مقالات مختارة

أغلبية كبيرة من أجل الدفاع عن الأقلية: موشيه آرنس

 

إسرائيل تحتاج إلى دستور، ولكن يمكن الافتراض أنها لن تحظى به في المستقبل القريب، وسبب ذلك: من اجل تبني دستور توجد حاجة إلى اغلبية كبيرة ـ أكثر من اغلبية عادية ـ للأحزاب في إسرائيل. إضافة إلى ذلك، من اجل أن يحظى هذا الدستور بالشرعية فهو بحاجة إلى تأييد الاوساط المختلفة في المجتمع الإسرائيلي المتعدد، ويشمل ذلك العرب واليهود والحريديين. إن الدستور الذي يوضع بأغلبية صغيرة ويتم فرضه بالقوة على ممثلي الأقلية، لن يحظى بالشرعية التي يحتاجها في اوساط جميع السكان.

هذه المطالب لا توجد في أي قانون من قوانين دولة إسرائيل التي تم نشرها، لكنها تنبع من العقل المباشر، ولا يوجد الكثيرين من الذين سيُشككون فيها. والسبب هو ـ الفهم بأن هناك حاجة إلى التأييد الواسع.

لقد كانت محاولات في الماضي لـ «تركيب دستور»، نقطة، بواسطة سن «قوانين أساسية» بادرت اليها لجنة الدستور والقانون في الكنيست. إن من شأن القوانين الاساسية أن تكون جزءاً من الدستور الذي سيوضع في وقت ما. المفارقة لهذا التشريع الدونكيشوتي هي أن القوانين الاساسية تُعتمد في الكنيست بأغلبية عادية وحسب عدد الحضور اثناء التصويت، لكن بعد ذلك يتم الدفاع عنها بأنه يمكن الغاءها أو تغييرها بأغلبية كبيرة.

الخلل البارز في هذه العملية هو أن الاغلبية الكبيرة المطلوبة لتبني الدستور غير مطلوبة من اجل اعتماد «شظايا» الدستور، ألا وهي القوانين الاساسية. فهي ليست لديها الشرعية المطلوبة للدستور، رغم أن محكمة العدل العليا منحتها الشرعية في بعض القرارات.

عند جميع الديمقراطيات المتنورة، فإن التشريع أو القرارات المهمة والمركزية أو تلك التي لها تأثير بعيد المدى، يجب أن تتم من خلال اغلبية كبيرة، أو اغلبية أكبر بكثير من الاغلبية العادية، استنادا إلى اعضاء الكنيست الموجودين للتصويت. المواثيق الدولية يجب أن تتم المصادقة عليها في مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين على الأقل. والاضافة على الدستور أو تعديله أو الاجراءات في المجلس يجب أن تحظى بأغلبية الثلثين على الأقل ايضا.

تهدف هذه الاجراءات إلى منع الاغلبية من التصرف بقوة العضلات. إن مراعاة الاقلية وضرورة الدفاع عنها، لا سيما عند الحديث عن امور مهمة على المدى البعيد ـ يجب أن تكون جزءً لا ينفصل عن العملية الديمقراطية.

تتجاهل الكنيست هذه المباديء، حيث تكفي اغلبية بصوت واحد من اجل اتخاذ القرار. وقد تمت المصادقة على امور ذات أهمية على مدى السنين بأغلبية عادية لاولئك الذين كانوا موجودين وقت التصويت. فاتفاقات اوسلو نجحت بفارق صوت واحد، وقانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة الذي تم الغاءه في الوقت الحالي، تم اعتماده بأغلبية عادية بتصويت المتواجدين، وتغيير قانون الانتخاب الكنيست مثل رفع نسبة الحسم الذي صودق عليه مؤخرا، كلها تمت بأغلبية عادية.

صحيح أن اغلبية القوانين والقرارات تحتاج إلى اغلبية صوت واحد، وهذا جيد، وبدون ذلك ما كانت الحكومة تستطيع العمل. لكن هناك قوانين وقرارات لا تكفيها الاغلبية العادية، وبالتأكيد ليس صوتا واحدا.

حان الوقت لسن دستور يأخذ في الحسبان موقف الأقلية في كل ما يتعلق بالمصادقة على القوانين ذات التأثير الكبير وبعيدة المدى. وفي غياب الدستور من الضروري وضع حد للفوضى التشريعية التي تحدث هنا منذ سنوات، والتي حولت إسرائيل إلى دولة شاذة عن العالم الديمقراطي. هذا يعتبر تحديا للجنة الدستور والقانون في الكنيست التي تفتتح في هذه الاثناء دورة جديدة. ولهذا يجب عليها تحديد المواضيع والقرارات التي تستوجب الاغلبية الكبيرة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى