مقالات مختارة

لعنة الشجاعية: تسفي برئيل

 

في يوم الثلاثاء القادم يتوقع أن ينتهي النقاش الذي يجري منذ سنة ونصف بين إيران والقوى العظمى في الغرب بالتوقيع على الاتفاق النووي النهائي. التقديرات تقول إنه اذا لزم الامر تأجيل التوقيع بضعة ايام، فان الاتفاق هو أمر مفروغ منه. في حين أن الخطوة الاستراتيجية الأهم في الشرق الاوسط في العقود الاربعة الاخيرة، ستتحقق – فان إسرائيل صامتة. هل سمع أحد ما عن التهديد الإيراني في الآونة الاخيرة؟ هل تحدث أحد ما عن الاتفاق النووي وتأثيراته؟.

إسرائيل منشغلة اليوم عن التهديد الإيراني، لأن هناك خطر أكبر يحلق فوقها: تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. يمكن الصراخ بأن الحديث عن دعاية مناهضة لإسرائيل أو لاسامية، والقول إننا لن نقرأه، أو التلويح بالانظمة الظلامية مثل كوريا الشمالية، سوريا وإيران، من اجل التباكي على تحيز الامم المتحدة ـ في الحقيقة ليس التقرير، بل عملية الجرف الصامد هي التي كشفت الدوافع الأكثر ظلامية التي قد تكشف عنها دولة في سلوكها تجاه المواطنين. بالمناسبة، التقرير يُبدي مراعاة كبيرة وليونة تجاه إسرائيل حيث لا يساويها بتلك الدول، بل هو يتعامل معها كدولة محترمة يتوقع منها التصرف حسب القانون الدولي وقوانين الحرب.

تقرير الامم المتحدة لا يمزق شعار التسويق الكاذب الذي يقدمه الجيش على أنه الجيش الاكثر اخلاقية في العالم فقط ـ بل يتعامل ايضا مع إسرائيل وحماس بالتساوي: مقاتلون مقابل مقاتلين، مواطنون مقابل مواطنين. لكن مشكلة إسرائيل الكبيرة ليست اذا كان التقرير متوازن أو منحاز ـ التخلف الإسرائيلي موجود في كون القيادة والجمهور يعتبرون التقرير – وليس سبب كتابته، عملية الجرف الصامد – هو سبب المشكلة.

تقريران، أحدهما للامم المتحدة والثاني لإسرائيل، يتصارعان. الاول يعرض موقف العالم من إسرائيل، والثاني يعرض كيف تنظر إسرائيل إلى نفسها. من هنا ينبع الغضب الكبير على تقرير الامم المتحدة. هذه معركة حول الشكل والصورة، حول الحفاظ على المرآة المهشمة التي قالت لإسرائيل دائما إنها الأجمل وإن سياستها صادقة وعادلة وإن الاخلاق اليهودية تسيطر فيها.

لكن ما وراء هذا الصراع الهام على الشكل والصورة، وتحت تهديد التوصية بمحاكمة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، يجب قراءة التقرير وكأنه وثيقة مراقب الدولة. فهو يتعامل مع الاعراض المخيفة التي تبينت في الجرف الصامد، لكنه يستوجب علاجا جذريا يقدم الاجابات على اسئلة صعبة، بدءً من عملية اتخاذ القرارات للخروج إلى الحرب ومرورا بطريقة تطبيقها وانتهاءً بالنظرية الامنية لإسرائيل. هذه النظرية تستند إلى فرضية أن إسرائيل توجد دائما في خطر وجودي، وأن مصدر قوتها الوحيد هو الجيش الإسرائيلي. ولا تجد أي فرق بين حماس وحزب الله، بين السلطة الفلسطينية وبين إيران. فجميعها تشكل تهديدا وجوديا، ويجب وضع الجيش في مواجهتهم.

المشكلة هي أن الشرعية التي تطلبها إسرائيل لادارة هذه الحروب، لا تطلبها فقط من مواطنيها بل من دول العالم. فجأة يظهر هذا التقرير ويهدد باخراجها من أسرة الشعوب. وإسرائيل نفسها التي نجحت في تجنيد العالم ضد إيران وأقنعته بأن يتعامل مع حماس وحزب الله على اعتبارها منظمات إرهابية، تحولت بنفسها إلى دولة سلاح يسعى العالم إلى ترويضها. دولة كهذه لا يمكنها أن تسحر العالم أكثر بعيونها الزرقاء. فهي ستجد صعوبة في الاقناع بأن إيران هي التهديد، أو أن الاتفاق معها يهدد وجودنا. واصدقاءها ايضا يشتمون ذلك. غزة تحولت بالفعل إلى تهديد وجودي على إسرائيل، ليس بسبب حماس بل بسبب 1462 قتيل من مواطنيها، ثلثهم اولاد ذكروا في التقرير.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى