مقالات مختارة

ما هي الخطة البديلة بعد إلغاء المناقصات؟ حبيب معلوف

 

بعد قرار مجلس الوزراء بعدم الموافقة على مناقصات النفايات بسبب ارتفاع أسعارها وتكليف اللجنة الوزارية إعادة درس الملف لإيجاد البدائل، يعود ملف النفايات الى نقطة الصفر. مصادر بيئية متابعة كانت قد حذرت منذ تبني مجلس الوزراء لخطة إدارة النفايات وإعداد دفتر شروط لترجمتها من ان هذه الخطة لن تنجح، أكدت لـ «السفير» ان مجلس الوزراء تأخر كثيرا وأضاع الكثير من الوقت في الرهان على هذه المناقصات التي كانت ناقصة من اللحظة الأولى لقواعد ومبادئ استراتيجية تقوم على التخفيف والفرز من المصدر، وكون الدولة لم تحدد التقنيات المسموحة والأماكن للمعالجة ولا أشركت السلطات المحلية والمؤسسات والأفراد في الحلول وإنجاح الخطط.

وأملت تلك المصادر، بعد إلغاء هذه المناقصات المشؤومة، ان يتم تدارك هذه النواقص الإستراتيجية في المقترحات والخطط الجديدة، مؤكدة ان الأزمة الآن تجاوزت كل الخطط السابقة، بالإضافة الى تجاوزها لموضوع المناقصات والأسعار التي يتم التداول بها اليوم، وان المطلوب إيجاد خطة طوارئ سريعة، تدمج بين الاستراتيجي والآني والطارئ لرفع النفايات المتراكمة منذ أكثر من شهر من الطرق، بالإضافة الى ضرورة رفعها من الأماكن المؤقتة التي جمعت فيها قبل بداية موسم الأمطار، فنكون في كارثة وننتقل الى كارثة أكبر، خصوصا في ضوء مستجدات جديدة زادت الملف تعقيدا، تمثلت بإضراب عمال «سوكلين» منذ صباح امس، وانتهاء قدرة الأماكن المؤقتة على الاستيعاب وامتلاء معامل «سوكلين» أيضا والتوقف عن جمع النفايات من حاويات العاصمة بيروت ابتداء من يوم أمس، ما يعني عودة النفايات الى التراكم في شوارع العاصمة، من دون وجود أي أفق لإيجاد أماكن جديدة مؤقتة.

وزير البيئة محمد المشنوق أكد لـ «السفير» انه لن يدافع كثيرا عن الأسعار وان اللجنة الوزارية ستعاود اجتماعاتها لإعادة درس الموضوع بعد رفض مجلس الوزراء لنتائج المناقصات. أما حول الحلول الآنية للأزمة بانتظار إعادة درس الموضوع وإجراء مناقصات جديدة، لا سيما في ضوء إضراب عمال «سوكلين»، قال المشنوق ان الرهان الآن على خيار عكار كشبه خيار وحيد متبق للخروج من الازمة. واعتبر انه أثناء مناقشة دفاتر الشروط، تم البحث بموضوع عمال «سوكلين» (ما يقارب 4000 عامل)، وقيل وقتها انه من مصلحة الشركات الجديدة ان تتعاقد معهم كونهم اصبحوا اصحاب خبرة. أما الآن ومع إلغاء المناقصات، فيتوقع المشنوق ان يعودوا عن إضرابهم مع إلغاء المناقصات.

وفيما قضى قرار مجلس الوزراء امس بتخصيص عكار بقيمة 100 مليون دولار تقدم على مدى 3 سنوات بهدف إجراء مشاريع إنمائية فيها، والذي يهدف ضمنا الى الطلب من هذه المنطقة ان تستقبل النفايات في مكب سرار بعد ان يتم تجهيزه بمطمر بمواصفات مقبولة، دعت حملة «عكار منّا_مزبلة» في بيان، الى «التصدي لقرارات الحكومة الجائرة بنقل نفايات بيروت الى عكار عبر التجمع في ساحة العبدة». كما أعلن المجلس المدني لإنماء عكار التوصيات التي انبثقت عن المؤتمر الذي أقامه بعنوان «واقع وحلول النفايات في عكار» التأكيد على عدم استقبال أي نفايات من خارج عكار، وعدم مقايضة موضوع الإنماء بملف النفايات، والإصرار على المطالبة بوضع عكار على خريطة الإنماء المتوازن. وإقامة ورش عمل بالتعاون مع بلديات عكار تتعلق بتوعية المجتمع حول مخاطر طمر النفايات صحيا وبيئيا وكيفية معالجتها وإعادة تدويرها وطرق فرزها والعمل على ايجاد الحلول البديلة لمشكلة طمر نفايات عكار بالمكبات العشوائية المنتشرة في عدة مناطق. واعتماد الفرز بالتنسيق مع البلديات والمجتمع المدني.

دفاع الشركات

من جهة اخرى، لم يمر إلغاء المناقصات من دون ردود فعل من العارضين الفائزين، ففي اتصال مع «السفير» اثر إنهاء مؤتمره الصحافي، طلب نعمة افرام ان نهنئه لخروجه من المناقصات الآن وليس غدا، معتبرا انه كان يعرف ان المشكلة التي كانت تنتظره بعد المرور بالشروط الفنية والمالية، هي مشكلة إيجاد المواقع (سواء في ابو ميزان او جبيل) وان التعامل مع الدولة لن يكون سهلا لناحية الدفع أيضا. كما دافع في مؤتمره الصحافي عن السعر الذي عرضه، شارحا ان هناك لغطا قد حصل في الاعلان عن نتائج المناقصات، اذ تم إضافة اسعار الكنس والجميع الى اسعار المعالجة، معتبرا ان السعر المقدم منه من دون الكنس هو 123$/ طن (بالمقارنة مع سعر «سوكلين» البالغ 160$/للطن)، وليس 171$ /للطن. وان الكنس، كما يحصل مع «سوكلين» ايضا، هو سعر مقطوع سنوي. أما مصادر شركة «سوكلين» فقد أوضحت من جانبها ان سعرها من دون الكنس هو 120$/للطن وهو سعر الجمع والفرز والتخمير والطمر والنقل، و140$/للطن مع الكنس. كما اشارة الى كلفة اضافية ليست في دفاتر الشروط الجديدة هي كلفة الكبس والتغليف التي تم اشتراطها في العقود الماضية.

في الاطار نفسه، أكدت مجموعة «باتكو» BATCO ولافاجيت LAVAJET و«فيديريتشي ستيرلنغ» FEDERECI STIRLING و«إيميت» EMIT» المشتركة في مناقصات النفايات بأنها لم ولن تعرف يوماً المحاباة أو الاستغلال السياسي لمصلحتها، وليست حصة لأحد، ولا علاقة لأيّ سياسي سابق أو حالي بمجموعتها.

المجتمع المدني

على صعيد الحراك المدني الذي انطلق بداية كردة فعل على استفحال أزمة النفايات، أجمعت المصادر البيئية، المشاركة وغير المشاركة في الحراك والاعتصامات والاتصالات التي انطلقت مؤخرا، انه يجب عدم الاكتفاء بالشعور بالغبطة لإلغاء المناقصات التي لم تكن مقبولة منذ البداية بيئيا واقتصاديا، وانها يجب ان تستفيد من هذه النتيجة لكي تتحضر لعرض خطة بديلة تدمج بين مطالبها الإستراتيجية التي تقوم على التخفيف من حجم النفايات عبر فرض بعض الضرائب على السلع التي تتحول الى نفايات من المصنع الى التاجر والمستهلك، كل بحسب مسؤوليته، واتخاذ كل الإجراءات القانونية والتنظيمية الرسمية لاعتماد مبدأ الفرز من المصدر. على اعتبار ان مجرد تطبيق هذه المبادئ بالسرعة اللازمة يساهم في خفض حجم النفايات الى النصف تقريبا. واذا ما تم اعتماد مبدأ تخمير المواد العضوية، فلن يبقى من النفايات المنزلية الصلبة التي نعيش أزمتها اليوم إلا نسبة لا تتجاوز الـ20%، يسهل البحث عنها بطرق بيئية مختلفة. بالاضافة الى جمع النفايات المنزلية الخطرة في حاويات بالتعاون مع البلديات التي تشكل 2 او 3% من النفايات، تمهيدا لإيجاد طرق خاصة لمعالجتها، ومنها مفاوضة الشركات والوكلاء أو التجار لاستردادها. وقد نبهت هذه المصادر من الطروحات التي تقترح ان تتولى البلديات نفسها ووحدها الحلول، معتبرة ان الادارة اللامركزية لقضايا البيئة عامة ولقضية النفايات خاصة، لا يمكن ان تكون ناجحة، بحسب التجارب السابقة، إلا اذا كانت هناك دولة مركزية قوية وضعت الاستراتيجيات للمعالجة وأعدت القوانين والمراسيم التنظيمية لإدارتها.

«حزب الله» مصدوم من الفضيحة

عبّر «حزب الله» عن صدمته بـ«الأرقام المالية الفضيحة في العروض المقدمة لمناقصات النفايات»، داعياً إلى «إيقاف مهزلة التداعيات السلبية لأزمة النفايات، لمصلحة الحلول المعقولة التي تعالج المرحلة الانتقالية، ثم الخطة الاستراتيجية الطويلة الأمد». كما دعا الى «إيقاف مسارب الفساد في هذا الملف الخطير على صحة ومستقبل أولادنا ومجتمعنا».

وأشار «الحزب»، في بيان أمس، إلى أن «حق التظاهر السلمي والاعتراض البناء مشروع»، معتبراً أن «الحلول المنصفة ستهدئ النفوس وترسم خطوات العمل لمصلحة الناس في هذا الملف المهم».

ورأى أن «أزمة النفايات هي وجه من وجوه الفساد المستشري والمتراكم خلال العقدين الأخيرين، وما كانت لتصل إلى مستوى المأزق لو تم التزام خطة استراتيجية طرحت معالمها عام 1997، وتم تأكيدها عام 2010، ولم تحرك الإدارات المعنية أي ساكن من أجل تنفيذها، خدمة لأطماع شخصية وسياسية على حساب مصالح المواطنين».

واعتبر البيان أن «أزمة النفايات تشير بوضوح إلى المسؤولين عنها، فتفاصيلها غير خافية على أحد، وعندما يصل الأمر إلى حد الانفجار الشعبي بالمطالبة بحلها في كل مكان من لبنان، فهذا دليل على حجم الكارثة البيئية والاجتماعية والأخلاقية الناتجة من سوء خطوات المعالجة الجادة والبناءة خلال الحكومات المتعاقبة».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى