مقالات مختارة

سورية: ماذا يعني عدم التحاق متدربّين في المعسكرات الأميركية؟ حميدي العبدالله

 

أعلنت الولايات المتحدة رسمياً أنها تواجه أزمة حقيقية، لأنّ معسكرات التدريب التي أقامتها في الأردن وتركيا تكاد تكون خالية من المتدرّبين، أيّ من العناصر السورية التي تتلقى التدريب على أيدي الولايات المتحدة… يحدث هذا على الرغم من الإغراءات الكثيرة التي تقدّم لتشجيع بعض السوريين على الالتحاق بهذه المعسكرات، حيث قدّرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أنّ كلفة تدريب مقاتل سوري واحد تصل إلى 100 ألف دولار أميركي، ذلك أنّ الولايات المتحدة أنفقت منذ بدء الأحداث على تدريب 15 ألف مقاتل سوري مليار دولار أميركي، وفقاً للصحيفة ذاتها.

لكن ما هي الدلالات التي ينطوي عليها عزوف الشباب السوري عن الالتحاق بمعسكرات التدريب في تركيا والأردن على الرغم من الإغراءات المقدّمة والتي تفوق الخيال في ظلّ الظروف الصعبة التي يواجهها السوريون؟

هذه المقاطعة لمعسكرات التدريب من قبل الشباب السوري تعني الآتي:

أولاً، وعي هؤلاء الشباب لحقيقة ما دُبّر وما يدبّر لوطنهم، فما علاقة الولايات المتحدة والدول الاستبدادية في المنطقة، بشعارات الحرية والديمقراطية، وقناعة هؤلاء الشباب أنّ هذه الشعارات هي واجهة لتحقيق أهداف وغايات لا تصبّ في مصلحة السوريين.

ثانياً، تعبّر هذه المقاطعة، إضافة إلى مستوى الوعي عند الشباب السوري لحقيقة ما يجري، عن وطنية عُرف بها السوريون على امتداد تاريخهم، حيث كانوا دائماً في مقدّمة الصفوف في معارضة الاستعمار والوصاية الأجنبية. فالشباب السوري يفضل اليوم الهجرة إلى أوروبا، أو إلى الدول المجاورة والعمل بجهده وعرقه للحصول على أقلّ بكثير مما يعرض عليه من رواتب للالتحاق بالجماعات الإرهابية المسلحة، من أن يتجنّد في مخطط لإلحاق الأذى بوطنه وشعبه وتدمير ممتلكات سورية، واستنزاف قدراتها.

ثالثاً، يفسّر هذا العزوف عن الالتحاق بمعسكرات التدريب الاعتماد على العناصر الأجنبية للحفاظ على السيطرة على المناطق السورية القريبة من الحدود، سواء مع تركيا أو مع الأردن أو مع العراق، وهذا الذي يفسّر أنّ عبء الهجوم على وحدات الجيش العربي السوري في محافظة إدلب كان على عاتق التركستانيين من أصول صينية والشيشانيين والأفغان والداغستانيين والباكستانيين، وقلة من إرهابيّي عرب السعودية والمغرب، إذ أنّّ القوة الضاربة في جيش «الفتح» كانت من الأتراك والطاجيك والشيشان، والمساهمة السورية اقتصرت على الأدلاء، وهذا هو واقع الحال مع «داعش» التي قدّرت أوساط استخبارية غربية أنّ نسبة الأجانب بين مقاتليها في سورية تزيد عن 70 في المئة، والأمر ذاته ينطبق على جبهة درعا والقنيطرة، حيث أنّ لإرهابيّي الأردن المنتمين إلى «النصرة» و»داعش» الدور الأساسي في الحرب الدائرة هناك، أيّ أنّ الجبهات الثلاث المشتعلة القريبة من الحدود العراقية والتركية والأردنية للعناصر الإرهابية الأجنبية الدور الأساسي فيها، هذا ما يفسّر المكاسب التي حققها الإرهابيون قرب الحدود، وفشلهم في تحقيق أيّ مكاسب في عمق المناطق السورية الآهلة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى