مقالات مختارة

تحول ساحة المعركة هل تتوسع الحرب في سوريا لتصبح حربا إقليمية؟: اريكدريتسر

 

هناك مؤشرات متزايدة على أن الحرب في سوريا قد دخلت الآن مرحلة جديدة وخطيرة تهدد منطقة الشرق الأوسط بأكملها فالحرب اصبحت إقليمية وواسعة. هناك معلومات عن أن إيران أرسلت عددا كبيرا من القوات الإيرانية، العراقية، والأفغانية، للمشاركة في الدفاع عن سوريا، وهذه التغييرات من شأنها تحويل الصراع إلى واحد من اكثر الصراعات الاقليمية تنافسيا بين إيران – وتركيا والمملكة العربية السعودية وإسرائيل (التي تواصل دعمها للفصائل الجهادية ضد الدولة السورية)- .

تصاعد الصراع يأتي في أعقاب الانتصارات الكبيرة التي حققتها جبهة النصرة التابعة للقاعدة، على الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الارهابية المدعومة من الخارج في مدينة ادلب وغيرها من المناطق السورية الكبرى. وقالت مصادر مطلعة على المناقشات الداخلية في دمشق لوكالة رويترز، أن الحكومة السورية قد اعترفت بالخسائر الاستراتيجية وأعدت لحملة دفاع طويلة ومكلفة في الصيف. وبلا شك ان هناك عناصر رئيسية تم استبعادها من السرد.

ومن أهم النقاط الحاسمة التي حذفت من معظم التغطيات الإعلامية الغربية هي الدعم الضروري الذي قدمته تركيا، ولا تزال تقدمه، إلى الجماعات الجهادية في شمال غرب سوريا. ومن المرجح جدا أن التدخل العسكري المباشر للقوات التركية هو الذي حفز طهران على التدخل من تلقاء نفسها، وذلك باستخدام مزيج من الجيش الإيراني والميليشيات التابعة للحلفاء الإقليميين. وبعيدا عن تركيا ترى إيران ان المملكة العربية السعودية وإسرائيل تقدمان الدعم العلني والسري للجماعات المتطرفة المناهضة للرئيس الأسد من أجل مواصلة أجندتهم الخاصة. في هذه الطريقة، يبدو أن المرشد الأعلى آية الله خامنئي قد تخلى أخيرا عن النهج الحذر من أجل توفير الدعم اللازم لحليفه الأسد، والحفاظ على التحالف المكون من حزب الله وسوريا وإيران.

في حين أن الحرب في سوريا كانت العنوان الابرز لأكثر من أربع سنوات وحتى الآن، الا اننا وصلنا وبوضوح الآن إلى نقطة التحول. من خلال الجمع بين الوضع على الأرض وواقع السياسة والمصالح التنافسية، ويمكن للمرء التمييز بين ما يحدث، وأين ستذهب الامور.

تحويل ساحة المعركة

توضح التقارير بأن الحرب في سوريا قد تغيرت بشكل كبير في الأيام الأخيرة، وانا كصحفي ومقيم في المدينة الاستراتيجية المطلة على البحر المتوسط ​ اللاذقية “أستطيع أن أؤكد أن القوات الايرانية والقوات المتحالفة معها قد اصبحت على الارض وكلنا أمل.”

هذه التقديراتالجديدة تتناقض وبشكل صارخ مع الاحداث التي سبقت في الاسابيع الماضية حيث تعرضت اللاذقية الى انفجار كبير أسفر عن مقتل أربعة مدنيين على الأقل، بينهم أب وطفليه. وعلى الرغم من تضارب التقارير حول سبب الانفجار – قالت بعض المصادر ان طائرة بدون طيار سقطت، والبعض الآخر قال ان الانفجار انتج عن اطلاق الصواريخ – الا ان الحقيقة تؤكد ان المدينة تعيش في حالة عدم استقرار وبالأخص بعد سقوط جسر الشغور بيد جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى في محافظة إدلب المجاورة في أواخر أبريل.

وإزاء هذا القلق والذعر وصلت قوات التحالف الإيرانية، العراقية والأفغانية قبل أيام قليلة. وأكدت مصادر في اللاذقية بدء المعارك في محافظة إدلب وتحرير خمس على الأقل من القرى المحيطة بجسر الشغور من سيطرة النصرة.

بالإضافة إلى ذلك، أفيد بأن القوات العسكرية السورية شاركت في القتال العنيف ضد قوات النصرة قرب البلدة الاستراتيجية من زيزون، ومعركتها حاسمة للحفاظ على أمن خطوط الإمداد إلى إدلب، وكذلك ضد عناصرداعشفي الحسكة في شمال شرق البلاد. وتوضح هذه الحملة المنسقة على نطاق واسع وجود جهد عسكري سوري، لتأمين الطبقة الشمالية من البلاد على طول الحدود التركية.

في نفس الوقت، شاركت وحدات حزب الله في معارك شرسة ضد مختلف الجماعات الارهابية المدعومة من الخارج لتأمين رقعة واسعة من الأراضي اللبنانية والسورية في مرتفعات عرسال على طول الحدود، وأبلغت مصادر مطلعة على الوضع أن العديد من المرتفعات التي اخذت سابقا من قبل هذه الجماعات استعادها حزب الله منذ بدء الهجوم المضاد في 4 يونيو، إلى جنب الانتصارات التكتيكية التي حققها ضد النصرة في جبال القلمون، وهناك إحساس واضح أنه على الرغم من الخسائر في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مصادرة داعش لمدينة تدمر الأثرية الا ان المد يتحول.

أصبح من الواضح بشكل متزايد أن سوريا وحزب الله والقوات الايرانية والقوات المتحالفة معها تنسق لضرب داعش والنصرة وشركائهم، وأن بؤرة القتال، تمتد من المناطق الحدودية اللبنانية من القلمون إلى الروافد الشمالية الشرقية من الحسكةوالحدود التركية. وعلى طول هذه الحدود السورية التركية تأخذ الحرب السرية بعدا جديدا. في حين أن العالم مشغول بمناقشة تغيير النظام. تركيا جعلت من نفسها طرفا فاعلا في الحرب.

المناورة التركية

وليس سرا أن تركيا هي من الدعاة الأكثر صخبا لتغيير النظام في سوريا، حيث دعا الرئيس أردوغان مرارا وتكرارا للإطاحة بالأسد. وفي الواقع، هناك نواح كثيرة جعلت من أنقرة الزعيم السياسي والدبلوماسي للقوى المناهضة للأسد في المنطقة، وبالأخص بعد استضافتها لكل من المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية. ومع ذلك، فقد قامت تركيا باستضافة مجموعة متنوعة من الجماعات الإرهابية التي كانت في طليعة الحرب ضد الحكومة السورية. وبهذه الطريقة، كانت تركيا حاضنة للتعبئة الجهادية في محاولة لتوجيه مسار الأحداث في سوريا.

في العام 2012، أكدت صحيفة نيويورك تايمز ان وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بتحويل الأسلحة الى المتطرفين عبر جماعة الاخوان المسلمين. ومع ذلك، فإنه حان الوقت للقول ان المخابرات التركية كانت في مقدمة الحملة الجارية لتسليح وإمداد الجماعات الارهابية مثل النصرة وغيرها بالسلاح.

هذا الأسبوع، وفي اللحظة التي كانت المعارك حامية على طول الحدود التركية السورية، دعا الرئيس أردوغان علنا ​​للحكم بالسجن مدى الحياة ضد “كان دوندار”، رئيس تحرير صحيفة جمهوريت التركية اليومية بعد نشره فيديو لقطات تؤكد المزاعم بأن الشاحنات التركية المحملة ظاهريا بالإمدادات الإنسانية، امتلأت فعلا بالأسلحة المتجهة إلى المجموعات الإرهابية التي تقاتل ضد الأسد، وأن هذه الشاحنات كانت تديرها منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) على الرغم من دعوات هيومن رايتس ووتش (منظمة معادية بشدة لحكومة الأسد) وغيرها من المنظمات حكومة اردوغان لاجراء التحقيقات، ولكن أنقرة تدفع قدما في ترهيب وقمع الصحفيين، مما يشير إلى مدى أهمية برنامج زعزعة الاستقرار السري لتركيا.

ولكن بعيدا عن مجرد حرب زعزعة الاستقرار السرية، تركيا شاركت مباشرة على الأرض في سوريا من خلال الدعم العسكري وقد ظهر ذلك في محاضر التنصت على المكالمات الهاتفية التي حصلت عليها صحيفة جمهوريت، وقدمت للمحاكم التركية، جنبا إلى جنب مع لقطات فيديو مروعة، وقد أكد شهود عيان: ان قوات الامن التركية تشارك بشكل مباشر في عمليات قصف ودعم النصرة والجماعات الجهادية الأخرى في محيط كسب.

هذه هي مقاطع قليلة من المعلومات التي تفسر لماذا كانت تلك الجماعات الإرهابية قادرة على التقاط تلك المنطقة بنجاح في العام 2014، واستعادتها هذا العام. وقد أكد شهود عيان في كسب أن الجنود تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم وقد ذكروا، انه تم استخدام المروحيات التركية والمدفعية الثقيلة لدعم النصرة والجماعات الإرهابية الأخرى على حد سواء خلال العام 2014 وخلال الحملة الحالية.

بالطبع كانت سياسة التحالف مع الإرهابيين المناهضين للأسد جزءا من طريقة العمل التي وضعتها تركيا منذ بداية الصراع. في العام 2012، كشفت رويترز ان تركيا قد “قامت بإنشاء قاعدة سرية مع حلفاء المملكة العربية السعودية وقطر لتقديم المساعدات العسكرية الحيوية للمتمردين في سوريا بالقرب من الحدود مباشرة …” التي يسيطر عليها الاتراك عسكريا. تركيا هي المنسق الرئيسي مع المملكة العربية السعودية وقطر بحسب مصدر مقيم في الدوحة.

وفي وقت سابق من هذا العام، توغلت تركيا عسكريا داخل الاراضي السورية، بحجة “إجلاء” قبر سليمان شاه، جد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية. واستخدمت مركبات مدرعة وقوات خاصة تركية، وكان هذا العمل يشكل انتهاكا واضحا للسيادة السورية، ويلعب دورا في دعم الرهابيين في المنطقة..

لذلك، من منظور أوسع تدخل تركيا في إثارة الحرب في سوريا وعلاقاتها الوثيقة مع المجموعات الإرهابية دليل على أن أنقرة تحاول استخدام هذه الحرب، لإضعاف التحالف الإيراني ولتعزيز طموحاتها الإقليمية.

لاعبون آخرون

تركيا ليست وحدها من تشعل الحرب في سوريا وتقدم المساعدة اللازمة والراحة لمختلف المجموعات المتطرفة. كل من المملكة العربية السعودية وقطر لديهما علاقة مباشرة في تمويل ودعم الجهاديين، في حين تم التأكد بان الأردن لعبت دورا هاما لا يمكن تجاهله، وإسرائيل ايضا قدمت المساندة الطبية إلى النصرة وغيرها من العناصر.

وعلى مدى سنوات كان ينظر للسعوديين على انهم مركز عالمي للتطرف الوهابي، ويوفرون الكثير من الاموال لهذه الشبكات. كما قدم مجلس العلاقات الخارجية تقرير عن قوة مكافحة الإرهاب لسنة 2002 فقال انه “لسنوات … المملكة العربية السعودية كانت أهم مصدر للأموال لتنظيم القاعدة”، وليس سرا أن الاستخبارات السعودية ضالعة بشكل عميق مع شبكات الإرهاب، بدرجات متفاوتة.

وذكرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في تسريبات ويكيليكس الخاصة بالسفارة الامريكية، “تشكل الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية أهم مصدر لتمويل الجماعات الارهابية السنية في جميع أنحاء العالم … المملكة العربية السعودية لا تزال قاعدة الدعم المالي لتنظيم القاعدة، في طالبان وغيرها “. وبالفعل، تم تأكيد البيانات من قبل نائب الرئيس جوزيف بايدن الذي قال في كلية هارفارد كينيدي للإدارة الحكومية”

كان حلفائنا في المنطقة مشكلتنا الاكبر في سوريا. فالأتراك والسعوديين، والإماراتيين هم اصدقائنا ولكن ماذا كانوا يفعلون من خلال سكب مئات الملايين من الدولارات وعشرات الأطنان من الأسلحة إلى أي شخص سيقاتل الأسد – إلا أن الناس الذين كانوا يحصلون على تلك الموارد هم النصرة، والقاعدة، و العناصر المتطرفة من الجهاديين الذين كانوا يأتون من مناطق أخرى من العالم.

لذلك، حتى إدارة أوباما اعترفت ان المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، جنبا إلى جنب مع تركيا، قامت بتسليح وتمويل الجماعات الإرهابية بشكل مباشر لشن الحرب ضد الحكومة السورية. وعلاوة على ذلك، وكما ذكرت صحيفة الغارديان في العام 2013، الأردن، وتركيا، استضافا مراكز تدريب “المتمردين”.

وهناك وضع غريب من إسرائيل تلك الجهة التي تستخدم الإرهاب كسلاح سياسي لتبرير سياستها الخارجية ضد إيران والفلسطينيين. ربما ذلك يأتي بمثابة صدمة للبعض فأن قوة الأمم المتحدة لفض الاشتباك التي أعلن عنها في ديسمبر 2014 قالت ان الاشتباك لوحظ بشكل متقطع من قبل عناصر مسلحة من المعارضة السورية مع الجيش الإسرائيلي عبر خط وقف إطلاق النار في محيط الأمم المتحدة. وفي 10 يونيو عام 2014، أشارت التقارير ذكرت ان المعارضة المسلحة نقلت 89 جريح من الجانب السوري عبر خط وقف إطلاق النار الى الجيش الإسرائيلي.

هذا التعاون واضح بين إسرائيل والجماعات الإرهابية ويجب أن يفهم في سياقه الصحيح – مشاركة إسرائيل المستمرة في الحرب ضد سوريا. وفي ديسمبر من العام 2014 بعد أيام من التقرير المشار إليه أعلاه، نفذت اسرائيل غارات جوية متعددة ضد أهداف الحكومة السورية في محيط مطار دمشق الدولي، ما يعد انتهاكا للقانون الدولي. في الواقع، كما تم توثيقه جيدا، منذ بدء الحرب في عام 2011، قامت القوات العسكرية الإسرائيلية عددا من الضربات الجوية ضد اهداف سورية. إسرائيل، جنبا إلى جنب مع تركيا ودول الخليج، قامت بجهد كبير لان تكون ضمن الحرب الاقليمية التي تستهدف الحكومة السورية.

سوريا والحرب الاقليمية

في يونيو من العام 2015، مع استمرار النضال في سوريا ضد الحملة الدولية لتغيير النظام، إيران أخيرا دخلت المعركة الانتخابية. ومن الواضح أن طهران قد تدخلت للحد من التحكم التركي، والسعودي والإسرائيلي، فالمخاطر لا يمكن أن تكون اكثر من ذلك.

القوات العسكرية الإيرانية تعمل على الحدود التركية والإسرائيلية، واحتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين القوى في المنطقة عالية جدا. و يمكن للمرء أن يتصور بسهولة اي اطلاق نار مباشرة كيف سيحول الصراع الى صراع إقليمي واسع النطاق. اسرائيل وتركيا على حد سواء تشارك على الفور، مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى الكامنة في الخلفية. المملكة العربية السعودية لا تزال متورطة فيفي اليمن، وقد تكون عاجزة عن المشاركة عسكريا، ولكن مشاركتها غير المباشرة قد تكون في زيادة الدعم لجبهة النصرة والفصائل الاخرى. هذا هو سيناريو الحريق الذي سيكون له آثار عالمية.

وبطبيعة الحال، تريد كل الأطراف تجنب هذا السيناريو كما أنه من غير المرجح أن تكون الاطراف قادرة على الهرب سالمة. ومع ذلك، ربما يكون هناك دافع سياسي للتورط الايراني، فالرئيس الايراني اعلن الاسبوع الماضي ان “الامة الايرانية والحكومة ستبقى إلى جانب الشعب السوري والحكومة حتى نهاية الطريق”.

ونجد في الفترة الاخيرة ان تركيا والسعودية وإسرائيل والأطراف الأخرى تدعو الى السلام والاستقرار، وذلك في ظل ازدياد حدة التوتر في أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي، فاحتمال نشوب صراع عالمي قد يكون في الحسبان. هؤلاء الذين يتاجرون في يوم القيامة مشغولون هذه الأيام. ولكن ربما الصراع الذي بدأ من سوريا والشرق الأوسط، سيأخذ حيزا عالميا في كل مكان.

انفورميشين كليرينغ هاوس

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان

http://www.informationclearinghouse.info/article42099.htm

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى