مقالات مختارة

الليرة التركية في شمال سورية: الاحتلال الاقتصادي عامر نعيم الياس

 

شمال سورية صار تحت الاحتلال الاقتصادي التركي رسمياً في ضوء تواطؤ دوليّ ـ أميركيّ واضح في هذا المجال. إذ أعلنت ما تسمى «نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار» وبتغطية من «جبهة علماء بلاد الشام» وموافقة التنظيمات الإرهابية المسلحة العاملة في شمال سورية وتحديداً في مدينة حلب وريفها وفي مقدّمهم «جبهة النصرة»، عن بدء استخدام العملة النقدية التركية بديلاً عن العملة السورية وبشكل رسمي، لتصبح العملة الرسمية للمناطق التي يصفها «المعارضون» بأنها «محرّرة».

الإعلان هذا يكشف عن عدة مخاطر وسلبيات لا يمكن تجاوزها والاستسهال في شأنها، في ضوء ما تعاني منه البلاد من تطوّرات على جبهتها الشمالية ـ الغربية وفي ما يخصّ النشاط الميداني لما يسمى «جيش الفتح»، والذي لا يزال يتقدّم على خط المواجهة بين محافظتَي حماة وإدلب، وتحديداً في منطقة سهل الغاب التي تغيّرت فيها خطوط التماس في الأيام الأخيرة لمصلحة التنظيم الإرهابي المدعوم مباشرةً من أنقرة وواشنطن.

فعلة رغم عدم قدرة أردوغان على تحقيق هدفه الرئيس من انخراطه في تحالف أوباما ضدّ «داعش»، والمتمثل بإنشاء «منطقة آمنة» في سورية على الأرض وميدانياً لأسباب أهمها أنها لا تحوز على تغطية من واشنطن والأطلسي، ولا يمكن تمريرها أممياً، فضلاً عن عدم وجود أي نيّة لاستخدام القوات البرية لتحالف أوباما في سورية، من دون أن نغفل عدم قدرة نظام أردوغان الإسلامي على مواجهة «داعش» والأكراد والدولة السورية بشكل متزامن، إلا أن الواقع المركب في شمال سورية وشمالها الغربي يكشف عن خطوات مدروسة تقوم بها حكومة «العدالة والتنمية» لوضع لبنات دويلتها الحلم وعاصمتها مدينة حلب، أهمها الاحتلال الاقتصادي لشمال البلاد، فقرار الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين في حلب، وموافقة التنظيمات المسلّحة الوهابية القاعدية عليها، تعني تقسيم سورية على أساس اقتصادي والتأسيس لنظام نقدي بديل يقوم على إقصاء البنك المركزي السوري، ليحل محله البنك المركزي التركي، وبالتالي البدء بعملية، ليس إلحاق الاقتصاد السوري بالتركي بقدر ما هو شطب الاقتصاد السوري في شمال سورية عن الخريطة، والبدء بإجراءات دمج الاقتصاد السوري بالتركي في المناطق التي تقع تحت احتلال المنظمات الإرهابية ويديرها سياسياً، على الأقل بالنسبة إلى التعامل الرسمي مع الأتراك، تنظيم الإخوان المسلمين في سورية، هذا الدمج الذي يعدّ وفقاً لتجربة الاتحاد الأوروبي المرحلة الأخيرة من تأسيس الوحدة النقدية والتي أدّت إلى إعطاء الاتحاد الأوروبي وجوده وهويته الفاعلة على الساحة الأوروبية. فمن دون العملة الأوروبية الموحدة ومنطقة اليورو لا وجود لسياسة وهيمنة فاعلة للاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء. ولعل في تجربة اليونان المثال الأكبر على ذلك.

إن تشريع استخدام الليرة التركية في سورية سيؤدّي إلى سيطرة البنك المركزي التركي على كافة المستويات الاقتصادية وعمليات التداول في الشمال، وسيصبح المركزي التركي بمثابة الموجّه العام للسياسات النقدية في شمال البلاد والتي ستلحَق كافة مؤشراتها به على مستوى الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها. هذا إضافةً إلى أن من شأن الركون لهذه الخطوة والتسليم بها أمراً واقعاً، من شأنه تقسيم سورية على أساس اقتصادي ففي مناطق سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي يستخدم «الدينار الذهبي»، فيما يحتمل أن يتشجع الكيان الأردني ويقدم على خطوة طرح «الدينار الأردني» في جنوب البلاد، أو حتى استخدام «الشيكل» الصهيوني في بعض مناطق سورية، فالحرب التي تخوضها سورية لا تراهن على الميدان فحسب، بل هي حرب ذات مستويات متعددة على رأسها الاقتصاد. فالإعلام، ثمّ التخريب الممنهج وتدمير البنى التحتية للبلاد، واحتلال ما يمكن احتلاله على الأرض، والواضح أن الرئيس الإخواني في تركيا يدرك ذلك تماماً ويعمل عليه وهو ما لا يمكن التغاضي عنه أو التقليل من شأنه. فما يجري في الشمال وعملية سلخٍ لا بد أن تنتهي أو تشرعن وجوداً عسكرياً من نوع ما في مناطق رُبطت طائفياً ويستكمل ربطها نقدياً واقتصادياً مع أنقرة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى