مقالات مختارة

العصبيّتان التركية والكردية محمد نورالدين

 

شكلت انتخابات السابع من يونيو/حزيران 2015 في تركيا نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى.

أخفق حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ منفرداً بالسلطة وأخفق رجب طيب أردوغان بذلك في تحقيق حلم تغيير النظام من برلماني الى رئاسي. وانتقل الحديث إلى الأشكال المحتملة للحكومة الائتلافية الجديدة.

من الواضح ووفق التصريحات أن «حزب الحركة القومية» يرفض بأي شكل التحالف مع «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، ولكل منهما ثمانون نائباً. وبذلك تفقد المعارضة إمكانية تشكيل تحالف بمعزل عن مشاركة «حزب العدالة والتنمية». وتبقى الأنظار متجهة إلى رئيس الحكومة المكلف أحمد داود أوغلو وشكل التحالف الممكن ومع أي حزب.

والأهم من كل ذلك شروط أي إئتلاف حكومي في ضوء المواقف المعلنة لكل الأحزاب.

منذ البداية كانت الأصابع تشير إلى أن اي حكومة يتزعمها «حزب العدالة والتنمية» ستكون أكثر انسجاماً اذا شكلت مع «حزب الحركة القومية» نظراً لتداخل القاعدتين ولاسيما في الإيديولوجيا القومية المتشددة.

ولكن لهذا التحالف الحكومي شروط من بينها ما كان يطالب به «حزب الحركة القومية» من فتح ملف الفساد ومنع أردوغان من التدخل في عمل الحكومة وتغيير سياسة تركيا تجاه سوريا والمنطقة.

مما يبدو في وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية فإن الائتلاف مع الأكراد وحزب الشعب الجمهوري بعيد المنال وأن الأقرب هو تحالف مع الحركة القومية.

غير أن السبب الحقيقي وراء هذا الاحتمال ما ظهر بقوة على مسرح الأحداث من تطورات تتصل بالمسألة الكردية في سوريا. إذ إن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المؤيد لحزب العمال الكردستاني نجحت في إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» في مدينة تل أبيض وأصبحت تسيطر على شريط حدودي بطول 400 كيلومتر بل أكثر مع تركيا. وهذا ما دفع بإحدى الصحف الموالية للعدالة والتنمية لتقول في عنوانها الرئيسي «إن قوات الحماية الكردية أكثر خطورة بكثير من داعش».

انقلبت النظرة إلى أطراف الصراع في سوريا وبات «داعش» أقل تهديداً من الأكراد، وهو ما يدفع الى تغيير عناوين النقاش الداخلي في تركيا على الأقل من جانب حزب العدالة والتنمية.

يمارس إعلام العدالة والتنمية حرب ضغوط كبيرة غير مباشرة على حزب الحركة القومية. قبل الانتخابات النيابية كان مسؤولو العدالة والتنمية وصحفهم تتحدث عن مؤامرة غربية لإسقاط الحزب في الانتخابات لتغيير خريطة المنطقة وعزل تركيا وحبسها داخل الأناضول. ومن وسائل ذلك تغيير الهوية الديموغرافية في شمال سوريا لإقامة شريط كردي على امتداد الحدود مع تركيا.

في الواقع هذه المنطقة تشهد حضوراً كردياً غالباً ولاسيما قبالة المناطق الكردية من تركيا.

ويصف حزب العدالة والتنمية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بأنه إرهابي مثل حزب العمال الكردستاني. ومثلما يرفض أردوغان إيجاد حل جذري لمشكلة أكراد تركيا ويواصل التلاعب بقضيتهم فإنه يرفض ان ينال أكراد سوريا أي شكل من أشكال الحكم الذاتي.

يعزف أردوغان احمد داود أوغلو على وتر العصبية القومية التركية والتهويل بخطر العصبية الكردية ليس فقط لكي يمنع «الخطر الكردي» وحزامه الحدودي بل قبل ذلك ليحتفظ بالسلطة ولو شريكاً مع حزب آخر، وبالتالي لمنع فتح ملفات الفساد وإطالة عمر الحزب للاستفادة من منافع السلطة تحضيراً لانتخابات مبكرة قد يرى فيها ولو بعد سنة أملاً للعودة منفرداً إلى السلطة. وفي الواقع فإن التعصب القومي لحزب الحركة القومية قد يدفعه إلى الوقوع في فخ حزب العدالة والتنمية خصوصاً إذا نال وزارات رئيسية مثل الخارجية والاقتصاد.

ولا شك أن هذا سيطرح تحديات أمام الحركة القومية تتجاوز شأن «الخطر الكردي» المزعوم لتطال مصداقيتها ووعودها التي على أساسها منحها الناخب صوته اعتراضاً على سياسات حزب العدالة والتنمية. وهذا ستكون له تأثيرات سلبية في مجمل صورتها أثناء الحملة الانتخابية في أول استحقاق انتخابي.

وفي مجمل الأحوال فإن مثل هذا الائتلاف الحكومي لن يدفع عن تركيا الخطر الكردي في سوريا ولن يحل المشكلة الكردية في تركيا بل سيرفعها، بخلاف ما يظن، إلى مراتب أكثر خطورة، خصوصاً إذا ما اتجهت الحماقات والتطرف القومي إلى لحظة صدام كبير لا يمكن القول إنها مبالغات في ظل الجنون الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ أربع سنوات ونيف…

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى