مقالات مختارة

هل تُنقذ السعودية سعد الحريري؟ ميسم رزق

 

يستنزِف تيار «المستقبل» نفسه. يعيش منذ أشهر أزمة مالية حادة، من دون أي التفاتة سعودية أو اهتمام بابن المملكة. سعد الحريري غائب حتى الحصول على «الأخضر السعودي»

هل تخلّى حكام السعودية عن آل الحريري؟ في أصل السؤال الكثير من المبالغة، لكنّ طرحه مشروع إزاء المشكلات المستعصية التي تواجهها شركة «سعودي اوجيه» المملوكة للرئيس سعد الحريري ولشقيقه أيمن، والمشكلات المالية لتيار المستقبل. الشركة تعاني أزمة مالية خانقة، بحسب مصادر قريبة من الحريري. لم تدفع رواتب موظفيها بانتظام خلال الأشهر الماضية، ما دفع وزارة العمل السعودية إلى إنذارها، والتمنع عن منحها إجازات عمل جديدة، كما ان الوزارة منحت موظفي الشركة الراغبين بمغادرتها حق الانتقال إلى شركات اخرى في المملكة، من دون الحصول على إذن الكفيل الاول، أي «سعودي أوجيه». أزمة الشركة يردّها مسؤولون حريريون إلى امتناع السلطات السعودية عن تسديد ما يجب دفعه لها، لقاء المشاريع التي نفذتها وتنفذها داخل المملكة. ويبرز رأيان لشرح هذا التأخير: الاول، يمكن وصفه بـ»المتطرف»، يقول إن الثنائي الحاكم في الرياض محمد بن نايف ومحمد بن سلمان قرر التوقف عن دعم الحريري، كلّ لسبب خاص به.

الاول، لم يغفر بعد للحريري وصْفه بالسفاح، في إفادته امام محققي اللجنة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. هو لا يكن له الود أصلاً إذ يحسبه على جناح أبناء الملك الراحل فهد، وأبناء ولي العهد السابق سلطان، والملك الراحل عبدالله، كما ان ابن نايف يفضّل تغيير سياسة بلاده في لبنان، والكف عن حصر الدعم السعودي بآل الحريري، والانتقال إلى الانفتاح على كل القوى والشخصيات السنية، حتى تلك القريبة من 8 آذار، معوّلا على كلفة هذا الخيار تبقى أقل من كلفة حصر «تمثيل الطائفة» بآل الحريري. اما ابن سلمان، بحسب أصحاب النظرية المتطرفة انفسهم، فيريد الاستحواذ على «سعودي اوجيه»، في إطار إمساكه شخصياً بالمفاصل الاقتصادية في بلاده. وتشير المصادر إلى ان الحريري التقى ولي ولي العهد السعودي في العاصمة الفرنسية باريس قبل أسابيع بعيداً عن الأضواء، وطلب منه مساعدة الشركة على الخروج من محنتها. وبرغم أن بن سلمان وعده خيراً، إلا ان شيئاً لم يتغيّر بعد. ويقول «المتطرفون» إن دليلهم على ما يقدمونه طريقة تعامل حكام الرياض مع الحريري، وامتناعهم عن الاحتفاء به علناً، بعكس ما فعلوه مع حليفه سمير جعجع على سبيل المثال لا الحصر.

أما أصحاب الرأي الآخر، فأكثر اعتدالاً. يقولون إن تأخير تسديد الاموال المستحقة لـ «سعودي اوجيه» طبيعي، مردّه إلى الضغط المالي الذي تعيشه السعودية في ظل انخفاض أسعار النفط وإنفاقها الكبير على حربَي اليمن وسوريا. ويستسخف هؤلاء نظرية التخلي السعودي عن الحريري، طارحين سؤالاً واحداً: هل يمكن عاقلاً أن يتخلى عن استثمار أنفق عليه المليارات طوال أكثر من 35 عاماً؟

وبين الرأيين، تعيش «سعودي اوجيه» أسوأ أيامها. الشح المالي فيها وصل إلى حد طرح شركة «سيل سي» للاتصالات الخلوية في جنوب أفريقيا (ثالث أكبر مشغل للخلوي في جنوب أفريقيا) للبيع. وكلّفت «اوجيه تيليكوم» (مملوكة لـ»سعودي أوجيه» ولشركة الاتصالات السعودية «أس تي سي») شركة «غولدمان ساكس» لتحديد قيمة حصتها في «سيل سي»، بانتظار السعر المناسب، علماً بأن الأخيرة ترزح تحت دين قيمته نحو 178 مليون دولار.

على مستوى التيار، الوضع ليس أفضل، بل يزداد سوءاً. الأحاديث المنتشرة في كواليس «المستقبل» لا توحي إلا بأجواء اليأس فيه. يُحكى عن أحد موظفي مؤسسات المستقبل الذي خجِل من الإفصاح عن مكان عمله لأن «الصيت سابق»، ومشهورة باتت مسألة عدم قبض الرواتب. وعن آخر اضطر إلى بيع أثاث منزله لدفع جزء من ديونه المتراكمة، وعن زملاء له طُردوا من منازلهم لعدم إيفائهم بالإيجارات. في الكواليس الزرقاء فقط يُمكنك أن تسمع بقصّة أحد حراس قصر قريطم وهو يسكب على نفسه مادة «البنزين» لإحراق نفسه. وعن موظّف الصيانة الذي أصيب بـ»فالج» نتيجة تراكم ديونه. وعن بعض المنسّقين المرتاحين مادياً (كمنسق البقاع الأوسط أيوب قزعون) الذين يتولّون اليوم تمويل نشاطات للتيار في مناطقهم من جيوبهم الخاصة.

منذ أكثر من ستة أشهر وموظفو المستقبل بلا رواتب، فيما الحريري متروك لا يجد له راعياً. وفي عائلته لم يرض أي من إخوته مساندته فيها، علماً بأن مشكلاته الكبرى بدأت بعدما اشترى حصص اخوته في شركة «سعودي اوجيه». حتى الآكلون على مائدة العائلة، غضّوا بصرهم. الرئيس فؤاد السنيورة مثالاً. الأخير كان أضعف من أن يفتح كفّ يده، ليدفع لأحد موظفيه راتباً لا يتجاوز المليون ليرة طيلة أشهر الأزمة، فكانت النتيجة مغادرة الموظف مكان عمله. لاتكال رئيس كتلة المستقبل على الزعيم شواهد لا تنتهي. العاملون في مكتب وزير المالية الأسبق بلا رواتب بانتظار الفرج. سكرتيرته السابقة هاجرت إلى كندا. بقي السنيورة 6 أشهر من دون مساعِدة إدارية لرفضه دفع راتب موظفة جديدة، حتّى أُجبر «التيار» على انتداب إحدى موظفاته لهذه المهمّة. الموظفون الذين يعملون عند السيدة نازك الحريري ليسوا أفضل حالاً. هم أيضاً متروكون بلا معاشات، لأن أرملة الرئيس الشهيد تُصر على دفع رواتبهم من جيب الشيخ سعد!

يُعرف عن تيار المستقبل ضخامة مؤسّساته، بميزانية سنوية تقارب الـ 150 مليون دولار. جميع من فيها اليوم (يبلغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف موظف) ينتظِرون «بِشارة» من المسؤول المالي وليد السبع أعين، الذي يمسِك بملف «الموازنة» من ألفه إلى يائه، لكنّ الحظ السيّئ يقتضي أن يذهب ممسِك مفاتيح «الخزنة» إلى الرياض ويعود فارغ اليدين، في كل مرّة. لا توقعات لديه بانفراج الأزمة. بين يديه جدول كبير بأسماء موظفين تراوح رواتبهم بين 900 ألف ومليوني ليرة، فضلا عن المنسّقين المركزيين الذين يتقاضون معاشات تراوح بين 2000 و3000 دولار، والمنسّقين في المناطق (يتقاضون ما بين مليون و3 ملايين ليرة)، إضافة إلى مسؤول الدائرة ومعاشه نحو 750 ألف ليرة، عدا الضمان الإجتماعي والتأمين الصحّي. أما همّه الأكبر، فيبقى عند النواب والوزراء وكبار الموظفين وحراس الأمن، الذين يعملون في «بيت الوسط»، المندرجين ضمن شركة «ميلينيوم»، التي يملكها سعد الحريري، ويحصلون على رواتبهم منها، إضافة إلى موظفين يتقاضون الأموال من مؤسسات «المستقبل» ولهم مخصصات إضافية من «ميلينيوم».

دخلت الأزمة المالية شهرها السابع، ولم تقرّر المملكة العربية السعودية بعد أن تمنح الحريري «شيك الرحمة». مهما تكُن الأسباب، لا يزال السعوديون «يُديرون أذنهم الطرشاء». غالباً ما كان رئيس تيار المستقبل يحصل على دعم مالي سعودي، إما على شكل دفعات لمشاريع التزم بها مع السعوديين، أو مال سياسي . هو اليوم محروم الاثنين معاً. لا يبرر المستقبليون للسعودية «تقصيرها، فما يحصل سيخلق تشققات داخل الجدار المستقبلي، ومن الصعب لمّ ما سيفرط نتيجة الأزمة». فبحسب مسؤولين مستقبليين، «الناس تخطّوا الحريري، وبدأوا يلومون المملكة لتركها حلفاءها يشحدون اللقمة، فيما تغدق إيران على حلفائها الأموال، برغم كونها خاضعة لعقوبات دولية». أما نتيجة هذا التقصير، فستكون «ردّ فعل شعبيا سلبيا تجاه المملكة»، أولاً، وسعي خصوم الحريري إلى «احتضان جمهوره» ثانياً. وفي هذا المجال، لا يخفي مستقبليون كثر رغبتهم بأن يكشف الإعلام سوء حالهم، لعلّ الموازنة السعودية المقبلة تلحظ بنوداً لإنقاذ سعد الحريري من ورطته. فهل تفعلها الرياض؟

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى