مقالات مختارة

الجهود الحربية السعودية -الإماراتية في اليمن -1 عملية “السهم الذهبي” في عدن مثالاً مايكل نايتس و الكسندر ميلو

 

10 آب/أغسطس 2015

في أواخر آذار/مارس، فرّت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المُعتَرف بها دولياً من عدن، ثاني أكبر المدن اليمنية، عندما اجتاحها الحوثيون ووحدات الجيش السابقة الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وبعد أربعة أشهر، في 17 تمّوز/يوليو، استعادت القوات الموالية لهادي والقوات اليمنية المتحالفة المسمّاة “المقاومة الجنوبية” السيطرة على عدن. وقد ساعد “المقاومةَ الجنوبية” نشرُ قواتٍ برية من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما شكّل عاملاً رجّح كفة الميزان لصالح “المقاومة”. وتستعدّ الآن قوات هادي والوحدات المدرّعة الإماراتية لتوسيع هجماتها المضادة لتطال المدن التي تفصل جنوب اليمن عن العاصمة صنعاء

.

إعادة الاستيلاء على عدن

في 20 آذار/ مارس، سقطت عدن بيد الحوثيين في أعقاب سلسلة من التقدّمات البرية الطويلة المدى التي أحرزها المتمرّدون شمال البلاد بمساندة المروحيات. كذلك، أدّى الاعتداء الخاطف إلى الاستيلاء على تعز (ثالث أكبر المدن اليمنية الواقعة على الطريق المؤدي إلى عدن)، ومن ثمّ قاعدة العند الجوية (وهي عبارة عن منشأة أمريكية -يمنية مشتركة لمكافحة الإرهاب تقع على بعد ستّين كيلومتراً إلى الشمال من عدن)، وأخيراً مطار عدن الدولي والقصر الرئاسي فيها. ولم تبقى سوى جيوب صغيرة من قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” تسيطر على مساحات صغيرة في المدينة، وبشكل رئيسي في شبه جزيرتين ساحليتين هما كريتر (مديرية صيرة)، حيث يقع مرفأ عدن الرئيس، وعدن الصغرى (مديرية البريقة)، حيث تقع مصفاة المدينة وصهاريج تخزين النفط.

وقد صمدت هاتان البقعتان، اللتان لا يتخطّى عرض الواحدة منهما عشرة أميال، مدة ثلاثة أشهر ونصف بمساعدةٍ وفّرتها نيران السفن السعودية والمصرية، والغارات الجوية السعودية، وإعادة التموين بواسطة المنصّات التي أسقطتها الطائرات والسفن. بالإضافة إلى ذلك، أنزلت إحدى السفن مجموعةً مكوّنة من نحو خمسين عنصراً من القوات الخاصة في كريتر في أوائل أيار/مايو. وقد تألّفت المجموعة من يمنيين يخدمون في القوات المسلحة السعودية، ويمنيين آخرين درّبتهم دولة الإمارات، بمن فيهم عدد من ضبّاط الجيش الذين خدموا في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (أو اليمن الجنوبي) سابقاً، بالإضافة إلى مقاتلي القبائل الأصغر سنّاً. ورافقت اليمنيين أيضاً قواتٌ خاصة مجهّزة تجهيزاً جيّداً تنتمي إلى “الحرس الرئاسي” في دولة الإمارات، وهي مُدجّجة بأحدث الأسلحة، كالصواريخ الموجّهة والمضادة للدبابات من طراز “جافلين” التي زوّدتها الولايات المتحدة. وقد شاركت هذه القوات الإماراتية مباشرةً في القتال البري في مدينة عدن بدءاً من الرابع من أيار/مايو، في حين وفّرت طائراتٌ بدون طيّار تابعة للبحرية الباكستانية والسعودية الرصد لدعم نيران السفن.

وصدّت هاتان البقعتان كذلك الهجمات الكبرى التي شنّها الحوثيون في 8 و24 حزيران/ يونيو، وخلال هذه الفترة، تمّ إدخال قوّةٍ أكبر إلى البقعة الصغيرة في عدن الصغرى، قوامها 1500 يمني دعمتهم السعودية ودرّبتهم الإمارات. وقد تمّ توفير 170 “مركبةً مقاومة للألغام ومحميةً من الكمائن” مع أنظمة هاون وأخرى مضادة للدبابات لهذه القوّات عبر مرفأ مؤقت جديد تمّ بناؤه لهذا الغرض بالقرب من المصفاة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ القوّة الأكبر أُنشئت لتكون رأس الحربة في عملية “السهم الذهبي”، وهو الإسم الذي أُطلق على الهجوم المشترك بين قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” لاستعادة عدن. وفي 14 تموز/ يوليو، تدفّقت 75 مركبةً مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن وتضمّ نحو 600 جندي من الحدود الخارجية الغربية لعدن الصغرى واستولت على مرسى جديد في رأس عمران ثم توجهت نحو الشمال الشرقي لتستولي على أنظمة الطرقات شمال مدينة عدن. كذلك، تمّ نقل 95 “مركبةً إضافية مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن” مع 300 جندي عبر ميناء عدن إلى بقعة كريتر لتحرير “مطار عدن الدولي” والمدينة. ورافقت الجنودَ المتوغّلين قواتٌ خاصة إماراتية وسعودية وثماني مركبات قتالية إماراتية من طراز “إنيغما”، مع أنظمة صواريخ رباعية التركيب يمكن التحكّم بها عن بعد. وفي نهاية ذلك اليوم، استعادت “المقاومة الجنوبية” المطار بدعمٍ من قافلة سريعة من “المركبات المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن “، التي شغّلها اليمنيون المدرّبون وعددٌ صغير من القوات الخاصة الإماراتية. وقد وردت أنباء عن مقتل ضابطٍ واحد في القوات الخاصة الإماراتية يُدعى الملازم عبد العزيز سرحان صالح الكعبي خلال الهجوم. وفي غضون ذلك، شنت القوات الجوية الداعمة 136 غارةً في عدن خلال الساعات الـ 36 الأولى من بدء العملية.

احتشاد القوات

في الوقت الذي عزّزت يه قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” سيطرتها على شمال عدن، حوّلت القوات السعودية والإماراتية سريعاً المطار إلى قاعدة عمليات أمامية كبرى وإلى منطقة للانطلاق. علاوةً على ذلك، أنشأ 50 جندياً من “الكتيبة السادسة المحمولة جواً” والتابعة لـ “القوات البرية الملكية السعودية”، محيطاً آمناً. وفي 18 تموز/يوليو، حملت طائرة سعودية من طراز “سي-130” وزير الداخلية اليمني ورئيس الأمن القومي مجدداً إلى عدن، ليُعاد ترسيخ وجود الحكومة، الذي كان غائباً منذ آذار/مارس. أمّا الطائرات الإماراتية والقطرية من طراز “سي-17” و “سي-130″، فقد أمّنت شحنات متكرّرة إلى المطار تضمّنت أنظمة مراقبة الحركة الجوية، للسماح باستئناف الرحلات الجوية المدنية والإنسانية. وفي الأوّل من آب/أغسطس، حطّ نائب الرئيس اليمني خالد محفوظ بحاح في المطار.

كذلك، عزّزت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تدفّق العتاد العسكري إلى موانئ عدن، باستخدامها سفن إنزال الدبابات والسفن الحربية البرمائية، بما فيها سفينة “سويفت” اللوجستية – سفينة حربية فائقة السرعة من طراز “2 (إتش أس في-2)” كانت في السابق تابعةً للبحرية الأمريكية. وبحلول الثالث من آب/أغسطس، كان فريق عملٍ تابع لأحد الألوية المدرّعة/الميكانيكية الإماراتية قد نزل في عدن، بمؤازرة وحدةٍ بحجم كتيبة تضمّ دبابات القتال الرئيسية من طراز “لوكليرك” ومركبات مدرّعة لإصلاح الأعطال، وعشرات مركبات المشاة القتالية من طراز “بي أم بي-3 أم”، فضلاً عن مدافع الهاوتزر الذاتية الحركة من طراز “دينيل جي 6” وعيار 155 ملم، وحاملات قذائف الهاون من طراز “آر جي-31 أغراب” وعيار 120 ملم، وشاحنات “تاترا” من طراز “تي 816”. وبات الآن نحو 2800 جندي إماراتي وسعودي بالإجمال متمركزين في عدن، بمن فيهم القوات الخاصة وما يقارب من لواء كامل من جنود الجيش الإماراتي النظامي والعاملين في الخدمات اللوجستية.

احتمال الدفع شمالاً

بدءاً من 23 تموز/يوليو، تقدمت قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” شمال عدن لتنضم إليها قوات مناهضة للحوثي في محافظة لحج وقاعدة العند الجوية، اللتين تقعان على الطريق المؤدي إلى تعز، وهي مدينة لا تزال تسيطر فيها “المقاومة الجنوبية” على أراضٍ شاسعة. وبدعمٍ من الدبابات ومدافع الهاوتزر الإماراتية من طراز “جي 6″، استعادت القوات اليمنية، المؤلفة من 1500 مقاتل والمدرّبة والمجهّزة من قبل الإمارات، قاعدة “العند” في الرابع من آب/أغسطس، ومن ثمّ قاعدة “لبوزة” العسكرية الواقعة 30 كيلومتراً إلى الشمال في السادس من آب/أغسطس. وأصبحت اليوم قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” على بعد 100 كيلومتر جنوب تعز، بينما لا تزال العاصمة صنعاء تبعد عنها 200 كيلومتر إلى الشمال. كذلك، انتشرت هذه القوات شرق عدن وسيطرت على زنجبار، عاصمة محافظة أبين، عبر عملية أدّت إلى مقتل ثلاثة جنودٍ إماراتيين إضافيين لقوا مصرعهم في انفجار عبوة ناسفة مزروعة على الطريق.

وعلى الرغم من أنّ مقاتلين كثيرين من عدن منضوين تحت راية “المقاومة الجنوبية” لن ينتشروا خارج مناطق سكنهم، إلّا أنّ فريق العمل المشترك بين الإمارت وقوات هادي يمكن أن ينضمّ إلى مجموعة من القوات المناهضة للحوثيين المنتشرة على طول الطريق التي تشهد الزحف. يُشار إلى أنّ هذه القوات في المنطقتين الوسطى والشمالية قد تمّ إمدادها بشكلٍ دوري بفضل عمليات الإنزال الجوية، في وقتٍ بدأت فيه السعودية أيضاً بإرسال الأسلحة والمركبات مباشرةً عبر الحدود لمؤازرة القوات المناهضة للحوثيين في محافظات اليمن الشمالية الشرقية كمحافظتي مأرب والجوف. وعلى الجانب الآخر، قامت قوات الجيش السابقة الموالية لصالح بتزويد الحوثيين بالجزء الأكبر من الدعم بالأسلحة الثقيلة، غير أنّه يصعب بشكلٍ متزايد الاعتماد على هذه القوات، إذ إنّ صالح يتفاوض بشكلٍ مستقلٍ على دور مستقبلي لعشيرة الشيخ عفاش التي ينتمي إليها.

إن ذلك يفتح الباب أمام إمكانية تحقيق تقدّم سريع نحو صنعاء بقيادة المجموعة القتالية المشتركة بين الإمارات وقوات هادي، التي يمكن تزويدها بشكل دوري بالإمدادات في سلسلة من القواعد الجوية التي تحكم المجموعة قبضتها عليها. ومن الواضح أنّ حكومة هادي ستعمد إلى اتخاذ خطوة مماثلة. ففي 24 تموز/يوليو، كشف العميد عبد الله الصبيحي، أحد قادة القوات التي شاركت في عملية “السهم الذهبي” في عدن، عن نيته دفع القوات شمالاً لتنضمّ إلى مقاتلي “المقاومة الجنوبية” في الطريق المؤدي إلى صنعاء في محافظتي تعز وإب، وفي أبين أيضاً إلى الشرق. وبالمثل، ذكرالمتحدث باسم قوات التحالف الذي تقوده السعودية، العميد أحمد العسيري، أنّه في حال فشل محادثات السلام مع الحوثيين، فإنّ قوات التحالف ستستعيد السيطرة على صنعاء بالقوة.

التداعيات السياسية

لم تُسمع حتى الآن، ردود فعل الحوثيين على التقدّم الذي تحققه القوات المناهضة لهم نحو الشمال، بينما بدأت عملياتهم في الجنوب تشبه جهود “اقتصاد القوّة” الآخذة في انهيارٍ سريع. كذلك، أوشكت مناورتهم في عدن على الإطاحة بالحكومة هناك وعطّلت العمليات المشتركة بين قوات هادي و”المقاومة الجنوبية” لمدة أربعة أشهر، ولكن على حساب الدفع بكامل قوات التحالف الذي تقوده السعودية إلى أتون الحرب.

وبمساعدة إيران، قد يتمكّن الحوثيون من تعزيز الجنوب وفرض صعوبات أكبر في وجه قوات هادي وحلفائه (لمعرفة المزيد عن الانتماءات الدينية والسياسية التي تحرّك الدعم الإيراني للحوثيين، انظر المرصد السياسي 2364، ” زيديو اليمن: نافذة للنفوذ الإيراني”). والجديرٌ بالذكر أنّ العميد إسماعيل غني، نائب قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، أقرّ في 24 أيار/مايو أنّ عدداً من الأفراد العسكريين العاملين معه كان يدرّب “المدافعين عن اليمن”، وأنّ الحوثيين يستخدمون بالفعل مجموعةً من الأنظمة الجديدة المضادة للدبابات التي زوّدتها بهم إيران، وبعضها من طراز “ميتيس- أم” و”كورنيت-إي” و “آر بي جي-29”. وقد تسعى طهران الآن إلى إعادة تزويد دفاعات الحوثيين المتهالكة في الجنوب بالإمدادات، أو على الأقل إعداد دفاعاتٍ حوثية محتملة أفضل في صنعاء.

وبناءً على ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في التحالف مواصلة مراقبة الحصار، الذي أدّى إلى وقف إعادة الإمدادات البحرية إلى الحوثيين، مراقبةً صارمة. ففي أواخر أيار/مايو، أدّى تضافر الجهود الدولية إلى ردع أسطول إيراني عن إيصال الأسلحة إلى مدينة الحديدة الساحلية، وبالتالي منع ما كان يمكن أن يكون إعادة الإمدادات الخامسة من هذا القبيل منذ كانون الثاني/يناير. لكن، ربما وصلت هذه الأسلحة إلى الموانئ الساحلية في منطقة القرن الأفريقي عن طريق الشحن العابر، ممّا يؤكّد الحاجة إلى مراقبة الشحنات الأصغر أيضاً. وعلاوةً على ذلك، من الضروري الاستمرار بإغلاق المجال الجوي اليمني بقيادة سعودية من أجل منع وصول كمياتٍ كبيرة من الصواريخ الموجّهة والمضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة الخفيفة والسهلة الحمل ذات الأثر الكبير.

الجهود الحربية السعودية -الإماراتية في اليمن

2- الحملة الجوية

مايكل نايتس و الكسندر ميلو

11 آب/أغسطس 2015

ناقش الجزء الأول من هذا المرصد السياسي الاستيلاء على عدن، وسلط الضوء على نجاح التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بدعم من الولايات المتحدة ضد المتمردين الحوثيين والمؤيدين المسلحين للرئيس السابق علي عبد الله صالح. لكن تبقى جوانب كثيرة من جهود التحالف غير مرضية على الإطلاق، لا سيما على مستوى الأضرار غير المباشرة التي سببتها الحملة الجوية. وإذا لم يتم اتخاذ خطوات لتصحيح هذه العيوب، فقد يلقى المزيد من المدنيين حتفهم، وقد يجني الحوثيون وراعيتهم إيران مكاسب دعائية جمة.

عملية “عاصفة الحزم

بدأت العمليات الجوية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين حين طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في 24 آذار/مارس الماضي [تقديم المساندة لبلاده بما في ذلك] التدخل العسكري “استناداً إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة “، وكذلك “ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك”. وفي 26 آذار/مارس، شنت القوات الجوية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والكويت والبحرين وقطر عملية “عاصفة الحزم”. ومنذ ذلك الحين، شاركت حوالي 170 طائرة مقاتلة في الحملة من بينها 100 من السعودية (ومعظمها من طراز “F-15S” و “يوروفايتر تايفون”)، و 30 من دولة الإمارات (“F-16s” و “ميراج 2000s”)، والعديد من “F-16s” من البحرين ( 15) والأردن (6) والمغرب (6).

ودامت المرحلة الأولى من العملية تسعة وعشرين يوماً وشهدت تركيز قوات التحالف الجوية غاراتها على الأهداف العسكرية والسياسية والبنية التحتية من دون علاقة واضحة باستراتيجية حرب شاملة. وتم استهداف القواعد الجوية ومنشآت الدفاع الجوي أولاً لكسب السيادة الجوية وحرية الاضطلاع بمهام إعادة تعبئة الوقود والاستطلاع الجوي داخل المجال الجوي اليمني أو بالقرب منه. كما تم استهداف أنظمة الصواريخ أرض -أرض بعيدة المدى في مواقعها وفي مواقع الإطلاق المعروفة. كذلك بُذلت جهود لعزل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من تلقي الإمدادات الإيرانية عبر تعطيل المطارات وموانئ البحر الأحمر مثل الحديدة والمخا. وتركزت الضربات الأخرى على تجمعات قوات الحوثيين ومواقع القيادة في الشمال، والدعم الجوي القريب على طول الحدود السعودية -اليمنية، والمعسكرات المتحالفة مع الحوثيين ومخازن الأسلحة.

وبحلول أوائل نيسان/إبريل، حاول التحالف (وفشل بصورة كبيرة) في كبح تقدم قوات الحوثيين نحو الجنوب عبر ضرب الطرق والجسور ومحطات الوقود. واستُنزفت الأهداف المحددة – ذات القيمة العسكرية الحقيقية – إلى حد كبير، حيث تم شن هجمات جديدة أعادت ضرب أهداف محددة أو إصابة ما يشتبه به من أماكن تجمع للقوات الحوثية وتلك المؤيدة لعلي عبد الله صالح. وفي 22 نيسان/إبريل، أعلن المتحدث باسم قوات التحالف العميد الركن أحمد العسيري، عن انتهاء عملية “عاصفة الحزم”، مشيراً إلى أنها “قد أنجزت أهدافها في اليمن من خلال تدمير القدرات الصاروخية لحركة الحوثيين والوحدات العسكرية المتحالفة مع الحوثيين“.

متابعة العمليات الجوية

على الرغم من هذا الإعلان، إلا أن قوات التحالف لم توقف حقاً هجماتها الجوية، بل أن الحملة قد تصاعدت وأصبحت أكثر وحشية ابتداءً من أواخر نيسان/إبريل فصاعداً، وأخذت شكل دورة انتقامية متبادلة. وبعيداً عن الاشتباكات الحدودية والهجمات المتكررة على معسكرات الجيش، والكثير منها كانت فارغة على ما يبدو، هيمنت ثلاث أنواع جديدة على الغارات الجوية المستهدفة، وهي:

·         الضربات الاضطرارية: هاجم التحالف مجموعة من المواقع القيادية والعسكرية المرتبطة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح في محاولة للضغط على عشيرته عفاش للانفصال عن الحوثيين – وهي استراتيجية ربما حققت نجاحاً جزئياً. وغالباً ما تعرضت القواعد العسكرية لضربات مباشرة عقب انشقاق أفرادها والتحاقهم بالحوثيين؛ فعلى سبيل المثال، في 7 تموز/يوليو، وُجهت ضربات نحو “قاعدة العبر” وقتل ثلاثين جندياً من “اللواء 23” بمجرد أن أعلنوا التحاقهم بالحوثيين.

·         العمليات الانتقامية: من بين أكثر الجوانب المثيرة للجدل في الحملة الجوية هو استهدافها الواضح للمناطق المدنية والبنية التحتية في صعدة، موطن الحوثيين [ومولد زعيمهم حسن الحوثي الذي سُمّيت الحركة باسمه]. وقد تسارعت وتيرة هذا الاستهداف مع هجمات الحوثيين على الحصون الحدودية في منطقتي جيزان ونجران في المملكة العربية السعودية منذ أوائل أيار/مايو فصاعداً. وفي السابع من أيار/مايو، بدأت قوات التحالف تحذر سكان صعدة عبر منشورات تدعوهم فيها إلى مغادرة المنطقة. وبحلول السابع عشر من أيار/مايو، أشار تحليل الأقمار الصناعية التابعة للأمم المتحدة إلى أن إجمالي المباني التي تضررت أو دُمرت في صعدة خلال الغارات الجوية بلغ 1171 مبنى (لمزيد من المعلومات حول عدد القتلى المدنيين، راجع القسم التالي). وعمد الحوثيون إلى مجاراة قوات التحالف ضربة بضربه: فقد تزايدت الضربات المدفعية الصاروخية بعيدة المدى والغارات العابرة للحدود إلى المملكة العربية السعودية وأصبحت أكثر قوة منذ أواخر أيار/مايو، مستخدمة قاذفات صواريخ متعددة من طراز “بي أم-21” و “بي أم-27” وأنظمة متطورة مضادة للدبابات المزوّدة من قبل إيران كنظم “ميتيس-إم و “كورنيت-إي” وقذائف صاروخية “آر پي جي-29“).

·         القصف بصواريخ سكود: كان من الواضح أن المرحلة الأولى لعملية “عاصفة الحزم” لم تتخلص كلية من الصواريخ اليمنية الأرضية الإنطلاق والهدف (SSM). ففي السادس من حزيران/يونيو، أُطلق على الأقل صاروخ واحد من طراز “سكود سي” من نسخة معينة (“هواسونغ -6” الكوري الشمالي تم نقله إلى اليمن في عام 2002) على المدينة العسكرية السعودية في مدينة خميس مشيط. وقد كان اليمن يمتلك في الأصل خمسة وعشرين صاروخاً من طراز “هواسونغ-“6 والعديد من صواريخ FROG قصيرة المدى؛ أطلق منها بين أربع إلى عشرين من صواريخ SSM داخل المملكة. ويمكن أن يصل مدى صاروخ “هواسونغ-6” إلى 500 كيلومتر داخل الأراضي السعودية وبإمكانه حمل قذيفة شديدة الانفجار بوزن 770 كغم؛ كما يمكن أيضاً نقله من خلال قاذفات المنصات المتحركة (TEL). وسبق أن أدركت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 1991 خلال عمليات قنصها الشهيرة لصواريخ سكود في العراق بأنه يصعب جداً العثور على قاذفات المنصات المتحركة. ولم يتم التأكد من تدمير أيٍ من صواريخ SSM اليمنية قبل شن العملية؛ ولم تصب الضربات الجوية التي شنها التحالف سوى المواقع الثابتة المرتبطة بهذه الصواريخ.

أضرار جانبية جسيمة

بالنسبة للمراقبين الغربيين الذين اعتادوا على الحملات الجوية الحديثة التي تستهدف الحد من الوفيات بين المدنيين، كان مستوى الأضرار الجانبية في حملة اليمن مذهلاً. وحتى الآن، تشير الأرقام المجمعة من التقارير الصحفية اليومية أن ما بين 4200 و 5500 مدني قد لقوا حتفهم خلال الهجمات الجوية. وتشير احصاءات منظمات الرقابة التي تتمتع بسمعة حسنة عموماً مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية”، و”الأمم المتحدة” بأن معدل القتلى المدنيين هو أربعين شخصاً يومياً، أو حوالي ما مجموعه 4000 شخص منذ أواخر نيسان/أبريل. وفي 6 تموز/يوليو، أُعلن عن وقوع أكبر عدد من القتلى في يوم واحد وهو 176 شخصاً.

وعلى الرغم من أن الائتلاف قد استخدم عدد كبير من الذخائر “الموجهة بدقة”، إلا أن تقرير “هيومن رايتس ووتش” من 3 أيار/مايو قد أشار بأنه يستخدم أيضاً القنابل غير الموجهة والقنابل العنقودية، حتى داخل المناطق الحضرية. وبالمثل، وثقت “منظمة العفو الدولية” استخدام قنابل بوزن 2000 رطل في المناطق المدنية الكثيفة لضرب المنازل غير المأهولة من كبار أعضاء عشيرة صالح، مما تسبب في مقتل عدد لا حصر له من المدنيين. وقد وُجهت انتقادات أيضاً لخيارات مستهدفة أخرى. ووفقاً لـ “مرصد حقوق الإنسان”، قُتل خمسة وستين مدنياً في مكان لسكن العمال بالقرب من “محطة المخا البخارية لتوليد الطاقة الكهربائية” في 24 تموز/يوليو عندما ضربت غارة جوية شنها الإئتلاف، المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر من دون سبب منطقي عسكري واضح – وادعى فريق الرصد بأنه لم تكن هناك أي قوات مسلحة في المحطة ولا حتى في موقع الدفاع الجوي المهجور الواقع على بُعد 800 متر. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر أدلة متزايدة أنه تم استهداف محطات الطاقة والمصانع بصوة متعمدة للحط من مستويات معيشة المدنيين في مناطق الحوثيين.

ولم ينج التراث الثقافي اليمني من الضربات الجوية التي توجهها قوات التحالف على أهداف عسكرية ومدنية قريبة من المواقع التاريخية. فقد تعرضت مواقع “التراث العالمي” التابعة لـ “اليونسكو” مثل “مدينة زبيد القديمة” و”قلعة القاهرة” ووسط صعدة التاريخية لعدة ضربات متكررة. وهو الأمر بالنسبة للأحياء القديمة من صنعاء والمكلا وتعز. وفي مكان آخر، تم تدمير “المتحف الوطني” في ذمار و”مركز التراث اليمني” في عدن، إلى جانب عدد كبير من القطع الأثرية من المنطقة.

التداعيات السياسية

تُعد الحملة الجوية لقوات التحالف انتكاسة مثيرة للقلق تعود بنا لأنواع العمليات التي شنتها عدة بلدان قبل ضربات “حرب الخليج” المحكمة في عام 1991. وتمثل بعض خيارات الاستهداف جهوداً مشروعة للإكراه، مثل ضرب الوحدات الموالية للحوثيين وممتلكات القادة المنحازين لعلي عبد الله صالح. إلا أنه يبدو أن الحملة تركز أيضاً وبصورة واعية على تعميم العقوبات على المدنيين، وخاصة في العمليات الانتقامية التي أعقبت الهجمات الحدودية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية. وقد يكون استهداف المدنيين القاتل غير متعمد، وإنما نتيجة حتمية لاستخدام القنابل الكبيرة أو الأسلحة العشوائية بشكل مفرط في المناطق المأهولة بالسكان. ويبدو أن التحالف عاجز عن العثور على الأهداف الحاسمة التي يلزم ضربها مثل قيادات العدو، والصواريخ، وقوافل القوات، وأنظمة المدفعية المتنقلة. ونتيجة لذلك، تنفق الحملة الجوية الكثير من الوقت في ضرب ما يمكنها العثور عليه، وليس العثور على ما تحتاج ضربه.

لقد مرت الولايات المتحدة في مشاكل مماثلة خلال عملياتها الجوية الخاصة على مدى السنوات القليلة الماضية لتتجه نحو الاستهداف الأكثر دقة وعمليات التخفيف من الأضرار الجانبية. ونظراً لكون سلاح الجو الأمريكي أقرب شريك لقوات التحالف الجوية التي تشن غاراتها على اليمن، فيلزمه إسداء بعض النصائح الحازمة لمخططي الحملة، لعل أهمها: أن الحرب الجوية تُظهر أعضاء التحالف بمظهر الأشرار، وتمنح الحوثيين وطهران [الفرصة] للترويج لمزاعم الانقلاب، وتهدد بتلطيخ سمعة أي سابقة إيجابية قد تولدها هزيمة القوات التي تدعمها إيران.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون “الحملة الجوية الاستراتيجية” على صعدة أدق من ذلك بكثير، وأن تعمل تحت مظلة الحرب الشاملة بدلاً من اتّباع نهج الردود الانتقامية. فالمملكة العربية السعودية قد تعجز عن ردع الحوثيين من خلال [فرض] هيمنة التصاعد عبر شن غارات جوية على إقليمهم؛ وفي المقابل قد تحتاج إلى من يساعدها في مكافحة التسلل ومكافحة المدفعية ومكافحة الضربات المضادة لصواريخ أرض -أرض بالقرب من الحدود. كما بإمكان الولايات المتحدة مساعدة القوات اليمنية الموالية للحكومة على استخدام الضربات الجوية لطرد عناصر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» من القواعد التي استولت عليها. وعلى نطاق أوسع، تستطيع واشنطن مساعدة التحالف في مواجهة المرحلة المقبلة الملحة من الحملة الجوية ألا وهي: تقديم دعم جوي متميز وفعال للأرتال القتالية المتنقلة من القوات اليمنية والإماراتية أثناء تقدمها نحو الشمال.

ويقيناً، لا يمكن للولايات المتحدة في الوقت الحالي الاستغناء عن [استخدام] المتحكمين بالضربات الجوية الآنية أو قدرات المراقبة؛ فهي بحاجة ملحة لهما في العراق وسوريا وأفغانستان. مع ذلك، ربما تملك القوات الجوية الأمريكية ومجتمع الاستخبارات الأمريكي محللي نظم أهداف مقيمين في الولايات المتحدة ربما يساعدون في إعادة ترتيب قائمة الأهداف المتكاملة المشتركة ذات الأولوية للحرب الجوية اليمنية والتأثير في عميلة اختيار الأهداف والأسلحة لتقليل الأضرار الجانبية. وسيوجه لواشنطن على الأقل بعض اللوم عن أي تحركات ينفذها التحالف الذي تقوده السعودية في هذه الحرب، ولذا قد تشارك وزارة الدفاع الأمريكية في التأثير على النتيجة.

مايكل نايتس هو باحث في معهد واشنطن. الكسندر ميلو هو المحلل الرئيسي للشؤون الأمنية في الخدمات الاستشارية للطاقة في “هورايزن كلاينت آكسيس“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى