مقالات مختارة

أردوغان رئيساً بالقوة محمد نورالدين

 

تغير النظام السياسي في تركيا من دون أن يدري الأتراك بمن فيهم قادتهم ذلك. ليس في الأمر مزحة سمجة بل حقيقة اعترف بها رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان علناً وبكل جرأة، حتى لا نستخدم مصطلحاً آخر.

قال أردوغان في نهاية الأسبوع المنصرم أمام حشد من الناس في مسقط رأسه ريزه على البحر الأسود إنه رئيس انتخب من الشعب وهذا يرتب مسؤوليات شاملة ويجعله مسؤولاً عن كل شيء. وقال إنه يمارس صلاحياته من هذا المنطلق وهذا يوجب تعديل النظام السياسي ليتلاءم مع هذا الواقع رضي الآخرون أم أبوا.

ما إن أعلن رئيس الحكومة المكلف أحمد داود أوغلو أنه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب الشعب الجمهوري حتى انطلقت أسارير أردوغان مبشرة بأن العد العكسي للانتخابات النيابية المبكرة قد بدأ. وكلامه في ريزه كان عملياً انطلاق هذه الحملة.

كلام أردوغان الأخير يحمل الكثير من التناقضات والمفارقات، أولها أنه يمارس صلاحيات ليس منصوصاً عليها في الدستور. وبدلاً من تعديل الدستور ليمارس صلاحيات وفقاً للتعديل فهو يمارس صلاحيات كما لو أن الدستور تعدل وانتهى الأمر.

وهو بذلك يطلق رسالة اغتصاب واضحة. سوف يمارس صلاحيات غير دستورية رضي من رضي وأبى من أبى.

وهو يطلق رسالة تحدٍ إلى كل الأتراك ولاسيما قوى المعارضة التي تشكل ستين في المئة من الشعب في ضوء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.

ويدرك أردوغان انه يواجه تحدياً صعباً في حال تشكيل حكومة ائتلافية. إذ إن مثل هذه الحكومة ستعني كبح تدخل أردوغان غير القانوني في شؤون الحكومة ومصادرة صلاحياتها ووقف احتكاره للقرار السياسي في الداخل والخارج.

وأردوغان كان ينتظر بفارغ الصبر نتائج الانتخابات النيابية الماضية ليباشر بمشروع تعديل الدستور غير أن النتائج كانت صادمة له ولحزب العدالة والتنمية عندما لم يحصل حتى على الغالبية المطلقة أي النصف زائد واحد.

منتهى آمال أردوغان كان في ان يحتفظ «العدالة والتنمية» بالسلطة منفرداً ليمارس صلاحيات مطلقة بحكم الأمر الواقع والهيمنة على الحزب كما لو أنه ليس هناك رئيس للحزب او للحكومة اسمه أحمد داود أوغلو.

لكن بعد الهزيمة الانتخابية كانت استراتيجية أردوغان الوحيدة هي إفشال تشكيل حكومة جديدة والتذرع بذلك للذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة في الخريف علّها تعيد الغالبية المطلقة لحزب العدالة والتنمية. ومن أجل هذا الهدف لم يتورع أردوغان عن إشعال تركيا بحريق إعلان الحرب على حزب العمال الكردستاني ليحصد بعض التأييد من التيار القومي التركي على أساس انه يحارب منظمة انفصالية.

لكن كلام أردوغان الأخير في ريزه ينقل النقاش إلى مستوى جديد بمعزل عن فوز حزب العدالة والتنمية أو فشله في الانتخابات المقبلة. وهذا يدخل عاملاً جديداً في اللعبة السياسية يفرض رئيس الجمهورية، فقط لأنه انتخب من الشعب، اللاعب الأول والوحيد في البلاد ويحوّل بقية الأحزاب إلى ديكور لا يقدم ولا يؤخر.

في ظل الدستور الحالي فإن كل هذا يعتبر خرقاً كبيراً وفاضحاً للدستور. بل يمكن وصفه بانقلاب سياسي علني لا يختلف بشيء عن الانقلابات العسكرية التي عرفتها تركيا. فقد ذكّر رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو بأن كنعان إيفرين زعيم الانقلاب العسكري عام 1980 مارس صلاحيات مطلقة، ومن ثم صاغها في دستور عرضه على استفتاء شعبي كاريكاتوري عام 1982 وهو الدستور الذي لا يزال سارياً حتى الآن رغم التعديلات الكثيرة التي طالته.

ويذكّر آخرون بأن لويس بونابرت انتخب عام 1848 رئيساً للجمهورية الفرنسية وما لبث أن انقلب على الجمهورية وأعاد اعلان الإمبراطورية تشبهاً بعمّه نابليون بونابرت.

الأمثلة على استخدام صندوقة الاقتراع والانقلاب عليها لتأسيس نظام دكتاتوري كثيرة في التاريخ القريب وأبرز مثلين عليها هما حكم هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا.

الآن يكرر رجب طيب أردوغان التجربة نفسها ضارباً بعرض الحائط خيار الناخب التركي في يونيو/حزيران الماضي الذي قال له «قف» فكان جواب أردوغان احتقار الإرادة الشعبية او العمل الآن وحتى الانتخابات المبكرة المقبلة على استخدام كل وسائل الضغط والترهيب والتزوير والتضليل لكي يحصّل بعض النقاط الإضافية.

لكن حتى لو عاد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفرداً في انتخبات مبكرة فإن أردوغان بهذه الأساليب لا يعمل سوى على محاولة إحياء سلطة أفلست وفشلت وانتهت ولو استغرق نعيها النهائي بعض الوقت.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى