مقالات مختارة

الحملة الإعلامة الغربية على الأسد: «الاعتراف» عامر نعيم الياس

 

حملةٌ إعلامية غير مسبوقة شُنّت ولا تزال على الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد أمام الهيئات والاتحادات النقابية والمهنية في سورية. فالرجل الذي تحدّى الغرب على مدى أكثر من أربع سنوات في حرب تدمير الدولة السورية القائمة منذ عام 1970، حرب الحقد على الجمهورية التي أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد، هذا الرجل لا يزال واقفاً على منبر قصر الشعب في دمشق والذي شهدت أروقته على «انعطافات وتحولات وانقلابات» في مواقف الزوار الذين توافدوا عليه منذ حزيران عام 2000.

اعترف الأسد بأن الجيش «متعب» هو «خطابٌ بهيئة اعتراف» وفق أحد تقارير صحيفة «لوموند» الفرنسية، فيما رأت «ليبيراسيون» المحسوبة على الحزب الاشتراكي الحاكم أن ما قاله الأسد «أمرٌ غير متوقع» وهو يوجّه رسالة إلى «العراق وإيران وحلفائه في المنطقة لإرسال المزيد من الميليشيات لمواجهة المتمردين».

يتناسى الفرنسيون سنتين متقصّدين أن الجنرال ديغول الذي دخَلَ باريس محرّراً في 25 آب من عام 1944 لم يكن له ما أراد من مجدٍ في العاصمة الفرنسية لولا موافقة قطاع المشاة الرابع في الجيش الأميركي، والذي دخل هو باريس في آخر مراحل معركة النورماندي. إذاً توقع الرئيس أن الحملة قادمة هو أشار إلى ذلك في خطابه، لكن ما الذي دعاه إلى الاستفاضة في الحديث عن الجانب العسكري التقني المتعلّق بالوضع الميداني وحالة الجيش السوري؟

يختلف الرئيس بشار الأسد في إطلالاته الإعلامية عن كافة المسؤولين السوريين، فهو يعي حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، ويدرك جيّداً ماهية الحرب التي تخاض على البلاد، يعلم بكافة التفاصيل ويحاول بين الحين والآخر معالجة ما يجري على الأرض، يفسّر الانكفاء عن معالجة بعض السلبيات إلى الرأي العام. باختصار، يحترم الرئيس السوري بشار الأسد السوريين، ويعمل جاهداً على الإجابة عن تساؤلاتهم وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا، هكذا هو حال الرئيس الذي يتحوّل إلى قائد وطني في مرحلة الحرب، فكيف إن كانت حرباً من هذا النوع؟

تحدّث الأسد عن «التعب» لكنه فرّق بينه وبين «الهزيمة»، أراد الرئيس الابتعاد عن الشعارات وتوصيف الواقع كما هو، فالإجابة أتت على حجم التساؤل الكبير حول تفسير التطورات الميدانية الأخيرة، عَكس ما تريده دوائر صنع القرار في الغرب ووسائل إعلامها، «فالانهيار» غير موجود و«الهزيمة» ليست في قاموس الجيش السوري، و«الانتصار» هو أساس العمل العسكري وهدفه في طول البلاد وعرضها أما الشهادة فهي قدر وليست هدفاً، وبالتالي يشكّل العنصر البشري الأساس في عملية الحسم، هنا فرّق الأسد بين الحسم و«الصمود» وساقَ مدينة حلب مثالاً على ذلك.

في أوقات الحروب يعمل القائد على تحفيز الروح الوطنية لدى الشعب، يستنفر طاقاته ويضعه في صورة التطورات على الأرض، فكيف إن كانت الحرب تستهدف الكيان و «الوجود»، ففي الحرب الوجودية لا مجال للتراجع والوطن «لمن يحميه ويدافع عنه» وليس لمن يحمل «جواز سفره»، هنا يحاول الرئيس الأسد تصويب انحرافات أضحت حاضرة في مقاربة بعض الكتلة المؤيدة للدولة السورية لما يجري في البلاد، إذ ردّ الرئيس الأسد بشكلٍ شامل على كافة الطروحات الغربية الإعلامية والسياسية والتي أضحت تسيطر على طريقة تفكير بعض النخب والقواعد الشعبية. أراد التأكيد على «سورية الموحّدة» باعتبارها الأساس غير القابل للنقاش والتفاوض، فحصّة كل سورية هي «سورية كاملة» والديمغرافيا المتمركزة في مناطق سيطرة الدولة السورية هي من يعوّل عليها في معركة الجغرافيا.

ظهر الأسد متحدّياً على رغم التطوّرات الميدانية الأخيرة التي عوّل عليها الغرب، خصوصاً في شمال البلاد، رَفع السقف ورفض تقديم أي تنازل، صارح الرأي العام ووضع النقاط على الحروف، فيما الحملة الإعلامية على الرئيس مستمرة ما بقي صموده حتى تحقيق الانتصار.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى