظهر تسجيلات مصورة في العام 2012 قيام مافيات بعمليات تنقيب كبيرة في موقع «دورا أوروبوس» الشهير في دير الزور، وذلك قبل وصول «داعش» إلى المنطقة. كذلك أظهرت صور فضائية نشرت العام الماضي ارتفاعا كبيرا في عدد حفر التنقيب في مناطق ريف دير الزور خلال العامين 2012، و2013 بشكل خاص، كما قام تنظيم «جبهة النصرة» بتدمير عدد كبير من الأضرحة الدينية في حلب، وفي إدلب، أبرزها مقام الصحابي الجليل عمار بن ياسر، والذي جرى تفجير مقامه وتصوير العملية ونشر تسجيل خاص بها في شهر آذار من العام 2013.

ويؤكد مدير الآثار السورية أن «المواقع الأثرية في سوريا تعرضت وما زالت تتعرض لحملة تشويه حضارية كبيرة»، موضحاً أن ما شهدته تدمر حتى الآن ليس سوى «البداية»، خصوصا مع فتح الباب أمام مافيات الآثار في المدينة، وقيام التنظيم بتفخيخ عدة معالم أثرية أخرى تمهيدا لتفجيرها بذريعة أنها «وثنية».

وأمام الصورة السوداء، والأوضاع المأساوية للآثار السورية في ظل الحرب، يرى عبد الكريم أنه لابد من تحرك فعلي، وتنفيذ حقيقي لقرار مجلس الأمن 2199 الذي صدر في شهر شباط من العام الحالي والقاضي بمحاربة عمليات الاتجار بالآثار، موضحا ان «عددا كبيرا من الحكومات والمنظمات الغربية تتواصل معنا بشكل دائم، وتعبر باستمرار عن تضامنها معنا في وجه اللصوص والعصابات التي تدمر التراث السوري، إلا أن هذا التضامن لا يكفي، لابد من تحرك فعلي، فالتراث السوري لا يتعلق بسوريا وحدها، إنما هو تراث إنساني يمس كل إنسان على هذه الأرض».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى