مقالات مختارة

«النصرة»: اعتقال سوريين دربتهم واشنطن في تركيا عبد الله سليمان علي

 

اختلطت الأوراق من جديد في الشمال السوري. فبينما كانت الأنظار متجهة لرصد التداعيات المحتملة على القرار التركي بالشروع في إقامة «منطقة عازلة»، وخاصةً لجهة رد فعل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» وكيفية مواجهته للخطوة التركية، فاجأت «جبهة النصرة» الجميع بالمسارعة إلى اتخاذ خطوة من شأنها قلب الموازين في المنطقة ودفع الأطراف إلى إعادة حساباتهم.

فقد اتّهمت «الفرقة 30 مشاة» التابعة إلى «الجيش السوري الحر»، «جبهة النصرة» باختطاف قائدها العقيد المنشق نديم الحسن، وهو تركماني من مدينة منبج شرق حلب، مع عدد من مرافقيه، من بينهم القيادي في «الفرقة» فرحان الجاسم المعروف باسم أبو الهادي. وأصدرت «الفرقة» بياناً استنكرت فيه عملية الاختطاف، وطالبت، من أسمتهم «الإخوة في جبهة النصرة»، «بإطلاق سراح العقيد ومرافقيه بأقصى سرعة حقناً لدماء المسلمين، وحرصاً على وحدة الصف، وعدم إضعاف الجبهات بنزاعات جانبية بين أخوة الصف الواحد».

وما يلفت الانتباه في البيان المقتضب الصادر عن «قيادة الفرقة 30 مشاة» أنه انطوى على خطاب «مهادن» تجاه «جبهة النصرة». وسبب الاستغراب من هذه المهادنة ليس لأنها جاءت بعد ما يفترض أنها «جريمة اختطاف» ارتكبتها «النصرة» بحق قائدها ومرافقيه، وإنما لأن «الفرقة 30 مشاة» هي من أوائل الفصائل المسلحة التي دخلت في برنامج التدريب الأميركي لما يسمى «المعارضة المعتدلة». فهل هذا هو الاعتدال الذي تعمل الولايات المتحدة على حشد فصائله وتقيم له معسكرات التدريب في دول الجوار، مثل تركيا والأردن؟ وهل أصبحت أولويات هذا «الاعتدال» هي وحدة الصف مع «جبهة النصرة» المصنفة كتنظيم إرهابي بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي؟.

ويثير ما ورد في بيان «الفرقة» العديد من التساؤلات حول حقيقة «القوة المعتدلة» التي تقوم واشنطن بتدريبها، وطبيعة الأهداف التي تسعى إليها والآليات والتحالفات التي ستستخدمها لبلوغ هذه الأهداف لاسيما أن البيان السابق يتناقض بشكل فاضح مع تصريح أدلى به رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو، لمحطة «سي أن أن» الاثنين الماضي، أكد فيه أن «جبهة النصرة» وجماعات أخرى، من بينها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، باتت خارج المعارضة «المعتدلة»، بل «تحوّلت إلى هدف أو عدوٍ محتمل أو استراتيجي».

مع الإشارة إلى أن العقيد المنشق نديم الحسن الذي تُتهم «جبهة النصرة» باختطافه تلقى تدريباته في معسكر تركي، واسمه مطروح بقوة ليكون قائد «الجيش التركماني» الذي تسعى أنقرة إلى تشكيله من مقاتلين تركمان بغض النظر عن كونهم من داخل سوريا أو خارجها.

والعقيد نديم الحسن هو قائد أول مجموعة تتلقى التدريب وفق البرنامج الأميركي في تركيا، وبلغ تعدادها حوالي 60 مسلحاً. كما أنه أحد أعضاء اللجنة المكلفة بترشيح أسماء خمسة آلاف مسلح كي يخضعوا لبرنامج التدريب الأميركي.

وما يعزز من أهمية التساؤلات السابقة أن مجموعة الحسن دخلت إلى سوريا من معبر باب السلامة، وتمركزت في مدينة إعزاز الخاضعة لسيطرة «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «الجبهة الشامية»، حيث جرى خطفه هناك، أمس الأول، أثناء تنقله في المنطقة. كذلك فإن أحد المقربين من القيادي فرحان جاسم، المختطف مع الحسن، أكد أن «الفرقة 30» كانت تنسق مع «النصرة» حول الأعمال العسكرية قبل ثلاثة أيام من عملية الاختطاف. وقال أبو عمر المنبجي، على صفحته في «فايسبوك»، «اعتقلوهم بتهمة العمالة لأميركا، مع العلم أنهم نسقوا مع جبهة النصرة قبل ثلاثة أيام في اجتماع بمقر النصرة».

وفور انتشار خبر اختطاف العقيد نديم الحسن، سارعت الاستخبارات التركية إلى فتح خط اتصال مع قيادة «النصرة» للاطلاع على أسباب الاختطاف وملابساته والدوافع الحقيقية وراءه، وكذلك لاستشراف السبل الممكنة لإطلاق سراحه مع مرافقيه. وبحسب مصدر مقرب من «الفرقة» فإن الاستخبارات التركية فوجئت بعملية الاختطاف وتريد أن تصل إلى خواتيم سعيدة لها، قبل أن تترتب عليها تداعيات لا تحمد عقباها.

وفي واشنطن، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الاميركية اليسا سميث إن البنتاغون اطلع على التقارير لكن ليست لديه معلومات ليقدمها. وأضافت: «في حين أننا لن نكشف عن اسماء جماعات بعينها تشارك في برنامج التدريب والتسليح لسوريا، فإنني أستطيع أن أؤكد أنه لم يتم أسر أو اعتقال أي من أفراد القوة السورية الجديدة».

ولم يصدر عن «جبهة النصرة» أي بيان رسمي تتبنى فيه عملية الاختطاف. ومثل هذا الصمت يشير بحسب التجارب السابقة إلى أحد أمرين، الأول أن العملية لا تحظى بغطاء كامل من قيادة «النصرة» وقام بها عناصر تابعون إلى تيار داخلها ينظر إلى التدخل التركي في شمال حلب على أنه إعلان حرب ضد جميع «المجاهدين» وتنبغي مواجهته، وبالتالي فإن عملية الاختطاف تهدف إلى توجيه ضربة استباقية إلى «الجيش التركماني» لإجهاض تشكيله. ويقابل هذا التيار تيار آخر يدفع باتجاه إبداء المرونة تجاه التدخل التركي وعدم التصعيد ضده، متخذا من تجربة «القاعدة في اليمن» مع «عاصفة الحزم» قدوة له في التعامل مع هكذا حالات. فـ «قاعدة اليمن» لم ترحب علناً بـ «عاصفة الحزم»، التي تقودها السعودية منذ حوالي أربعة أشهر، لكنها حاولت الاستفادة منها وسعت للعمل على زيادة رقعة انتشارها ونفوذها تحت ظلال الطائرات السعودية. والأمر الثاني هو أن عملية الاختطاف تمت بأوامر مباشرة من قيادة «جبهة النصرة»، ولكن الهدف منها هو مجرد الضغط على الحكومة التركية لمحاولة معرفة موقفها الحقيقي تجاهها.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى