مقالات مختارة

حرب أردوغان عبد الله بوحبيب

 

دارت تركيا غرباً بعد انقلاب مصطفى كمال (أتاتورك) في العام 1923، وغيّرت أبجديتها من العربية الى لاتينية معدّلة، واعتمدت العلمنة نظام حكم. ثم التحقت في الحرب العالمية الثانية بدول الحلفاء في مقابل ضم لواء الاسكندرون إليها. بعدما انضمت الى الحلف الأطلسي، طرقت أبواب الاتحاد الأوروبي للانضواء فيه، كما تحالفت مباشرة مع إسرائيل وتصرّفت كأنها لم تستعمر معظم العرب أربعة قرون. عكست الديبلوماسية التركية الاتجاه الجديد في اصطفافها في عواصم العالم مع الديبلوماسية الغربية وانعدام الاكتراث بمشاكل العالم العربي .

لكن الريف التركي لم يقبل بالعلمنة المطلقة واستمر في تأييده، بين دورة انتخابية وأخرى، الأحزاب الدينية التي كانت تُواجَهْ بانقلاب عسكري كلما حاولت قيادتها التخفيف من العلمنة والإكثار من التقاليد الإسلامية، الى أن نجح الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، في ثمانينيات القرن الماضي، في إقناع القيادة العسكرية بوقف الانقلابات والمضي في مسار ديموقراطي أياً تكن النتائج.

ربح حزب رجب طيب أوردوغان انتخابات 2002، بعد أزمة اقتصادية كبيرة أطاحت كل الأحزاب الليبرالية واليسارية التي حكمت تركيا في تسعينيات القرن الماضي. تسلّم رئاسة الحكومة في العام 2003 وأطلق نظرية «صفر مشاكل» في السياسة الخارجية التي أتى بها الأستاذ الجامعي ثم مستشاره للشؤون الخارجية ووزير خارجيته واليوم رئيس وزرائه أحمد داود اوغلو. بالفعل لم يختلف أردوغان لغاية أواخر العام 2010 سوى مع إسرائيل، ونجح في إعادة تركيا الى الشرق الأوسط وأصبح لها نفوذها ومواقفها الداعمة القضايا العربية.

لكن نظرية «صفر مشاكل» انتهت مع انطلاق الانتفاضات العربية، حين تحالف أردوغان مع «رفاقه» الإخوان المسلمين المنتشرين في الدول العربية، فاختلف مع هذه الدول باستثناء قطر. بقيت تركيا خلال سنوات الحرب السورية خارج التدخل المباشر، وسمح أردوغان لداعش والنصرة (القاعدة) وغيرهما من منظمات المعارضة الإرهابية، منذ بداية الحرب السورية، باستعمال جنوب تركيا المحاذي لسوريا لنقل المتطوعين والمال والسلاح الى الداخل السوري.

فما الذي حصل حتى بدأ أردوغان فجأة القصف الجوي لداعش والميليشيات الكردية المتمركزة في شمال سوريا وشمال غرب العراق التي تستفيد من ضربات الحلفاء الجوية على «داعش»، مع السماح للأميركيين باستعمال قواعد حلف الأطلسي لضرب «داعش» في سوريا؟

÷ أولاً، فشل أردوغان في انتخابات حزيران 2015 في الحصول على أكثرية نيابية تسمح له بالاستمرار في حكم تركيا، ناهيك بالثلثين لتعديل الدستور وتغيير نظام الحكم من برلماني الى رئاسي. يعزو أردوغان فشله الى الأكراد الأتراك الذين دعموا بقوّة حزب الشعوب الديموقراطي الذي أحرز انتصاراً كبيراً وحصل على 80 مقعداً في البرلمان التركي (550 عضواً) في مقابل 258 لحزب أردوغان (التنمية والعدالة). من المعلوم ان الأكراد تقليدياً من مؤيدي الأحزاب الدينية وضد الأحزاب العلمانية والقومية.

÷ ثانياً، فشل أردوغان في إقناع واشنطن بإقامة «منطقة حظر جوي» في شمال سوريا. لذلك لم يسمح حتى الأسبوع الماضي للطيران الحربي لدول الحلف الأطلسي باستعمال مطاراتها التركية لضرب «داعش».

÷ ثالثاً، نجح الأكراد السوريون بدعم الأكراد الأتراك في إقامة منطقة آمنة بمساعدة أميركية «جوية»، وصلت مساحتها الى حوالي 75 في المئة من شمال شرق سوريا.

÷ رابعاً، يستمر أردوغان في سجن كل من يشكل خطراً على مساره السياسي، أكان المعارض صحافياً أو ناشطاً اجتماعياً أو سياسياً أو موظفاً حكومياً، وقد بدأت حكومته باتهام النواب الأكراد بالتآمرمع حزب العمال الكردي (PKK) على تركيا، في موازاة قصف جوي لحزب العمال المتمركز في غرب العراق بل وحتى في شرق تركيا.

÷ خامساً، فشل رئيس الحكومة المكلَّف أحمد داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافيّة لأن احزاب المعارضة الثلاثة (الشعوب الديموقراطي، القومي التركي، الشعب الجمهوري) تفضل معارضة أردوغان على التعاون معه. استمرار تعثر داود اوغلو قد يحمله على تشكيل حكومة أقلية من حزبه، ومن ثم حل مجلس النواب والدعوة الى انتخابات مبكرة، وذلك يتطلب تقوية مكانة حزب التنمية والعدالة.

باختصار، يأمل أردوغان من ضرب الأكراد في أن يقنع القوميين الأتراك والمعادين لحزب العمال الكردستاني بصلابته القومية، ومن ثم يضعف الحزب القومي التركي الذي حصل في الانتخابات الاخيرة على 80 مقعداً، فيأخذ بعضاً من حصته في البرلمان. يأمل أيضاً من ضرب الأكراد اتهام نواب حزب الشعوب الديموقراطي بالخيانة، ومن ثم تشتيتهم وإضعافهم لمنعهم من الحصول على عشرة في المئة من الناخبين حتى لا يتمكنوا من الفوز بحصة في البرلمان، ما يسمح لحزب أردوغان، في حال تحقيق خطته، بالفوز بأكثرية مريحة تسمح لربيبه داود اوغلو بتشكيل حكومة الحزب الواحد.

لذلك، سيستمر القصف الجوي على مراكز حزب العمال الكردي في مناطق العراق وسوريا وتركيا الى ما بعد الانتخابات المقبلة التي لم يتقرر موعدها بعد. كذلك فإن قصف أردوغان مواقع «داعش» والسماح للأميركيين باستعمال قواعد حلف الأطلسي في تركيا هما غطاءً لتنفيذ خطته هذه ليس إلاّ.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى