مقالات مختارة

تحريض الجيش ضد السياسة: يغيل ليفي

 

نشر الوثيقة المسماة «استراتيجية الجيش الاسرائيلي»، التي تحمل توقيع رئيس هيئة الاركان غادي آيزنكوت ـ تم الاحتفال به أمام المحللين على اعتبار أنه شفافية غير مسبوقة. لكن القراءة الحذرة للوثيقة تُبين دور آخر: تحريض الجيش ضد المستوى السياسي.

التحريض هو قبل أي شيء نشر الوثيقة بحد ذاته. الجيش لم ينتظر المستوى السياسي كي ينشر وثيقة تطرح استراتيجية الدولة التي ستتشعب عنها استراتيجية الجيش. المستوى السياسي يدوره تملص من ذلك، كما زعم امير أورن وبحق في «هآرتس» في 13 من هذا الشهر. إن حق السياسيين في التملص وواجب الجيش احترام هذا التملص هو من المباديء الاساسية للسيطرة السياسية على الجيش. إلا أنه في هذه الحالة يقوم الجيش بفرض أولويات العمل للمستوى السياسي. التحريض هو شيء خطير لا سيما على ضوء حقيقة أن الوثيقة لم تطرح للنقاش بل اقوال الجيش هي التي طرحت كحقائق، اضافة إلى أن الوثيقة تبشر بالشفافية ولا تطلب النقاش الجماهيري حول الاولويات التي يقدمها الجيش. مثلا، تطوير القدرات الهجومية قبل القدرات الدفاعية.

رئيس هيئة الاركان يفرض على الحكومة الأوامر التي يتوقعها منها عند الحاجة إلى استخدام الجيش. وحتى لو كانت هذه التوقعات معقولة إلا أن صياغتها بحد ذاتها تشير إلى سعي الجيش إلى فرض شروط اللعب بين المستويات المختلفة في الحروب المستقبلية. الجيش يعرف أن السياسيين لم ينجحوا في كل حروب اسرائيل في وضع الاهداف والنهايات والاستراتيجيات المطلوبة للحرب، ومع ذلك فانه يطرح هذا الطلب. الانحراف عن هذا الطلب، لا سيما إذا تزامن مع الفشل العسكري، سيضع المستوى السياسي في مرتبة متدنية.

ويقول رئيس هيئة الاركان، الأخطر من ذلك هو «إن توجيهات المستوى السياسي تتطلب الاستيضاح والنقاش الشامل بين المستوى العسكري الرفيع (قائد الاركان) وبين المستوى السياسي. التوجيه السياسي هو أساس عملية التفكير الاستراتيجية في هيئة الاركان، لكنه في نفس الوقت يتأثر منها». الفرض يعني أن على المستوى السياسي تحديد توجيهاته بعد تشاوره مع الجيش، وهذا يشكل انحرافا عن مبدأ أساسي هو أن المستوى السياسي يأخذ القرارات بشكل تلقائي.

في الوقت الذي كان فيه رئيس هيئة الاركان دقيق جدا في تحديد التوقعات من المنتخبين، إلا أنه لا يحدد مثلا أي أدوات سيضعها الجيش أمام السياسيين في النقاش الشامل بينهما، هل هي خيارات متعددة كما فعل أسلافه، أم أنها خطة واحدة لا غير كما فعل أسلاف أسلافه؟.

في نهاية المطاف فان رئيس الاركان يحرض ضد وزير الدفاع بواسطة انحرافه عن قانون أساس: الجيش، الذي يقول إن رئيس الاركان يخضع لسلطة الحكومة ووزير الدفاع. وحسب نظرية آيزنكوت فان المستوى السياسي يوجد في وضع غموض، وليس هناك أي ذكر لوزير الدفاع. إلا أن صيغة القانون تتطلب الدقة. ايضا قانون الاساس: الحكومة، شذ عنه رئيس الاركان. بحيث أن القانون يقول إن الدولة لا تخرج إلى الحرب بدون قرار الحكومة. أما الوثيقة فتقول إن رئيس الاركان هو الذي يحدد الأداء العسكري بواسطة التمييز بين الوضع الروتيني والطواريء والحرب. حيث يستطيع رئيس الاركان فرض أداء عسكري حربي دون اعلان الحكومة عن ذلك.

الحديث هنا يدور عن وثيقة غير مسبوقة تحرض ضد المستوى السياسي من خلال نظرية شاملة وليس تصريحا آنيا. وحتى لو وافق المستوى السياسي على نشر الوثيقة، فليس من حقه التسليم بعدم افضليته. بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وزملاءهم ليسوا هم المستوى السياسي، بل هم من يشغلونه مؤقتا.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى