مقالات مختارة

إعلام «ثائر» وقذائف آل سعود ثريا عاصي

 

ذهبتُ إلى الشام لحضور المؤتمر الدولي للإعلام في مواجهة الإرهاب التكفيري. حملت معي هذه الورقة. وضعت فيها بعض الأفكار عن الإعلام..

ولكن في الشام التقيت الإعلام. تحوّلت الشام الى مدرسة في الإعلام، في الدفاع عن النفس وعن الوطن.. مدرسة في مقاومة المستعمر، في الفكر، في البحث، وفي الإعداد للغد.

في الشام تقاتل الكلمة وبائع العصير، وصاحب الحانوت، القذائف العشوائية التي ترميها من وقت إلى الآخر «ثورة» آل سعود والعثمانيين الجدد وحلف الأطلسي..

في الشام التقيت الإعلام، كان اسمه «ثائر».. أخذنا في جولة ليلية في أحياء الشام التي أحبّها فكان لنا برفقته «ليل حبيبة» اسمها شآم، كأنه كان على موعد عند الفجر.. تركها (دمشق) ونام مستشهداً.. وكأنه أراد تلك الليلة أن يوصينا بها.. يوصينا نحن أيضاً بدمشق..

وفي الإعلام.. عِلْمٌ.. ومعرفة.. والأعـْلـَمُ أهلٌ لأن يكون مـُعلـِماً

وأعلـَمَ تعني أخبـَرَ.. وتعني أيضا وضَـعَ علامة، أي دلالة.. على طريق مثلاً..

عذراً.. أكتفي من هذا الإستطراد.. وأما عن الإعلام..

ففي بلاد الغرب إعلامٌ ضد سوريا. إعلام يـُسوّقُ لمشروعية صراع الحضارات. يزعمون أن الحضارة الغربية، التي يطلقون عليها تسمية الحضارة اليهودية ـ المسيحية متناقضة مع حضارة اسمها الحضارة الإسلامية.

نحن في نظر هذا الإعلام، عرب أو إسلاميون، أعداء الغرب، هنا يـخلـط الإعلام الغربي غالباً بين الإسلاميين والمسلمين. المفارقة هي في أنّ المستعمرين في الغرب تحالفوا مع الإسلاميين في صراع الحضارات. وفي أنهم ألبسوا هذا الأخير ثوب الديموقراطية وحقوق الإنسان الى آخر المعزوفة المعروفة. تحالفوا أيضاً مع الرجعية العربية النفطية، التي يمثلها آل سعود.

مجمل القول إن الإعلام الغربي المغرض يستخرج حُجَجَه ومآخذه علينا من جرائم الإسلاميين ومن تصرفات مشايخ النفط التي تعبّر عن سوء خُـلـُقـِهم وتخلّفِهم وطيشِهم، ثم يستخدم هذه الحجج ضدّنا. مثلما أنّ الحكومات الغربية تعطي الإسلاميين السلاح ثم تُلصق جرائمهم الشنيعة، بالمدافعين عن الوطن المتصدين لمقاومة الغزاة !

إنّ الإعلام في الغرب، أو بتعبير أدق جلّه، هو إعلام منحازٌ، يقوم بتجييش الرأي العام الدولي، تغطية لبسط نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، أو من أجل استعادة نفوذ، أو من أجل تحطيم كيانات الدول، وإقتطاع بعض أجزائها المطموع بها.. واستعمارها..

يتعامى الإعلام الغربي، عن الجرائم التي ترتكبها الحكومات الغربية نفسها، في بلادنا. يطمُس على الأكاذيب، على المسؤوليات التي تقع على هذه الحكومات، في أعمال القتل الجماعي، في تدمير البنية التحتية، في التشريد، في بث بذور الفتنة بين الناس الفقراء المساكين الجهلة، فيقتتلون قتالاً بربرياً قبلياً.

يبرّر هذا الإعلام الغربي، تدخل حلف الأطلسي في شؤوننا، يبرر ادّعاء المستعمر القديم بأحقيّته في الوصاية علينا، في رسم خريطة جغرافية بلادنا الطبيعية والسكانية ! يبرّر هذا الإعلام صَلـَفاً، سياسات دول الغرب الاستعماري في بلادنا التي تهدف إلى ضرب مقوِّمات إنتمائنا الوطني، وإلى زعزعة ركائز دعائم وجودنا على هذه الأرض، إلى إحباطنا، إلى إيقاعنا في الأوهام وإرباكنا الذهني حتى نضيـِّع المحفزات على النهوض والمقاومة دفاعاً عن النفس وذوداً عن حياض الوطن ! الغاية تبرر الوسيلة بالنسبة لهذا الإعلام الغربي. يختلق هذا الأخير «حقيقة» وهمية، ثم يعلـّم الناس بأنها واقع. ويقنعهم بذلك ! بل يجبرهم على الاقتناع، بحجة أن مصلحتهم تفرض عليهم قبول هذه الحقيقة الوهمية، المخترَعة!

يمارس الإعلام الغربي، الخداع والتضليل ضدنا، حتى نقع في اليأس وتتضعضع صفوفنا، وتتوقف مقاومتنا. وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، تلقّف الإعلام الغربي الكذبة وأذاعها. دُمِّر العراق وما يزال العراقيون يعومون في بحر من الدماء.. السلاح الكيماوي في ضاحية دمشق، كذبة افتعلها الفرنسيون.. تلقّفها الإعلام الغربي أيضاً.. أكذوبة البراميل المتفجرة !.. الصمت عن جيوش المرتزقة التي تمتلك الدبابات، المدفعية الثقيلة، والصواريخ..

يحسن التذكير أيضاً في موضوع الإعلام المعادي، بإعلام الأتباع المحليين، للمستعمرين. أقتضب فأقول ان هذا الإعلام المحلي يتضمن ثلاثة فروع هي :

– الإعلام المتلفّع بالعمامة والعباءة، وأحد رموزه القرضاوي.

– ثانياً، إعلام الدجالين بثوب المفكرين. أقصد هنا مفكري وسائل إعلام دولة قطر وكتبة صحافة آل سعود اللندنية.

– أخيراً، هناك نوع ثالث من الإعلام يتوكّل به الذين أسمّيهم البكّائين (نسبة إلى البكّايات اللواتي يبكين الموتى مقابل أجر، في بعض التقاليد). هؤلاء جماعة من التافهين، وجدوا في زمان البؤس الفكري، مصدراً للرزق عن طريق بيع مقالات في صحافة السعوديين اللبنانيين.

أنتقل إلى الإعلام الصديق !

من البديهي أننا لا نستطيع مواجهة الإعلام الغربي، 95 في المئة من الإعلام الدولي، في ميادينه وساحاته. إنّها مسألة ميزان قوى، أو بالأحرى البحث عن تعويض ضعف الإمكانات. بتعبير آخر كيف ندحض الخبر والتحليل، في وسائل الإعلام المعادي، في بلادنا وعلى ساحتنا. لا يكون ذلك بصَمِّ آذاننا وآذان الناس في بلادنا. لن نستطيع اختراق المجتمعات الغربية بإمكاناتنا الذاتية. لذا نحتاج إلى مساعدة الحركات والأحزاب السياسية الغربية المناهضة للإستعمار، لتحملها رسائلنا إلى الرأي العام والغربي والدولي.

هذا يفترض طبعاً، أننا ندرك طبيعة صراعنا مع أعدائنا بما هو صراع ضد الاستعمار ضد الإمبريالية، وليس خلافاً بين أصدقاء قدامى.. من المفترض إذن أن نستخلص العِبر من تجاربنا السابقة. من أخطائنا !

علينا أن نظهر حقيقة النوايا التي يضمرها الأعداء. لأن المعتدي يحتاج إلى إخفائها، واستبدالها «بحقيقة» مزوَّرة، ملفَّقة. لا بد من تبديد الأوهام. لا بد من شرح معنى الوطن. الوطن لا يستبدل بمعاش شهري، مؤقت من قطر أو من آل سعود؟ الوطن دائم!

يجب أن يقتنع الناس في بلادنا، بأن الاعتماد على النفس ضرروري ولازم، حتى نخرج معاً من المأزق الذي وقعنا فيه. الاستقواء بالعدو غباء وجهالة، وقصور في الوعي. قد يتطلّب الأمر العودة إلى تاريخ الاستعمار. من يعرف عدوه جيداً يتمكّن من الانتصار عليه. الاستعمار الاستيطاني في الجزائر. في فيتنام. مجازر المستعمرين في افريقيا. ماذا تعني العولمة. فلسطين!. جميعها مواضيع تستحق اهتمام إعلامنا، الصديق الموجَّه إلى الناس في بلادنا.

أما الدرس الأساسي من الفاجعة التي تثكلنا أغلى ما لدينا أبناؤنا، وآباؤنا، وأمهاتنا ومنازلنا وأرضنا.. أطفال سوريا يتوسّلون في الطرقات. كثيرون من السوريين يعيشون في الخيم. الدرس الأساسي، هو الاعتماد على النفس، رفض التدخل الأجنبي في شؤون البلاد الداخلية، الناس هم الذين يختارون قيادتهم.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى