أردوغان والانتخابات المبكرة محمد نور الدين
لا يزال مركز الإنشغال التركي هو العمل على تشكيل حكومة ائتلافية تدير البلاد في الفترة المقبلة.
نتائج الانتخابات النيابية أفرزت حقيقة أن أي حكومة ائتلافية تنال ثقة الأغلبية المطلقة في البرلمان ممكنة من خلال أحد خيارين، إما ائتلاف أحزاب المعارضة الثلاثة أو ائتلاف حزب العدالة والتنمية مع أحد هذه الأحزاب. الخيار الأول أصبح مستحيلاً مع إعلان حزب الحركة القومية أنه لن يكون في حكومة واحدة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. لذا فإن الخيار المتبقي هو حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية.
انتخابات رئاسة البرلمان أعطت مؤشراً قوياً على أن حزب الحركة القومية قد يكون مستعداً لائتلاف مع العدالة والتنمية. إذ إن امتناع الحزب عن التصويت لأي من المرشحين أتاح تلقائياً فوز مرشح حزب العدالة والتنمية عصمت يلماز برئاسة البرلمان بأصوات الحزب فقط أي 258 نائباً.
«الهدية» التي قدمها حزب الحركة القومية كانت لا تقدر بثمن لحزب العدالة والتنمية الذي أعاد إنتاج نفسه في السلطة ولو في موقع رئيس البرلمان الذي يحل عادة في موقع رئاسة الجمهورية في حال غياب الرئيس لأي سبب. لكن الدلالات السياسية هي الأهم في هذه المرحلة.
كخلاصة منطقية فإن حزب الحركة القومية هو الأقرب إيديولوجياً مع حزب العدالة والتنمية. ومن تصريحات زعيمه دولت باهتشلي فإن العصبية القومية المعادية للأكراد هي التي تغلب على طبيعة القرارات التي يتخذها وهي التي قد تتيح تشكيل ائتلاف مع العدالة والتنمية.
لكن سياقات النقاشات الداخلية تذهب أيضاً في اتجاهات مغايرة. الحركة القومية تريد للدخول في ائتلاف حكومي الوقف النهائي لعملية المفاوضات مع الأكراد، وتريد أن يلتزم أردوغان بصلاحيته الرئاسية ولا يتعداها إلى التدخل في العمل الحكومي. كذلك يريد إحالة ملف الفساد إلى المحكمة العليا والتي تطال أيضاً بلال بن أردوغان.
لا يعرف ما إذا كانت الحركة القومية ستبقى على مواقفها في حال تشكيل حكومة جديدة، لكن أيضاً للمسألة وجهاً آخر.
أحد أبرز الخاسرين في الانتخابات النيابية الأخيرة هو رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. القصر الذي بناه مع توابعه من جامع وكليات وآلاف الموظفين ومئات المستشارين وغرفة العمليات المتطورة التي ترى تركيا شارعاً شارعاً والمناسبات التي يقيمها هناك لا تعكس لدى أردوغان بوادر التخلي عن حلمه في تغيير النظام إلى نظام رئاسي. لكن بما أن ذلك يتطلب 330 مقعداً على الأقل في البرلمان وهذا بات من المحال فإن أردوغان يعمل على استمرار الوضع الراهن أي التصرف كما لو أنه الرئيس المطلق الصلاحية بقوة الأمر الواقع ومفاده كما هو الآن مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة والتصرف كما لو أنه رئيس لحزب العدالة والتنمية. هذا الوضع يريح أردوغان. لكن المشكلة أن تشكيل حكومة ائتلافية سيحول أيضاً دون تحقيق هذا الوضع المريح.
من هنا فإن أردوغان وفقاً لمختلف المصادر يسعى إلى إفشال تشكيل حكومة جديدة باستنفاد مهلة ال 45 يوماً المحددة للتشكيل فيدعو حينها إلى انتخابات نيابية مبكرة خلال ثلاثة أشهر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. أردوغان يأمل أن ترفع الانتخابات المبكرة نسبة التصويت من جديد لحزب العدالة والتنمية وفي هذه الحال يكفيه أن يستعيد 2-3 نقاط فقط من التي خسرها لكي يفوز بالأغلبية المطلقة في البرلمان أي النصف زائد واحد ليعود يحكم منفرداً وليواصل أردوغان سلطته المطلقة كما هي الآن بحكم الأمر الواقع وخضوع داوود أوغلو لمشيئته.
غير أن تأمين الأصوات الإضافية يحتاج إلى بعض الزخم والعوامل الجديدة لإقناع الناخب بالتصويت له. وهنا تأتي بالضبط التهديدات بدخول عسكري تركي إلى سوريا وإقامة منطقة عازلة والخروج بإنجاز ما يذهب به إلى انتخابات مبكرة، لكن من يدري ربما تخرج الانتخابات بهزيمة أخرى أكبر لحزب العدالة والتنمية وربما تكون المغامرة السورية نهاية لحزب العدالة والتنمية، خصوصاً إذا بدأت جنازات القتلى من الجنود الأتراك تأتي من سوريا في ظل تعدد القوى المعادية لتركيا في سوريا وفي شمالها تحديداً حين لا يعتبر «الحاكم المطلق» من درس الانتخابات النيابية الأخيرة فإنه يحتاج إلى دروس أخرى أقسى وأثقل.
(الخليج)