مقالات مختارة

إيران نموذجاً ثريا عاصي

 

عودة إلى موضوع الإتفاق الإيراني ـ الغربي فيما يتعلّق بالملف النووي الإيراني، فأقول: إن الدول الغربية قبلت على الأرجح بتسوية مع إيران بعد أن تبين لها أن هذه التسوية هي الحل الممكن الذي يقلل من خسائرها أو يزيد من أرباحها. لم تنهر الدولة الإيرانية بسبب الضغوط العسكرية والحصار الإقتصادي طيلة ثلاثة عقود ونيّف .

لقد بدا واضحاً بالملموس، أن الحرب على إيران سوف تكون مرتفعة الكلفة، فالتجربة التي توكّل بها المستعمرون الإسرائيليون سنة 2006 في جنوب لبنان أثبتت ذلك بالأرقام. الخسائر البشرية في الجانب اللبناني حوالى 1200 شهيد، ثمانون بالمئة منهم مدنيون. بينما اعترف المستعمرون بمقتل حوالى 130 جندياً، لم يتجاوز عدد القتلى من المدنيين الإسرائيليين الخمسة! عدد المنازل التي هُدّمت في لبنان بلغ أضعاف عدد الدبابات الإٍسرائيلية التي احترقت أو عطلت في وادي الحجير، بالإضافة إلى طراد حربي إسرائيلي أصيب في عرض البحر وإلى إسقاط طائرة أو طائرتين مروحيتين. مجمل القول أن حزب الله خاض معركة ضد العسكر الذين اعتدوا على لبنان، بينما وجّه المستعمرون الإسرائيليون، المدعمون من الدول الغربية ومن تحالف دول عربية يضم مصر ودول الخليج، يقوده آل سعود، نيرانهم نحو المدنيين اللبنانيين إنتقاماً. استهدفوا أيضاً المرافق الحياتية، والطرقات، والجسور، تعبيراً عن الحقد العنصري، وتلويحاً بالإبادة الجماعية! أعتقد أن ضرب المدنيين هو أكثر سهولة من إصابة أهداف عسكرية، فضلاً عن أنه يدل على خساسة وهمجية!

في السياق نفسه يشنّ منذ خمس سنوات، المستعمرون وتحالف الدول العربية المشار إليه أعلاه، حرباً شعواء على سورية. التي ما زالت تقاوم. لا غلوّ في القول إنه على ضوء المعطيات التي بين أيدينا، يبدو أن هزيمة سوريا من خلال الحرب التقليدية التي تتعرض لها حالياً هي مستحيلة أيضاً. اللّهم إلا إذا أُعطيت داعش سلاح دمار شامل!

هذا كله لم يكف. لم تسقط سوريا. لم تضعف المقاومة، ولم ترفع الأعلام البيضاء. إضطر المعتدون إلى البحث عن اتفاقية لوقف إطلاق النار مع حزب الله، أو ما يمكننا أن ننعته بـ«ملف حزب الله « في لبنان. ليس مستبعداً أن يطلبوا غداً تسوية في « الملف السوري». من البديهي القول أن حزب الله، كان ولا يزال بحسب ظني يأتيه السلاح من إيران وسوريا. بالضد من داعش وجبهة النصرة ومن هم على شاكلتهما، الذين يأتيهم السلاح من السماء كما يزعم السعوديون اللبنانيون والسوريون!

إن الذين فشلوا في القضاء على حزب الله لن يستطيعوا تطويع، وإخضاع سوريا وإيران بسهولة. لا سيما أن هذه الأخيرة ازدادت كما يبدو، بمرور الوقت قوة ومناعة. مردُّ ذلك على الأرجح إلى أن الإيرانيين وجدوا أن أنجع الطرق في مواجهة الحرب الاقتصادية هي زيادة الإنتاج، وفي ردع المعتدين هي تطوير وسائل الدفاع. يبدو أن إيران حققت أثناء سنوات الحصار والتهديد بالحرب، تقدماً ملحوظاً في مجالات المعرفة والعلوم. ينبني عليه أن نجاحها في لجم عدوانية المستعمرين هو محصلة سياسة الإعتماد على النفس في الزراعة والصناعة المدنية والعسكرية.

تجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى أن إقدام الدول الإستعمارية الغربية بالهجوم على إيران، كان سيُفهَم في أغلب الظن، كما لو أن هذه الدول توحّشت إلى درجة خطيرة، إلى درجة داء الكلب. فينجم عنه بالقطع، سلوك روسي وصيني، كردّ فعل اســتباقي على احتـمالية أن تتعرّض روسيا ثم الصين، أو الإثنان معاً، لما تعرّضت له إيران.

خلاصة القول، إن التجربة الإيرانية تمثل نموذجاً ناجحاً في سلوك نهج الإعتماد على النفس. من المحتمل أن يكون ذلك مفيداً جداً لحلفاء إيران في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى