مقالات مختارة

هدوء ما قبل ليلة فيينا الأخيرة محمد بلوط

 

هدوء ما قبل الذهاب إلى اتفاق أميركي ـ إيراني في فيينا. فلا تسريبات حول ما تبقى من ملفات عالقة بين المفاوضين الايرانيين وممثلي مجموعة «5+1»، ولا لقاءات بين الوزيرين محمد جواد ظريف وجون كيري، واقتصارها على مساعديهما مجيد تخترافنشي وعباس عراقجي للايراني، وويندي شيرمان للاميركي، بالإضافة إلى تقنيين أميركيين يقودهم وزير الطاقة ارنست مونيزي، أو إيرانيين تقدمهم علي أكبر صالحي.

لا اقتراحات «ثورية» جديدة، لا إيرانية، ولا غربية، تعالج الخلافات حول آليات رفع العقوبات، باعتبار أن 98 في المئة منها قد تمت معالجته «ولم يتبق إلا ثلاثة مواضيع عالقة» بحسب نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، فيما كان مسؤول أميركي، يقول في جلسة مغلقة لصحافيين غربيين «لقد حققنا تقدما جوهريا، وتخطينا احتمالات الفشل، وإن البحث يدور حول تطبيق الاتفاق، وكيفية رفع العقوبات وآلياتها».

وأيضا، لا رفض إيرانياً قاطعاً لما يقدمه الاميركيون من اقتراح بشأن منع ايران من اكتساب صواريخ بعيدة المدى، واقتصارها على القادر من بينها على حمل رؤوس نووية. والأهم إمساك الوفد الايراني بالقرار السياسي، وتفويض إيراني واضح لعقد الاتفاق إلى محمد جواد ظريف، الذي نفى بعد عودته من طهران الأسبوع الماضي، أن يكون قد ذهب إليها للحصول على تفويض «وأنه يملك تفويضا كاملا»، ذلك أن الاتفاق لا يتطلب توقيعا، لأنه لا يدخل في نطاق المعاهدات، ويكفي الإعلان عنه ليدخل حيز التطبيق، بعد مصادقة مجلس الأمن عليه.

وبسبب ارتفاع منسوب الشروط المتبادلة أميركيا وإيرانيا بالتحديد، يبدو الاتفاق الايراني – الاميركي قريب المنال، وأقرب من أي وقت مضى، لا العكس. ذلك لأنه يجسد شعور الطرفين، بأن لحظة الحسم قد حانت، ما يدفعهما إلى عرض كل المشكلات دفعة واحدة للتوصل إلى تسويات حولها. وفي هذا السياق تندرج «لاءات» المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، لأي اتفاق يضع المنشآت العسكرية الايرانية، وعلماء البرنامج النووي الايراني بمتناول المفتشين الدوليين، ولا يرفع فورا العقوبات عن ايران.

وفي هذا السياق أيضا يندرج استعادة الغربيين لحظر بيع الاسلحة إلى ايران، وتطوير برنامجها الصاروخي، وضمه إلى الملف النووي، وتقديم ضمانات إلى اسرائيل ودول الخليج بأن تشمل التسوية المطروحة تقييد قدرة ايران، ولو جزئياً على تطوير برناجها الصاروخي وإدامة حظر بيع الاسلحة اليها.

وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد تعهد أمام مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي الأخير، بإدامة الحظر، وفرض قيود على البرنامج الباليستي، ضمن إطار الدور الذي تقوم به فرنسا لعرقلة أي اتفاق نووي مع ايران، لقاء تطوير الاستثمارات السعودية في فرنسا، وانتزاع المزيد من عقود التسلح.

وخلال الساعات الأخيرة، كان الايرانيون يكررون ولادة مسودة الاتفاق، وتقليص عدد القضايا العالقة «حيث لم يتبق إلا فقرات بسيطة»، كما قال نائب الوزير عباس عراقجي، يتطلب حلها «اتخاذ قررات سياسية»، وكان الاميركيون أكثر دقة بالقول عبر لقاء صحافي مغلق، إن «الاتفاق يضم 80 صفحة، وخمسة ملاحق تعالج المسائل التقنية، ورفع العقوبات، وتشكيل لجنة لمراقبة تنفيذ الاتفاق، والتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية». وقال المسؤول الاميركي «اننا نقترب من ساعة الحقيقة، فإما ان نتوصل الى اتفاق أو أن نوقن أنه غير ممكن».ومن المرجح ان يتم التوقيع على الاتفاق قبل حلول صباح الجمعة بتوقيت واشنطن.

ويبدي الاميركيون مرونة أكثر مما هو معلن في الإصرار على تفتيش المنشآت العسكرية الايرانية. وتُدرس آلية للتحكيم في حال رفض ايران تفتيش أي منشأة، حيث تتولى لجنة دولية دراسة طلبات وكالة الطاقة النووية والتصويت عليها على ضوء ما تقدمه من وثائق أو قرائن تبرر عملية التفتيش، كما أن مقابلة العلماء، تتم من دون الكشف عن هويتهم، وفي ظروف سرية مطلقة.

وشكا الايرانيون من اغتيال أحد علمائهم في طهران، بعد أسابيع فقط من لقائه مفتشي وكالة الطاقة الدولية. وتعج الوكالة باختراق أميركي واسرائيلي وغربي واسع، على ما بينته تجربة «لجنة اليونسكوم» في العراق، التي كان تخترقها الاستخبارات الاميركية عبر سكوت ريتر، وغيره، وهو نقيب سابق في الاستخبارات العسكرية الاميركية، ومدير أحد أهم فرق التفتيش في مطلع الالفية عن أسلحة الدمار الشامل.

ويجري الحديث عن آلية مقترحة لرفع العقوبات الاممية تقترب مما يطالب به الايرانيون، وينص الاقتراح الاميركي – وهذا مهم – على رفع تدريجي لكل العقوبات الاممية على مراحل متقاربة تستغرق أسابيع قليلة، وليس أعواما كما كان يقترح الفرنسيون. ويمثل رفع العقوبات فورا صلب الأهداف الايرانية لتصفية سبعة قرارات ضد ايران بدأت في العام 2006 بالقرار1696، وانتهت في العام 2010 بالقرار 1929. ويمثل إلغاء كل تلك القرارات هدفا بحد ذاته لأنه سينسف كل الأسس القانونية للعقوبات الأحادية أيضا على طهران، اذ لن يكون بوسع الاتحاد الاوروبي، أو الولايات المتحدة، الدفاع عن منظومة أحادية للعقوبات، فيما تصوّت في مجلس الامن على إلغاء العقوبات والقرارات المتصلة التي شكلت القاعدة القانونية والسياسية لفرضها.

المؤشرات تتضافر كلها باتجاه هدنة في تبادل التطمينات والتهديدات، قبل أن يعود إلى فيينا وزيرا الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والبريطاني فيليب هاموند، أمس، للانضمام إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني ويلحق بهم اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائب وزير الخارجية الصيني لي باو دونغ، ووزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير.

وقد لا يدوم الهدوء طويلا خلال الساعات المقبلة مع نفاد مهلة التوصل إلى اتفاق مساء غد. وينبغي أن يتيح ذلك للإدارة الاميركية أن تعرض صيغة نهائية للاتفاق أمام الكونغرس لإقراره خلال الثلاثين يوماً المتبقية من دورته الحالية، قبل ذهابه في عطلة في العاشر من آب تؤدي إلى تأخير إقراره ستين يوماً. ويتعرض الايرانيون إلى ضغوط أميركية للخروج باتفاق قبل يوم غد، لمساعدة الرئيس الاميركي باراك أوباما على تمرير الاتفاق قبل حلول الخريف، والإسراع بتطبيق بنوده فور الإعلان عنه. وخلال المفاوضات رد الوفد الايراني أن موعد الجمعة هو مشكلة أميركية، وليست إيرانية.

ومنذ أن دخلت المفاوضات الايرانية الاميركية جدياً في مسار الاتفاق المرحلي في جنيف قبل عام ونصف العام، بعد اثني عشر عاما من التجاذبات، شهدت كل جولاتها تمديدا للتفاوض في اللحظات الاخيرة، بدءا من جولات جنيف، ففيينا، فلوزان، من دون استثناء، ومن دون أن تتوقف العملية التفاوضية عن انتزاع تفاهمات، وتقديم تنازلات من الطرفين في اللحظات الأخيرة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى