مقالات مختارة

المبادرة الإيرانية: مغازلة التقسيم عامر نعيم الياس

 

نقلت قناة «الميادين» عن مصدر إيراني رفيع المستوى بنود المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية والتي جاء فيها «وقف فوري لإطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إعادة تعديل الدستور بما يتوافق مع طمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سورية، إجراء انتخابات في البلاد برقابة أممية».

مما لا شك فيه أن المبادرة الإيرانية المعدّلة تقترب من الغرب وطروحاته بعد الاتفاق النووي الإيراني. فَرِهان الرئيس الأميركي على سلوك إيراني معدّل في المنطقة لا ينبع من ضغط واشنطن على الأجندة الإيرانية السياسية الخارجية، بقدر ما يبلور انعكاساً لرغبة إيرانية في أداء دورٍ نموذجي في المنطقة يعزّز حضور إيران الإقليمي باعتبارها قوةً ناعمة إن بادر الطرف الآخر في المحور المقابل لها إلى التعاون والتفاهم معها.

وفي هذا السياق تحديداً، حملت المبادرة الإيرانية ما يمكن قوله نقاطاً سلبية وأخرى إيجابية نبدأ بالحديث عنها، أهمها ما بتعلق بفصل السلطات داخل الدولة السورية، فتشكيل حكومة وحدة وطنية وإن أخذ جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أنه يراعي عدم الخوض في أهم تفصيل يتعلق بالمنصب الآخر لرئيس الجمهورية باعتباره ضابطاً في القوات المسلّحة والقائد العام لها. هنا تخرج المؤسسة العسكرية عن نطاق التداول، ويغدو كل ما يدور الحديث عنه عن حلفٍ داخل سورية لمكافحة الإرهاب عبارةً عن شراكة مع بعض مجموعات معارضة مسلحة يراد لها غربياً أن تنخرط في محاربة ما يعتبره الغرب إرهابياً.

أما في الرهان على الرقابة الأممية على العملية الانتخابية، فهو في مكانه كونه يكشف الحقائق حول شعبية القوى في سورية ويعرّي أي محاولة من قبل أي طرف من الأطراف المتنازعة للتشكيك بنتائج الانتخابات وما سيبنى عليها في المستقبل. من دون أن نغفل هنا الإشارة إلى حكومة وحدة وطنية وهو ما يفرّغ الحديث عن مرحلة انتقالية من دون الأسد من مضمونه، فحكومة وحدة وطنية هي حكومة تعمل بوجود الرئيس الأسد وتستمد صلاحياتها من الدستور الموجود ومن الرئيس شخصياً.

لكن، على رغم كل ما سبق، فإن الحديث الإيراني في المبادرة عن «دستور يطمئن الأقليات الإثنية والطائفية» وإيران هي الحليف الأكثر قرباً من الدولة السورية، يطرح عدداً من علامات الاستفهام حول جدوى هذا التنازل الخطير قبل التفاوض حول المبادرة الإيرانية مع الغرب والدول المسؤولة عن الصراع في سورية إن أتيح لها ذلك، فهل المقصود بمراعاة الحقوق الإثنية والطائفية التقرّب من الأكراد ومقاربتهم للحكم الذاتي لكانتون يتم وصله جغرافياً بشكل قسري في الجزيرة السورية، وماذا عن التركمان والتنسيق مع تركيا في الملف السوري، هل تحاول طهران طمأنة أنقرة، وما هي حدود هذه الطمأنة إن وضع هذا الملف على طاولة التفاوض من جانب طهران قبل باريس أو واشنطن اللتان باتتا تتحدثان في أدبياتهما الإعلامية وبعض السياسية عما يسمى «كردستان سورية». إلى أي مدى ستتم عملية الطمأنة، هل ستؤدي إلى تشريع «الفيدرالية» أو «اللامركزية» في سورية؟

تحاول إيران الدخول مباشرةً في أجواء التفاهم النووي، تستخدم القوة الناعمة إلى جانب الخشنة كما واشنطن تماماً، وهذا حقها، لكن في سورية لا حياة لدستور لا يشرّع المساواة بين المواطنين على أساس الهوية الوطنية، ولا وطنية من دون تعريف واضح لها يحدد أسسها ومبادءها، ولا بقاء لوطن من دون دستور ومواطَنة وهوية واضحة لأبنائه، ولا دين لدولة بل هوية وحضارة، وعلى سورية بعد حرب دمرتها أن تكون دولة مواطنة وعلمانية لا دولة مراعاة نعرات طائفية وطموحات إثنية وتعايش مشترك.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى