مقالات مختارة

“القرن الأميركي” اسقط العالم في خضم الازمة…؟ كون هالينان وليونوفسي

 

السياسة الخارجية الاميركية خطيرة، وغير ديمقراطية، وهي بعيدة عن التحديات العالمية الحقيقية. هي حرب مستمرة لا مفر منها، ولا ندري ان كانت ستتغير.

هناك شيء خاطئ في اسس السياسة الخارجية الأميركية.

رغم بصيص الأمل باحتمال التوصل الى اتفاق نووي مبدئي مع إيران، وذوبان الجليد الذي طال انتظاره مع كوبا – نحن حبيسين الصراعات التي يصعب تسويتها في ارجاء العالم. وهي تتراوح بين التوترات القائمة مع القوى المسلحة نوويا مثل روسيا والصين وبين العمليات القتالية الفعلية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأفريقيا.

لماذا هناك حالة حرب دائمة ولماذا اصبح الصراع لا مفر منه؟ هل نحن في دائرة تعكس عدم القدرة – أو عدم الرغبة – لرؤية العالم كما هو في الواقع؟.

الولايات المتحدة تشهد تحولا تاريخيا في علاقتها مع بقية العالم، ولكن هذا ليس معترف به ولا ينعكس في السياسة الخارجية الأميركية. ما زلنا نتصرف كما لو كان لدينا قوة عسكرية هائلة وتحالفات إمبريالية، وتفوق أخلاقي وادراك ذاتي يمكننا من وضع الشروط في “النظام العالمي“.

في حين أن هذا الوهم يعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي مؤشر على بداية “القرن الأميركي”. فكرة أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة، وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم دفعها لاتخاذ سلسلة مغامرات عسكرية في بعض دول العالم. بدأت بتدخل الرئيس بيل كلينتون في الحرب الأهلية اليوغوسلافية، وتتابعت بالغزوات الكارثية التي قام بها جورج بوش في أفغانستان والعراق، ويمكن أن نرى تلك العوارض على إدارة أوباما نفسها التي تدخلت في العراق وسوريا وليبيا واليمن.

في معظم الحالات اختارت واشنطن الحرب كوسيلة لمواجهة القضايا المعقدة، متجاهلة العواقب والخيمة لكل من السياسات الخارجية والداخلية، إلا أن العالم مختلف جدا عن الافتراضات التي تدفع لهذا التدخل المتسرع.

الانفصال هو الذي يحدد الأزمة الحالية.

فما هي التغييرات المطلوبة؟ هناك العديد من الملاحظات تأتي إلى الاذهان:

أولا، انشغالنا بالصراعات الشرق أوسطية والتوترات مع روسيا في أوروبا الشرقية ومع الصين في شرق آسيا – دفعنا الى صرف النظر عن الأزمات الأكثر إلحاحا التي تهدد مستقبل البشرية، مثل تغير المناخ والمخاطر البيئية التي يجب أن يتم التعامل بشكل جماعي وبمستوى غير مسبوق وهذا ينطبق أيضا على الخطر المتصاعد للحرب النووية.

ثانيا: القوة المفرطة والتدخل العسكري يؤجج الصراع والإرهاب، والمعاناة الإنسانية. وليس هناك حل قصير الأجل – وخاصة بالقوة – للمشاكل العميقة التي تسبب الفوضى والعنف والبؤس في الكثير من دول العالم.

ثالثا: في حين أنه ليس هناك أي أمل للحد من العنف والتخفيف من المشاكل الأكثر إلحاحا التي تعتمد على التعاون الدولي، فالمؤامرات القديمة اتت بنتائج وخيمة على مناطق النفوذ التي تهيمن عليها القوى الكبرى. تسعى اميركا بشكل دؤوب على ترك قوة عسكرية في كل قارة، ووكلاء وحلفاء مثل منظمة حلف شمال الأطلسي، وتقسم الاطراف بين “صديق” و “عدو” وفقا لمصالحها الخاصة. اشعال المنافسات الإمبريالية العدوانية وتجاوز المصالح المشتركة حاضر في القرن 21.

رابعا: في حين لا تزال الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الاكبر، فنفوذها الاقتصادي والسياسي على المراكز الوطنية والإقليمية لم يعد يسمح بالسيطرة على الهياكل المالية العالمية. بعيدا عن واشنطن، لندن، وبرلين، هناك مراكز بديلة للقوة الاقتصادية تترسخ في بكين ونيودلهي وكيب تاون، وبرازيليا. الى جانب التشكيلات المستقلة والتحالفات الاخرى: منظمات مثل بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا)، منظمة شنغهاي للتعاون (تمثل 2.8 مليار نسمة)، اتحاد دول أميركا الجنوبية، كتلة التجارة في أمريكا اللاتينية، ميركوسور. وآخرين.

أوهام العظمة تنتشر في العالم اجمع، هناك عواقب محلية هائلة مترتبة على الحرب الطويلة. نحن ننفق أكثر من 1 تريليون دولار سنويا على النفقات العسكرية التي لها دور في تمزيق الأمان الاجتماعي وانهيار البنية التحتية، حيث أصبحت الديمقراطية نفسها مختلة تقريبا.

ذكريات قصيرة وأوهام ثابتة

ونتيجة الظروف المتغيرة والفشل العسكري المتكرر يجب الوقوف لحظة تأمل لدارسة الواقع، حيث تواصل حكومتنا التصرف كما لو كانت الولايات المتحدة هي القوة المسيطرة والتي تملي برايها على بقية العالم.

في الواقع، وفي ظل الانهيار المتواصل في منطقة الشرق الأوسط، يتم التنصت على المرشحين الرئيسيين للمحافظين الجدد مثل جون بولتون وبول وولفويتز وذلك لموقفهم من السياسة الخارجية التي تقع في مأزق لا يعالج الا بالقوة. ويبدو ان قادتنا بحاجة الى المشورة لان فقدان ذلك ادى الى الانهيار في السابق. الحرب لا تزال ملعونه المخاطر والعواقب.

وفي حين سعت إدارة أوباما بنجاح محدود، لوضع حد للحروب الكبرى التي ورثتها، قامت حكومتنا باستخدام واسع للطائرات بدون طيار في باكستان واليمن والصومال، ووضعت قواتها في العراق لمواجهة التعصب الديني ووحشية ما يسمى بالدولة الإسلامية (ISIS) – التي جاءت نتيجة مباشرة للغزو الأميركي الأخير للعراق. ولإيجاد أرضية مشتركة لمكافحةداعش “وأعداء الولايات المتحدة ” مثل إيران وسوريا، تتمسك واشنطن بحلفاء مثل المملكة العربية السعودية، التي تغذي أزمة التعصب الديني والبربرية.

في مكان آخر، تواصل الولايات المتحدة أيضا تقديم الدعم الهائل للحكومة الإسرائيلية، على الرغم من احتلالها للضفة الغربية وهجماتها المتكررة على غزة.

الخطوة الاولى في سياسة الحرب علىدول مثل إيران وسوريا تتم بدفعة من المحافظين الجدد مثل نائب الرئيس السابق ديك تشيني ورئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين. وعلى الرغم من محاولة ادارة اوباما الناي بنفسها عن تحركات المحافظين الجدد الا انها اعادت التخطيط العسكري “لآسيا المحورية” الذي يهدف إلى بناء القوات العسكرية الأميركية في آسيا لمواجهة الصين، واتخذت أيضا موقف أكثر عدوانية من شركاء الناتو لتعزيز الحرب الباردة الجديدة مع روسيا.

ويبدو أن هذه النقطة قد غابت: فليس هناك شيء من هذا القبيل باعتبار انه لا يمكن فرض النظام الاميركي على العالم ويجب ان تكون المصالح مشتركة بصورة أكثر جدية من تلك التي تفرق بين الأمم وتربية الخطر المزمن للحرب.

هناك وهم إيديولوجي قوي بأن أي حركة تسعى إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة الخارجية يجب مواجهتها: الثقافة الأميركية متفوقة على أي شيء آخر على هذا الكوكب، الفكرة القائمة على “الاستثنائية الأميركية” تقوم على الاعتقاد الراسخ بأن السياسة الأميركية (في الطب والتكنولوجيا والتعليم، وهلم جرا) هي أفضل من تلك الموجودة في البلدان الاخرى. ضمنا هي الرغبة الإنجيلية لفرض القيم الأميركية على بقية العالم.

الأميركيون، على سبيل المثال، يعتقدون أن لديهم أفضل نظام تعليم في العالم، في حين تراجعت الولايات المتحدة من المركز 1 إلى 14 في عدد خريجي الجامعات، وتراجعت الى المركز 17 في التصنيف التعليمي الدولي. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي، المدفوعات الأميركية العادية تدفع أكثر من ضعف ما لديها للتعليم.

الرعاية الصحية هي مثال مقنع، في ترتيب منظمة الصحة العالمية لنظم الرعاية الصحية في العام 2000، كانت الولايات المتحدة في المرتبة 37. في معهد الطب التقرير الاكثر حداثة في العام 2013، يؤكد ان الولايات المتحدة تقع في المركز الأدنى بين 17 دولة متقدمة شملتهم الدراسة.

حقيقة أن ينظر الأميركيون لثقافتهم أو أيديولوجيتهم على انها “متفوقة” هذا ليس فريدا، ولكن أي بلد آخر في العالم لديه نفس المستوى من القوة الاقتصادية والعسكرية كان ليفرض نظرته على الآخرين.

الولايات المتحدة لم تدعم استقلال كوسوفو، على سبيل المثال. ولكنها قصفت صربيا. وعندما قررت الولايات المتحدة إزالة طالبان، وصدام حسين، ومعمر القذافي من السلطة قامت بفرض الحرب، ولكن ليست كل بلد قادرة على إسقاط هذا النوع من القوى في مناطق على بعد آلاف الأميال من حدودها.

الولايات المتحدة حاليا تساهم في 45-50 % من الإنفاق العسكري في العالم. فلديها مئات القواعد في الخارج، بدءا من الشؤون المترامية الأطراف مثل معسكر بوند ستيل في كوسوفو وحاملات الطائرات في جزر أوكيناوا، دييغو غارسيا، وغوام الى القواعد الصغيرة التي تسمى “منصات الزنبق” الى الإمدادات العسكرية المتمركزة.

وقدر المحلل السياسي الراحل تشالمرز جونسون أن الولايات المتحدة لديها نحو 800 قاعدة في جميع أنحاء العالم، كما كان في الإمبراطورية البريطانية في العام 1895.

وقد اعتمدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على البعثات الدبلوماسية، فالأميركيين في حالة حرب مستمرة تقريبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعض هذه الحروب كان في: كوريا، فيتنام، لاوس، كمبوديا، الكويت، أفغانستان، العراق (مرتين)، ليبيا. و حروب خاطفة في بنما وغرينادا. “وحروب الظل” التي شنتها القوات الخاصة والطائرات بدون طيار، والوكلاء المحليين. حيث شاركت الولايات المتحدة في ما يقرب من 80 حربا منذ العام 1945.

الجبهة الداخلية

وفقا لكلية الحقوق بجامعة هارفارد مدرسة كينيدي الحكومية، فان حربي أفغانستان والعراق – بما في ذلك العلاج الصحي الطويل لقدامى المحاربين – ستكلف دافعي الضرائب الأميركيين حوالي 6 تريليون دولار. ويمكن للمرء إضافة 1 تريليون دولار تنفقه الولايات المتحدة سنويا على البنود المتعلقة بالدفاع. ميزانية الدفاع “الرسمية” المؤلفة من نحو نصف تريليون دولار لا تشمل البنود المتعلقة بالأسلحة النووية، وفوائد المحاربين القدامى أو المتقاعدين، من وكالة الاستخبارات المركزية والأمن الداخلي، ولا المليارات السنوية التي تدفع على الدين الذي خلفته الحروب العراقية الأفغانية. وبحلول العام 2013 دفعت الولايات المتحدة بالفعل 316 مليار$ فائدة.

نحن ننفق على ميزانيتنا العسكرية أكثر مما نقوم به على الرعاية الطبية، والخدمات الإنسانية والتعليم والإسكان والتنمية الحضرية للمجتمع. منذ 9/11، تدفع الولايات المتحدة 70 مليون $ في كل دقيقة على “الأمن” بمقابل 62 مليون دولار في الساعة على كل البرامج المحلية.

انخفاض النفقات العسكرية لبرامج التمويل الاجتماعي المتردي، ادى الى عدم مساواة اقتصادية.

وفي الوقت نفسه برزت المشاكل في فيرغسون، وعكست على الصعيد الوطني، وهي تذكير بمدى عمق العنصرية – والفجوة الاقتصادية والاجتماعية غير المتكافئة والانتهاكات المنهجية من الشباب السود واللاتينيين – التي لا يزال يعاني منها وطننا.

حالة الحرب التي لا تنقطع تضر بديمقراطيتنا، تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب، لا يزال سرا، يحطم ثقتنا ويطلب منا البقاء في السر. والأجهزة غير خاضعة للمساءلة التي تدير نظام تجسس الأخ الأكبر واسعة أكثر من أي وقت مضى وضعت.

القنابل والبزنيس

قال الرئيس كالفين كوليدج انه لاحظ أن “العمل هو ابرز ما تهتم به اميركا”. وهذا لا يثير الدهشة، فمصالح الشركات الأمريكية تلعب دورا كبيرا في السياسة الخارجية الأميركية.

من أكبر 10 منتجي الأسلحة في العالم هناك ثمان منتجين اميركيين، صناعة الأسلحة تنفق الملايين على الهيئات التشريعية في الكونغرس والدولة، وتدافع عن رقعتها بقوة لان منتجاتها لا تحاكي دائما ساحة المعركة. فـمقاتلات الـ F-35 ، على سبيل المثال – هي نظام الأسلحة الأغلى في تاريخ الولايات المتحدة – حيث يكلف1.5 تريليون $ ومن ثم لا يعمل. فهو أكثر من الميزانية، وخطير في الطيران، ولا يخلو من العيوب. وقليل من المشرعين يجرؤن على انتقاد الشركات القوية.

مصالح الشركات ومصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية أهداف محبوكة بعضها ببعض . من خلال الجمع بين محاولة السيطرة على إمدادات الطاقة، والسيطرة على النقاط الاستراتيجية للنفط والغاز العابر، وضمان الوصول إلى الأسواق.

العديد من هذه الأهداف يمكن تحقيقه مع الدبلوماسية القياسية أو الضغط الاقتصادي، لكن الولايات المتحدة تحتفظ دائما بالحق في استخدام القوة العسكرية. وعقيدة كارتر 1979 – هي وثيقة تعكس مبدأ مونرو 1823 حول المصالح الأمريكية في أمريكا اللاتينية – وضعت هذه الاستراتيجية بعبارات صريحة: “أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي سيتم اعتباره اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيتم إبعاد هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية.

وكذلك في شرق آسيا. فإن الولايات المتحدة منخرطة بالتأكيد في المنافسة الاقتصادية السلمية مع الصين. ولكن عندما يحين وقت الحسم، الاساطيل الثالثة والخامسة، والسابعة ستكون نسخة احتياطية لتحقيق مصالح واشنطن وحلفائها – اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وأستراليا.

محاولة تغيير مسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة أمر ضروري للحد من التوترات الدولية. فمن المهم للغاية تحويل الثروة الهائلة التي تنفقها في الحرب لتخفيف عدم المساواة والأزمات الاجتماعية في الداخل.

ما دام التنافس على الأسواق وتراكم رأس المال يميز المجتمع الحديث، المصالح المعادية ستكون سمة أساسية للعلاقات الدولية. ردود الفعل الشوفينية والرد بالوسائل العسكرية – هو سمة لكل دولة قومية كبيرة.

العثور على المصلحة المشتركة

هذه ليست العوامل الوحيدة التي ستشكل المستقبل.

لا يوجد شيء قد يبعد حدوث تغيير كبير في أي اتجاه، حتى لو كان زوال أو تحول النظام الرأسمالي الجشع والاستغلال. إمكانية التغيير خصوصا في السياسة الخارجية الأمريكية تكمن في كيفية ردها على بعض الامور

  1. الفشل المزمن، والتكاليف الضخمة، والخطر الكامن في “القرن الأميركي” الاستثنائي
  2. الحاجة الملحة إلى الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ

هناك، أيضا، ضرورة للرد على الشؤون الصحية والكوارث الطبيعية التي تفاقمت من جراء الفقر، وتصاعد العنف اليهودي المسيحي، وقبل كل شيء، منع الانزلاق الى الحرب.

وهذا لا يشمل فقط خطر الصدام بين القوى النووية الكبرى، ولكن بين القوى الإقليمية، التبادل النووي بين باكستان والهند، على سبيل المثال، سيؤثر على العالم كله.

دون التقليل من شأن المصلحة الذاتية للقوى التي تسعى للازدهار مع تطور مستقبل البشرية، الخبرة التاريخية والواقع الحالي يضمن الارتقاء بالمصلحة المشتركة في السلام والبقاء على قيد الحياة. الحاجة إلى تغيير المسار ليست شيئا يمكن التعرف عليه من جانب واحد فقط اي من الانقسام الايديولوجي. ولا يفعل ذلك الاعتراف بالهوية الوطنية أو العرقية أو الدينية. بدلا من ذلك، فإنه يتطلب الاعتراف بالتكلفة الباهظة مع انهيار كل شيء امامنا.

بعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، بدت الآفاق السياسية قاتمة بالتأكيد. ولكن التجربة تدل على أن الانتخابات، على أهميتها، ليست بالضرورة مؤشر على التغيير الكبير الذي يمكن أن يتحقق في أمور السياسة. وعلى مستوى قضايا الحقوق المدنية والمساواة الاجتماعية.

حرب فيتنام، على سبيل المثال، وصلت الى نهايتها، على الرغم من عناد الإدارات الجمهورية والديمقراطية، عندما تم التأكد من ان المعركة وصلت الى طريق مسدود وقامت المعارضة الدولية والمحلية بالضغط من اجل انهاء الحرب. تغييرات كبيرة يمكن أن تتحقق مع الإبقاء على الطابع الأساسي للمجتمع. المقاومة ورفض الاستعمار دفعت الإمبراطورية البريطانية والقوى الاستعمارية الأخرى للتكيف مع الواقع الجديد بعد الحرب العالمية الثانية. هزيمة الولايات المتحدة اضطرت الرئيس نيكسون على الاستقالة. استخدام الألغام الأرضية والقنابل العنقودية قيد إلى حد كبير بسبب معارضة مجموعة من الناشطين الذين بذلوا جهود “خيالية“.

هناك تيارات سياسية متنوعة ومتنامية في بلادنا تجرنا نحو الخراب. كثير من الجمهوريين الديمقراطيين والمستقلين، والمدافعين عن الحريات – والكثير من الجمهور – “صديق أو عدو” قالوا “كفى” للحرب والتدخل العسكري في جميع أنحاء العالم، وتقسيم الدول.

في أوائل العام 2014، وافق نحو 57 % من الأميركيين على أن “الإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية يخلق مزيدا من الكراهية مما يؤدي إلى زيادة الإرهاب”. وكان 37 في المئة فقط يعتقدون ان القوة العسكرية وسيلة متاحة دائما. ولكن بمجرد أن بدأت الهستيريا في جميع أنحاء الدولة الإسلامية، تحولت هذه الأرقام: 47 % اصبحوا من المؤيدين لاستخدام القوة العسكرية، و 46 % من المعارضين.

سيكون من الضروري دائما في كل أزمة جديدة مواجهة أولئك الذين يضللون ويرهبون الجمهور للقبول بالتدخل العسكري. ولكن على الرغم من الهستيريا الحالية حول داعش، خيبة الأمل في الحرب هي مصدر تساؤل لدى الأميركيين والعالم. هذا الشعور قد يكون قوي بما يكفي لإحداث نقلة بعيدا عن الحرب دائمة، والتحول نحو بعض التواضع والحس الواقعي السليم في السياسة الخارجية الأميركية.

فتج المجال امام الاشياء غير المتوقعة

وبالنظر إلى أن هناك حاجة لنهج جديد، كيف يمكن أن تتغير السياسة الخارجية الأميركية؟

قبل كل شيء، هناك حاجة لنقاش حقيقي حول فحوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فهل ستختار التفاوض والدبلوماسية والتعاون الدولي على القوة؟.

ومع ذلك، نحن نقترب من انتخابات الرئاسة، حيث لا يوجد حتى الآن أي صوت قوي بين المرشحين للطعن في السياسة الخارجية الأميركية. الخوف والحسابات السياسية تبقي السياسيين على حذر من معارضة أي أزمة سياسية خارجية. الصمت السياسي لابد من كسره.

كما أنها ليست مدعاة للقلق فقط من اليسار. هناك العديد من الأميركيين – يمين، يسار، أو لا – يشعرون بعدم جدوى المسار الذي نسلكه. هذه الأصوات يجب أن تكون ممثلة أو أن العملية الانتخابية ستكون مجرد خدعة مثل التي شهدناها مؤخرا.

يمكن للمرء أن يتوقع ان المبادرات قد تأتي بنتيجة وهذا ما حصل بين الولايات المتحدة والصين في اتفاق المناخ حيث اتفاقا على ضرورة تجاوز العقبات الكبيرة. هذا الاتفاق كان خطوة هامة إلى الأمام، على الرغم من أن الاتفاق الثنائي محدود ولا يمكن أن يكون بديلا عن معاهدة المناخ الدولية الأساسية. هناك بصيص من الأمل أيضا في العمل المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا وبالأخص بعد التعاون لإزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا، والمفاوضات مع إيران، التي لا تزال مستمرة رغم المعارضة الشديدة من صقور الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية. وفي الآونة الأخيرة، هناك خطوة جريئة قام بها أوباما لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.

إذا أردنا توسيع قدرة الناس على التأثير في السياسة الخارجية، وحن بحاجة للدفاع عن الديمقراطية، وتشجيع المعارضة والأفكار البديلة. تهديد العالم وأنفسنا لا تسمح لنا بإيجاد أرضية مشتركة لتحديد مصالحنا الخاصة. نحن نعلم أيضا أننا لن نتفق جميعا مع بعضنا البعض، ولكن نحن نعتقد أن هذا ما ينبغي أن يكون. هناك مسارات متعددة للمستقبل. التحالف حول تغيير السياسة الخارجية سيكون ناجحا إذا دفع الناس لتتوافق مع نمط واحد من العمل السياسي.؟

القدرة على إجراء تغييرات كبيرة في نطاق السياسة يعتمد على استمرار نشطاء السلام بالتأثير على الراي العام. في بعض الظروف، يصبح من الممكن – وكذلك اذا لزم الأمر – إجراء تغييرات كبيرة في بنية السلطة نفسها.

في اليونان عملت المنظمات اليسارية اليونانية معا لتشكيل سيريزا، وهو الحزب السياسي الذي وصل إلى السلطة للقضاء على التقشف. بعد تظاهرات حاشدة في العام 2011 . تثبت التجارب في اليونان واسبانيا أن هناك مسارات متعددة لتوليد التغيير.

بالتأكيد التقدميين واليساريين يتصدون لمشاكل السلطة، ولكن التقدم في القضايا، لا سيما في مسائل الحرب والسلم وتغير المناخ، لا ينبغي أن يعتمد على الحلول العامة لمشاكل المجتمع.

بعض المقترحات

نرى أيضا أنه من الضروري التركيز على عدد قليل من الأساسيات خشية أن تصبح “الجبهة المتحدة امام مكافحة الأمور”. “هناك الكثير من الأشياء السيئة، ولكن بعض الاشياء أسوأ من غيرها، وسحقها هو جزء من عملية الانخراط في السياسة الجديدة.

نحن نعلم أن هذا لن يكون سهلا، ومع ذلك فإننا مقتنعون بأن عدم تنفيذه سوف يجر العالم الى كارثة كبرى. هل يمكن أن نجد مبادرات مبرمجة مشتركة للتوحد؟

يتم عرض بعض الأساليب الجديرة بالاهتمام في السياسة الخارجية ، في ورشة العمل جرت في ولاية ماساشوستس في نوفمبر تشرين الثاني العام 2014، ونعتقد أن الجميع يجب أن يأخذ الوقت لدراسة تلك الوثيقة. نحن نريد أن نقدم بعض الأفكار من جانبنا.

1-    يجب أن نتوقف عن صرف الأموال كالطوفان للشركات في العملية الانتخابية، فضلا عن الحرمان المنهجي للناخبين من خلال التلاعب بقوانين التصويت.

قد يبدو غريبا أن نبدأ مع قضية داخلية، ولكننا لا يمكن أن نبدأ في تغيير أي شيء عن السياسة الخارجية الأميركية دون مواجهة المؤسسات السياسية المستعبدة من الجهات المانحة الغنية. تزايد سيطرة القلة وعدم المساواة الاقتصادية ليست مجرد مشكلة أميركية، ولكن أيضا مشكلة العالم اجمع. ووفقا لمنظمة أوكسفام، بحلول العام 2016 1% من اغنياء العالم سوف يسيطر على أكثر من 50 % من إجمالي ثروة العالم.

2-    ومن الضروري أن تبدأ كبح جماح المجمع الصناعي العسكري الشاسع الذي يحرق أكثر من تريليون دولار سنويا في الحروب المكثفة

3-    اعلان الرئيس باراك أوباما التبرع للقضاء على الأسلحة النووية. بدلا من ذلك، قد أذن البيت الأبيض لانفاق 352 مليار $ لتحديث ترسانتها النووية لدينا، وهو القانون الذي قد يذهب في نهاية المطاف ليصل إلى 1 بليون $ عند حسب تكلفة البنية التحتية الداعمة فيها واحتمال نشوب حرب نووية ليست فكرة مجردة. في أوروبا، الناتو يواجه روسيا المسلحة نوويا. التوترات بين الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحالية في المنطقة ومعركة “الجو بحر” قد تشعل فتيل التبادل النووي. القادة في باكستان والهند هم مثال مقلق حول إمكانية نشوب حرب نووية بين البلدين في جنوبي آسيا. ويمكن للمرء أن لا يستبعد احتمال وقوع هجوم نووي إسرائيلي على إيران. باختصار، الحرب النووية هي إمكانية خطيرة في العالم اليوم.

4-    أي جهد لتغيير السياسة الخارجية في نهاية المطاف يجب ان يكون في مواجهة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والذي على حد قول زعيم القيادة المركزية الأمريكية السابق جيمس ماتيس، هو “الشعلة الذي تحافظ على الوعاء يغلي في الشرق الأوسط.” في حين أن الولايات المتحدة و الحلفاء في حلف شمال الأطلسي يسارعون إلى تطبيق العقوبات على روسيا لضمها لشبه جزيرة القرم، ولا يفعلون شيء تقريبا حول استمرار الاحتلال الإسرائيلي وضمه للأراضي الفلسطينية.

5-    إنهاء ونبذ الحواجز العسكرية التي تستخدم كأداة في السياسة الخارجية لتجويع السكان -مثل في كوبا وغزة وإيران- وتغيير هذا المنطق يحتاج الى تغيير المناخ السياسي الدولي للأفضل.

6-    دعونا نستغني عن فكرة “التدخل الإنساني” الذي هو في كثير من الأحيان ذريعة للقوى العظمى للإطاحة بالحكومات التي لا توافق عليها.

7-    تغير المناخ هو قضية وجودية، بقدر ما هو مسألة سياسة خارجية كما الحرب والسلم. لم يعد من الممكن تجاهله.

المنظمات الدولية والإقليمية

وأخيرا، يجب تعزيز المنظمات الدولية والإقليمية، وتحسين اداء الأمم المتحدة، فالهيكل الحالي للأمم المتحدة غير ديمقراطي. “القوى الكبرى” الخمس التي خرجت من الحرب العالمية الثانية – الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا – تهيمن على مجلس الأمن باستخدامها حق النقض. اثنين من قارات الأرض، أفريقيا وأميركا اللاتينية، ليس لديها أعضاء دائمين في مجلس الأمن.

ومن شأن التنظيم الديمقراطي الذي تستخدمه الجمعية العامة باعتبارها هيئة لصنع القرار، اتخاذ قرارات مهمة،في الوقت نفسه، يتعين على المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي واتحاد دول أميركا الجنوبية، ودول أميركا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والجامعة العربية، وغيرها، ان تعزز دورها.

العمل لإحداث تحول جذري في سياسة الولايات المتحدة، بعيدا عن غطرسة “الاستثنائية الأمريكية”، هو لعدم التقليل من أهمية الولايات المتحدة. التغيير يتعارض مع العواقب المأساوية لسوء استخدام القوة العسكرية. التحديات الكبيرة في عصرنا يمكن ان تتحقق بنجاح بدون أميركا.

هناك مصالح مشتركة تضم شعوب العالم بغض النظر عن الاختلافات في السياسة والثقافة والمعتقدات بالتأكيد. سوف تصبح تلك المصالح قوية بما فيه الكفاية لتجاوز الضغوط المنهجية والجشع والصراع والحرب، تغيير الواقع قد يؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية.

لقد حان الوقت للتغيير، والوقت للتعرف على أفضل الجهود لتعزيز الآمال في العالم.

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان

http://www.informationclearinghouse.info/article42221.htm

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى