مقالات مختارة

الولايات المتحدة قادت التقدّم الأخير في إدلب عامر نعيم الياس

 

منذ منتصف عام 2014، بدأ التغيّر يلقي بظلاله على موازين القوى في سورية بالنسبة إلى الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً. يومذاك، قامت «جبهة النصرة» دون غيرها ـ وبعد خسارتها المعركة مع «داعش» في ريف دير الزور ـ بالتقدم في إدلب وريفها، وقضت على المجموعات الأكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة في سورية. بدايةً بحركة «حزم»، وليس انتهاءً بما جرى بحق «جبهة ثوار سورية» التي يقودها جمال معروف، والذي حصل فصيله على صواريخ «تاو» المضادة للدروع. وقتئذ، طُرحت فرضية اضطرار إدارة أوباما للاختيار بين «القاعدة» أو الجيش السوري. في وقتٍ استمر الكلام رسمياً عن تدريب «المعتدلين» في تركيا والأردن وعدد من دول المنطقة. لكن سير العمليات منذ بدايات السنة الحالية، وتغيّر الخريطة الميدانية في سورية لمصلحة «النصرة» في الشمال وتحديداً في محافظة إدلب في غالبيتها، كل ذلك أفسح المجال أمام الحديث عن رهان الولايات المتحدة المباشر على «النصرة» التي ذكرنا ـ في مقالٍ سابق على صفحات «البناء» ـ أنها تشكّل «روح الرهان الميداني» في سورية، وهو ما أعادنا في الوقت ذاته إلى الحديث عن دور «القاعدة» القديمة ممثلةً بتنظيم أيمن الظواهري في باكستان، ودور «القاعدة» الجديدة المتمثلة بأبي بكر البغدادي وتنظيم «داعش» الذي أريدَ له أن يكون العدو رقم واحد اليوم ولا أحد سواه. هذا ما كشفه قبل أيام تشارلز ليستر الباحث المتخصص في الشؤون السورية، والذي أجرى مقابلات مع المئات من عناصر المجموعات المتطرّفة وقياداتها في سورية، لتقييم ما يجري فوقاً لمعهد «بروكينغز» للدراسات. وقد تحدّث ليستر عن القيادة الأميركية المباشرة للتطوّرات الميدانية الأخيرة في الشمال السوري قائلاً: «ما كان ليكون أيّ من الانتصارات الكبرى في إدلب منذ أوائل نيسان ممكناً من دون الإجراءات الأميركية المساندة الحاسمة مع قذائف المدفعية الموردة من الخارج وقذائف الهاون وأنظمة الصواريخ المضادة للدبابات الأميركية الصنع من نوع BGM 71 TOW». وفي شرحه المراحل التي تمّت فيها العملية وقرار اتخاذها، أشار ليستر إلى أنه، وفي بدايات أيار الماضي، ازداد عمق التنسيق بين فصائل ما يسمّى «الجيش الحر» المدعومة من الغرب وبين الإسلاميين و«جبهة النصرة» و«الجهاديين» الآخرين بشكلٍ ملحوظ، نظراً «إلى الحاجة الطبيعية للتعاون على الأرض»، وأيضاً بناءً على «أمر ضمني للقيام بذلك من غرفة التنسيق التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية في جنوب تركيا».

هي قيادة أميركية مباشرة للتطورات الميدانية في جنوب سورية تعيدنا إلى الأيام الأولى للخطاب الرسمي الأميركي حول سورية والذي يهدف في مجمله إلى «تغيير سلوك النظام بناءً على معطيات الواقع الميداني على الأرض». أي تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الميدانية بهدف التحضير للحلّ السياسي المرجوّ، والذي لا تنفك إدارة أوباما تردّده ليلاً ونهاراً على مسامع حلفائنا الدوليين، خصوصاً روسيا التي لا توفّر هي الأخرى مناسبةً لتكرار وجهة نظر واشنطن، التي تدسّ السمّ في الدسم وتعمل على احتواء الجميع والدفع ما أمكن بتغييرات ميدانية تجعل منها رقماً لا يمكن تجاوزه في الساحة السورية. فالمهم ليس التفاوض بحد ذاته ولا حتى مسألة بقاء الرئيس الأسد بقدر ما يشكل تدمير سورية واستنزافها أساس الاستراتيجية الأميركية في المنطقة حتى لو أصبحت «القاعدة» هي ذراع الولايات المتحدة في سورية، وهو ما نشهده حالياً من اندفاعة لـ«النصرة» أذهلت الجميع من دون استثناء.

(البناء)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى