مقالات مختارة

القفز إلى المياه: تمار درسلر

 

منذ أكثر من عقد تحذر منظمات البيئة في إسرائيل من موت نهر الاردن. العملية التي بدأت مع قيام الدولة أخذت تزداد وحولت النهر إلى مصب مفتوح للمجاري، اعتبرت كارثة بيئية. لكن هذا الامر توقف ـ وعاد نهر الاردن إلى الحياة.

في يوم الاربعاء الماضي كشفت منظمة «أكوفيس» الدولية التي تعمل في إسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية، عن خطة مركبة وبعيدة المدى، تبلغ تكلفتها 4.5 مليار دولار، وتهدف إلى اعادة اعمار كل المنطقة حتى العام 2050.

رغم التكلفة الباهظة والحاجة إلى التنسيق بين ثلاث سلطات منفصلة، إلا أنهم متفائلون في المنظمة ولديهم سبب لذلك. منظمات البيئة وممثلون رسميون لم يشيروا في الخطة فقط إلى البعد البيئي بل ايضا تشجيع النمو والاقتصاد، بناء على أن الحديث يتم عن منطقة ذات امكانية سياحية كبيرة بالنسبة لإسرائيل وجاراتها. اضافة إلى ذلك فانه لم يفوتهم التذكير بالاهمية الامنية ومساهمة المشروع في الاستقرار الاقليمي والسلام.

اعادة المقطوع

قبل كل شيء، كيف تحول النهر إلى خط مجاري مفتوح؟ في الماضي تدفق في الاردن 1.3 مليار كوب من المياه في السنة. وحسب شهادات تاريخية من القرن التاسع عشر وبداية الاستيطان في الغور، وصل عرض النهر إلى 40 ـ 60 متر. وخلال السنين تراجع منسوب المياه بنسبة 98 بالمئة بسبب حرف المياه المتدفقة إلى النهر. حسب اقوال جدعون برومبرغ من منظمة «أكوفيس»، 46 بالمئة من المياه التي تتدفق إلى النهر تم حرفها من قبل إسرائيل، 25 بالمئة من قبل سوريا و23 بالمئة من الاردن.

هكذا، بعد عشرات السنين من وقف تدفق المياه، وتدفق المجاري من بيسان والسلطة الفلسطينية والاردن ـ فقد فقد النهر اكثر من 50 بالمئة من التنوع البيولوجي. الاسماك والحيوانات والنباتات التي انقرضت وتحول النهر إلى مجاري. الوحيدون الذين تجرأوا على الغطس في مياه النهر كانوا السياح المسيحيين الذين لم يعرفوا إلى ماذا يدخلون.

من اجل انقاذ نهر الاردن فان على الدول اعادة ما اقتطعته.

يفترض أن تقدم إسرائيل 200 مليون كوب في السنة، وسوريا 100 مليون كوب والاردن 90 مليون كوب. وبسبب الوضع الاقليمي غير المستقر والحروب الداخلية، فان سوريا غير مشاركة في المشروع ويبدو أنها لن تكون مشاركة في المستقبل القريب. لكن إسرائيل والاردن تناضلان من اجل اصلاحه ولديهما سببا جيدا لذلك.

نهر الأردن هو أحد خزانات المياه الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. أكثر من 600 ألف شخص يعيشون في غور الاردن على جانبي الحدود، 50 ألف إسرائيل، 56 ألف فلسطيني ونصف مليون اردني، بعضهم لاجئون في وضع اجتماعي ـ اقتصادي متدني.

قبل خمس سنوات أخذت إسرائيل المسؤولية على عاتقها وبدأت في معالجة النهر. في البداية لم ينجح التعاون مع الجانب الاردني والفلسطيني، لكن الحكومة فهمت ضرورة الحفاظ على النهر، وقد فعلت ذلك بشكل سياسي داخلي.

من خلال التعاون بين سلطات مصب طبرية ونهر الاردن الجنوبي، وزارة البيئة والمجالس المحلية عيمق هيردين وعيمق همعينوت، أقيم موقع تكرير للمياه العادمة في بتنياه قرب طبرية. وقد بدأ هذا الموقع في العمل في 2013، وبعد مرور 49 عاما من عدم تدفق المياه من طبرية إلى نهر الاردن، تدفق 9 ملايين كوب من المياه الصالحة. و12 كم من النهر في الجزء الجنوبي من طبرية تم اصلاحه، وتنوي إسرائيل ضخ 30 مليون كوب من المياه الصالحة إلى النهر في كل سنة.

يمكن أن نلاحظ عودة الحيوانات إلى المنطقة التي تم اعمارها، وايضا النباتات، في العامين الاخيرين. وهم يعملون الآن في الجانب الاردني على انشاء مركز تكرير للمياه العادمة الذي سيفتتح العام القادم وسيساعد على استمرار اعمار النهر. وبمفاهيم بيئية فان الحديث هنا عن حلم وعن ثورة حقيقية.

جسر للسلام

«قررت الحكومة الاردنية تبني الخطة المتعلقة بالجانب الاردني للنهر»، يقول برومبرغ بتفاؤل. «رغم أنه ما زال هناك عمل في مجال تكرير المياه العادمة في الاردن، إلا أنهم انتهوا من انشاء موقع التكرير في الشمال.

السلطة الفلسطينية ايضا أنهت انشاء موقع مشابه في منطقة أريحا. الخطة الحكومية الإسرائيلية تعمل بشكل يستحق التقدير، واؤمن أننا سنصل في نهاية المطاف إلى 100 مليون كوب من المياه. وهذه اشياء كانت تبدو غير ممكنة قبل خمس سنوات».

في المؤتمر الذي عقد في الاردن في الاسبوع الماضي شارك رئيس سلطة غور الاردن، الجانب الاردني، سعيد أبو هامور، نائب الوزير الإسرائيلي للتعاون الاقليمي، عضو الكنيست أيوب قرا، نائب وزير الزراعة الفلسطيني عبد الله لحولة، واعضاء الكنيست ميراف ميخائيلي، عومر بار ليف ويوسي يونا، وممثلون من دول اوروبية تدعم الخطة اقتصاديا ايضا، وشخصيات رفيعة من البنك الدولي.

«نهر الاردن مهم بشكل خاص بالنسبة لملايين المؤمنين من أرجاء العالم، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية اعماره من اجلهم، ومن اجل الجمهور الإسرائيلي»، قال عضو الكنيست قرا. «لا أشك أن هذه الخطة ستجد صداها في أرجاء العالم وستوجد عدد لا يحصى من الفرص لسكان المنطقة. علينا مكافحة التطرف وبناء جسور السلام مع دول العالم».

سعيد أبو هامور، الممثل الرسمي للحكومة الاردنية، أعلن عن الالتزام بهذه الخطة: «سلطة غور الاردن بذلت جهدا كبيرا من اجل اعمار النهر، ونحن نعمل بالتعاون مع الجانب الإسرائيلي من اجل عدم تلوث نهر الاردن.

المسؤولية عن جفاف النهر مشتركة، فهي تسري على الجانب الإسرائيلي والاردني والسوري، بسبب اقامة عدد كبير من السدود والآبار التي عملت على تجفيف تدفق نهر اليرموك.

تقريبا ليس لدينا بحر في الاردن لكي نستخدمه لتحلية المياه، لذلك فان تحويل نهر الاردن إلى مصدر أساسي للمياه ولتطوير اقتصادي واقليمي هو أمر ضروري، وعلينا جميعا تحمل المسؤولية والدفاع عنه. سنعمل معا من اجل المصالح المشتركة لكل شعوبنا».

الأمل مشترك وكذلك الميزانية. وقد شارك في المؤتمر ممثلون عن 20 دولة ومؤسسات دولية أظهرت اهتمامها بالخطة وبطرق التمويل.

«المشروع يتكون عمليا من 127 مشروعا يصل تاريخها حتى 2050»، قال برومبرغ. «لهذا ليس هناك حاجة إلى تجنيد أو استثمار كل المبلغ من البداية كشرط مسبق، ويمكن البدء في تمويل مشاريع قصيرة المدى، تقدر تكلفتها بنحو نصف مليار دولار تقريبا».

ماذا يوجد على جدول العمل اضافة إلى اعمار نهر الاردن، ومعالجة مصادر تلوثه؟

في القائمة يمكن ايجاد مجموعات عمل مشتركة لممثلي الحكومات: تطوير السياحة في المنطقة التي يمكنها تقوية الاقتصاد المحلي وخلق اماكن عمل جديدة، وتطوير مدينة أريحا واقامة الحدائق المشتركة والمدن الجديدة في غور الاردن، وتطوير الزراعة، وبناء البنى التحتية وفتح الشوارع والمواصلات العامة.

تحديدا في الفترة التي يعتبر فيها الشرق الاوسط طنجرة ضغط تغلي، فان التأكيد على الموضوع البيئي يخلق شيئا من الحياة الطبيعية هنا. «هذه الخطة ليست فقط بيئية وهي لا تخص فقط حزب الخضر»، يقول برومبرغ. «الحديث ليس فقط عن اعمار نهر الاردن بل عن اعمار الحوض كله وخلق الاستقرار، ولا سيما في الفترة التي تغلي.

هذا هو ايضا السبب وراء اهتمام الاردنيين والفلسطينيين، حيث يعتبرون الخطة فرصة لخلق جزيرة من الاستقرار الاقتصادي، وبالتالي تقليص تأثير داعش وجهات راديكالية الاخرى.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى