مقالات مختارة

المقامرة الأخيرة لأردوغان محمد نورالدين

 

التدخل التركي في سوريا هو حديث الساعة منذ أيام في تركيا.

البعض يعيد هذا الظهور المفاجئ لسعي تركيا الى التدخل في سوريا، إلى منتصف مايو/أيار الماضي تقريباً. حينها لم يكن ما يدفع إلى القيام بهذه الخطوة. لكن رئيس الأركان الجنرال نجدت أوزيل رفض التدخل وتذرع بظروف صحية شخصية ودخوله إلى المستشفى ليطلب تأجيل البحث في ذلك أسبوعين على الأقل.

بعد ذلك جاءت الانتخابات النيابية في السابع من يونيو/حزيران وكانت النتيجة هزيمة حزب العدالة والتنمية وفشله في البقاء في السلطة منفرداً، واضطراره إلى أن يعمل على تشكيل حكومة ائتلافية لم تبصر النور بعد.

في هذه الفترة ظهرت فجأة تطورات عسكرية في شمال سوريا من خلال نجاح قوات الحماية الكردية في السيطرة على مدينة تل أبيض وانتزاعها من يد تنظيم «داعش». المعركة على تل أبيض كانت إنجازاً وتحولاً نوعياً في الميدان لمصلحة الأكراد.

هنا ارتفع صوت رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان مهدداً بأن سقوط تل أبيض بيد الأكراد يشكل تهديداً لتركيا. التهديد وفق أردوغان أن تل أبيض وصلت جغرافيا كانتوني الأكراد في الجزيرة وعين العرب/كوباني. وهذا يعني أن المنطقة الممتدة من الحدود العراقية إلى مدينة عين العرب باتت كلها وعلى امتداد الحدود مع تركيا بيد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المؤيد لحزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبدالله أوجلان. المسافة الحدودية تقارب ال 500 كم، أي تقريباً أكثر من نصف الحدود مع تركيا.

هنا قال أردوغان إنه لن يسمح بنشوء شريط حدودي كردي إلى الجنوب من الحدود التركية. منشأ الخوف التركي هو أن ينجح الأكراد لاحقاً، ولو بعد سنين، في أن يسيطروا على مسافة 90 كيلومتراً تفصل بين عين العرب وكانتون عفرين الكردي إلى الغرب فيتم الاتصال الجغرافي بين المناطق الكردية وتصبح كل الحدود الجنوبية لتركيا بيد الأكراد فتنقطع عن فضائها العربي نهائياً، خصوصاً إذا نجح الأكراد في استكمال السيطرة بعد ذلك وصولاً إلى البحر المتوسط.

سيناريوهات كثيرة ومثيرة وربما خارج الخيال. لكن الوضع في سوريا في السنتين الأخيرتين بات أيضاً خارج أي توقعات وتخيلات.

ارتفعت أصوات الحرب وقرع أردوغان طبول الحرب وتوترت البلاد بالحديث عن استعدادات تركية جدية لدخول شمال سوريا في المنطقة بين جرابلس وعفرين لتشكيل منطقة عازلة تحت سيطرة الجيش التركي للحؤول دون وصل المناطق الكردية ببعضها بعضاً.

هذا في الهدف الأول لهذه القرقعة. والمفارقة أنه في كل هذه الهرج كان رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو إما غائباً وإما في الظل، وفي جميع الأحوال بدا أردوغان على أنه هو الآمر الناهي وليس داود أوغلو.

لكن في الاستهدافات الأخرى لهذا التوتير أن تركيا تريد أن تمنع تنظيم «داعش» من السيطرة على المناطق الحدودية التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المؤيدة مباشرة لتركيا، مثل جيش الفتح و«النصرة» وهذا ما يقطع الإمداد المباشر من تركيا إلى هذه الجماعات نهائياً فيضعفها.

وفي الاستهداف الثالث أن أردوغان يلعب لعبة محلية بعدما خسر أحلامه في النظام الرئاسي، بل في أن يستمر صاحب الكلمة الوحيدة في السياسات الخارجية والداخلية أيضاً، في ظل استمرار داود أوغلو القبول بممارسة دور الظل لأردوغان، رغم أن السلطة التنفيذية والكلمة الأولى يجب أن تكون لرئيس الحكومة.

خطة أردوغان أن يدخل إلى سوريا فيقيم منطقة عازلة مباشرة عبر تدخل الجيش التركي أو عبر النيران والطائرات من خلف الحدود أو أي وسيلة أخرى، فيستعيد هيبة فقدها ليوظفها، بعد أن يعرقل تشكيل حكومة جديدة، في الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة يعتقد أنها ستصب في مصلحة حزب العدالة والتنمية، فيعوض على الأقل جانباً من الهزيمة بعودة حزب العدالة والتنمية منفرداً إلى السلطة، ولو بأكثرية صوت واحد، ما يتيح لأردوغان الاستمرار في التفرد بقرار الحكومة والدولة بحكم تحكمه في قرار حزب العدالة والتنمية.

التطلعات كثيرة ومشروعة لرجل أصبح أعرج. لكن الذهاب إلى الحرب في سوريا ليس مجرد لعبة أو نزهة تنتهي وفقاً لما يخطط.

وحتى لا نشير إلى موقف روسيا وإيران، يكفي أن واشنطن تعارض ذلك لندرك مدى المأزق الذي يمكن أن يقع فيه أردوغان إذا كابر وصمم على الدخول في المغامرة السورية. أما إذا عددنا الدبابير التي ستخرج من عشّ الحريق الذي سيشتعل، فإننا سوف نشفق عل تركيا في الداخل وعلى الحدود من مغامرات عبثية في ربع الساعة الأخير من الوقت الضائع قبل أن تكبل يدي أردوغان بأصفاد أي حكومة ائتلافية جديدة.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى