مقالات مختارة

العين على دمشق عامر نعيم الياس

 

منذ آذار الماضي، تستمر الحملة التي تشنّها الصحف الغربية على المواطن السوري والدولة السورية. لا شيء يغطي على أولوية استمرار الدفق الميداني في شمال سورية وجنوبها، لميليشيات تحت مسميات مختلفة، ولا شيء بإمكانه التعويض عن الفرصة المتاحة اليوم للقوى السياسية الداعمة لما يسمّى «المعارضة السورية» لاستكمال تقويض الأفق السياسي والميداني والنفسي للدولة السورية ومناصريها وحلفائها.

التقدّم الذي حصل في جنوب سورية وتحديداً في «اللواء 52»، وذلك الذي تستمر به ما تسمى وحدات حماية «الشعب الكردي» في ريف الرقة وتحديداً في مدينة تل أبيض، حيث أهم المعابر الحدودية مع تركيا، دفع الأميركيين من مؤيدي خيارات إدارة أوباما في سورية، إلى نسب الإنجازات علانية لهم، كون القوات التي تقوم بها هي تلك المحسوبة على «الاعتدال» الذي تصرف «سي أي إي» وحدها عليه مليار دولار سنوياً وفقاً لتقرير «واشنطن بوست» الأميركية، من دون أن نأخذ بالحسبان الدعم القطري ـ التركي ـ السعودي ـ الخليجي لميلشيات الجنوب السوري تحديداً. لكن على رغم كلّ ذلك، فإن العين على دمشق العاصمة السياسية ومركز القوة الديمغرافية الأساسي للدولة السورية، هي قلب سورية وأساس المعركة والمؤشر الرئيس على قدرة التقدم الميداني على تغيير موازين القوى على أرض الواقع. فها هي «وول ستريت جورنال» تغمز من قناة جدوى الانسحابات التي نفّذتها القوات السورية من بعض المناطق في الجنوب تحديداً، والتي أدّت إلى «إحكام القبضة مرة أخرى من قبل النظام السوري على دمشق وضواحيها».

هنا يصطدم الأميركيون مرةً أخرى بسلبيات عمليات إعادة الانتشار، ويتبيّن أن جزءاً من التراجع الذي ألمَّ بالجيش السوري والحلفاء في بعض المناطق كان توجهاً مدروساً في البعض منه لإعادة صوغ الاستراتيجية الدفاعية بعد أربع سنوات من عمر الحرب على سورية.

روبرت فيسك في «إندبندنت» البريطانية يقارب الحياة في دمشق من زاوية مختلفة. فعلى رغم كل شيء، فإن «الحياة في العاصمة السورية تسير بشكل طبيعي، وأسواقها تعجّ بالمواطنين، على النقيض تماماً من ضواحي دمشق ومدن أخرى تستعر بها المعارك». هو اعتراف بالنجاح في تحييد العاصمة السورية عن العاصفة الأخيرة التي قلبت الموازين في بعض المدن. لكن هل تقف الأمور عند هذا الحدّ؟ وهل التركيز الإعلامي على دمشق يهدف فقط إلى توصيف الواقع؟

ليس من عادة الإعلام الغربي أن يرمي التقارير جزافاً، فالإضاءة على دمشق تعني في ما تعنيه أن غرف العمليات ربما تعمل في الفترة المقبلة على إحداث اضطراب من نوع ما، أو تراهن على حدوث ذلك للقول إن التغيّر الميداني في سورية أمرٌ واقع، وإن الاقتراب من دمشق، خصوصاً من جبهتها الجنوبية، أضحى أمراً ملموساً نقل الصراع إلى داخل العاصمة وأعادها إلى الفوضى.

هو أمر عمليات إلى الخلايا النائمة للتحرك في دمشق بهدف كسر ضبط الاستقرار سواء داخل العاصمة والمستمر منذ سنتين، أو في نجاح الجيش السوري والقوات الرديفة الأخير في امتصاص الهجوم على السويداء، والذي طرح بدوره تساؤلات حول مأزق الميليشيات المسلحة في توسيع الانتشار وإمكانية استمرار ذلك في ضوء تباعد خطوط الإمداد أولاً، ومواجهة البيئات غير الحاضنة للإرهاب ثانياً.

العين على دمشق التي يبدو أن الاعتراف بقوة تحصيناتها على صفحات «وول ستريت جورنال» في أحد أوجهه يسقط غالبية الرهانات على زعزعة الاستقرار، لكن الحذر واجب في التعامل مع قذرين لا يتوانون عن إراقة المزيد من الدماء على مذبح رهانات استنزاف سورية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى