مقالات مختارة

تركيا التي تحترق محمد نورالدين

 

اشتعلت تركيا فجأة. أعلنت الحرب على «داعش» وعلى حزب العمال الكردستاني وعلى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الممثل السياسي للأكراد في البرلمان بثمانين

نائباً. وأضافت أنقــرة إليهم بعض الحركات اليساريـة الراديكالية.

الإعلام الموالي لحزب العدالة والتنمية يواكب جيداً مواقف مسؤولي الحزب ويصف هذه الحرب بأنها حروب متعددة، أو حرب بثلاثة قوائم: «داعش»، حزب العمال الكردستاني، واليسار المتطرف.

بعد أسبوعين تقريباً على افتتاح هذه الحروب يتبين أنها حرب باتجاه واحد: كسر شوكة الكتلة الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي أي كسر الأكراد بجناحيهم العسكري والسياسي.

غابت نهائياً الحرب ضد «داعش» رغم أن التحول المعلن كان تفجير «سوروتش» الذي أودي بحياة 32 شخصاً وجرح أكثر من مئة واتهمت الحكومة «داعش» بالوقوف وراءه.

اللافت هنا أن تنظيم «داعش» حتى الآن لم يتبن هذا التفجير كما أنه لم يقم بأي عملية رداً على إعلان تركيا الحرب عليه فضلاً عن أن تركيا لم تستهدف إلا بخجل وبصورة استعراضية بعض مراكز التنظيم.

الحرب ضد «داعش» تقع خارج سياق أي استراتيجية تركية فعلية. الهمّ التركي في مكان آخر.

الهمّ التركي اسمه رجب طيب أردوغان. وبداية هذه المعضلة بدأت مساء السابع من يونيو/حزيران الماضي، أي بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك اليوم وانتهت إلى هزيمة مزدوجة لحزب العدالة والتنمية. الأولى فشله في الحفاظ على الغالبية المطلقة وبالتالي على السلطة منفرداً والثانية ونتيجة لهذا الفشل دفن أحلام أردوغان في تعديل الدستور والانتقال إلى نظام رئاسي والذي كان يتطلب ليس الغالبية المطلقة بل ثلثي المقاعد(367) أو 330 مقعداً لتحويل الاقتراح إلى استفتاء شعبي.

كل شيء يبدأ من هناك وكل الحروب المعلنة جاءت لاحقاً في هذا السياق. كل الانقلاب على المواقف من «داعش» إلى حزب العمال الكردستاني إلى حزب الشعوب الديمقراطي إلى إنهاء عملية المفاوضات مع عبدالله أوجالان جاءت بعد النتائج النيابية الصادمة لأردوغان.

لا يظنن أحد أن في الأمر مبالغة عندما نقول إن كل شيء مختزل ومختصر ومرتبط بحالة التوتر التي اعترت أردوغان والتي جعلت منه أسداً جريحاً وجد نفسه فجأة داخل قفص بعدما كان يرعب الغابة ويخاف منه كل من يعيش فيها.

السيناريو الذي وضعه أردوغان بعد النتائج مباشرة هو ليس التساؤل عن كيفية الانتقال إلى نظام رئاسي، فهذا بات من مستحيلات العالم السبع وليس فقط من عجائبه، بل كيف يمكن لحزب العدالة والتنمية العودة منفرداً إلى السلطة.

الجواب عند أردوغان بسيط وهو إفشال تشكيل أي حكومة ائتلافية بين حزب العدالة وأي من أحزاب المعارضة. فخيار الحكومة الائتلافية يكبل يدي أردوغان وهو الذي اعتاد على إطلاقهما ضد هذا وذاك. وبالتالي لا يبقى بعد 23 أغسطس/آب، آخر مهلة لتشكيل حكومة جديدة، سوى الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة في الخريف. لكن لتحقيق النصر في تلك الانتخابات شرع أردوغان في تطبيق سيناريو يحوّل البلاد إلى بركان من نار ولهب وإلى ملعب للفتنة والقتل. وذلك عن طريق كسر القوة السياسية التي أسقطته في الانتخابات أي حزب الشعوب الديمقراطي وظهيره العسكري حزب العمال الكردستاني. وانتهج من أجل ذلك خطة عسكرية بضرب قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق وفي الداخل التضييق على حزب الشعوب الديمقراطي. عسكرياً يريد أردوغان أن يظهر للقوميين الأتراك أنه الحامي الوحيد لهم ويريد أصواتهم، وسياسياً إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي أو قطع التمويل الحكومي عنه أو رفع الحصانة النيابية عن قادته وبالتالي إرسالهم ضعفاء إلى الانتخابات النيابية المبكرة. حينها يستطيع حزب العدالة والتنمية تحسين وضعه بكسب بعض النقاط الإضافية الكافية للفوز بالنصف زائد واحد أي 276 نائباً (الآن له 258 نائباً) والتفرد بالسلطة من جديد. وحينها بالضبط تنفرج من فوق أسارير أردوغان بعد أن تكون روما قد احترقت من تحت.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى