مقالات مختارة

تقسيم سورية بديلاً عن إسقاط النظام! عامر نعيم الياس

 

لم يعد بالإمكان إسقاط النظام في سورية وفقاً للمصطلح الغربي المستخدم في توصيف الدولة السورية التي تواجه حرباً قذرة من تسعين دولة على مستوى العالم.

الدولة التي تواجه نسب زيادة في تدفّق الإرهابيين الدوليين تجاوزت 70 في بين نهاية عام 2014 وبداية عام 2015، لم تسقط. لكن توحيد الرؤى وعملية تذويب الثلج بين قطر والسعودية وتركيا، وما أفرزته من تلاقٍ بين المجموعات السلفية الإخوانية القاعدية على أرض سورية، كل ذلك أدّى إلى إحراز تقدّم ميدانيّ دراماتيكيّ على جبهات مختلفة أهمها محافظة إدلب التي صارت في غالبيتها خارج سيطرة الدولة السورية، فضلاً عن إيقاف اندفاعة الجيش السوري والمقاومة في جنوب سورية واحتواء الموقف في مثلث درعا ـ القنيطرة ـ ريف دمشق.

«داعش» هو الآخر لم يغب عن حسابات الطرف الغربي، والأميركي تحديداً. فما جرى في إدلب رافقه «إنجاز» في تدمر، يصبّ هو الآخر في خانة إضعاف النظام.

في ضوء ما سبق، ومقابلة الجولاني مع «الجزيرة»، والترحيب الغربي بمضامين استراتيجية الجولاني المختلفة مع «داعش» في ما يخص العلاقة مع الغرب، وفي ضوء المباركة الأميركية للاستراتيجية الجديدة في سورية القاضية بالاعتماد على «النصرة» والتغاضي عن «داعش» إن كانت تواجه الجيش السوري، عادت نغمة «تقسيم سورية» لتسيطر على العقل السياسي الأميركي كبديل عن إسقاط الدولة السورية في ظل استمرار روسيا وإيران في موقفهما الداعم للدولة السورية. فمن افتتاحية صحيفة «الحياة» السعودية حول «الأقاليم الثلاثة»، إلى مقالات الصحف الأميركية إلى «معهد بروكينغز»، أصبح ها السيناريو مطروحاً بقوة لإدارة الأزمة على المدى الطويل والانتقال من الاستنزاف العسكري إلى ركوب موجة انكماش الدولة السورية، وشطب ما ذكرته الصحف الفرنسية عن «سورية المفيدة» من المعادلة لحساب تكريس تقسيم سورية كأمر واقع أولاً، ثمّ البدء ببرنامج حكم ذاتي في البلاد وفقاً لتعبير مايكل أوهانلون، الذي نشر مقالاً في «معهد بروكينغز» يدعو فيه إلى تقسيم سورية، معترفاً قبل كل شيء بعدم وجود قوات معتدلة، وبأن «أقوى معارضة اليوم تقف في وجه النظام تتمثل بداعش وبعده تأتي النصرة المنتمية إلى القاعدة».

هنا نلاحظ تشريع تقدّم هذين الطرفين بغضّ النظر عن مستوى الرضا الأميركي عنهما. وينتقل الكاتب بعدئذٍ إلى ما دعاه «تنفيذ أسلوب أقل تشدداً في عملية اختيار الجهة التي سنعمل معها. لقد تعب معظم المعتدلين في سورية من انتظارنا أو قد يكونوا قد لقيوا حتفهم». مرةً أخرى تحضر «النصرة» والترويج لها ولكامل المجموعات السلفية المتشددة من «أحرار الشام» إلى الكتائب الشيشانية التي تقاتل على أرض سورية بدعم مباشر من الاستخبارات التركية. وبذلك يفرض «تقسيم سورية التي ربما تتّحد يوماً ما، ولكن يجب علينا أن نعمل على وضع حلول محلية تحمي السوريين وتسمح بالمساعدات الإنسانية وتؤدّي إلى مناطق حكم ذاتي تحرم الأسد من أي أمل في حكم كامل سورية من جديد مع تقديم قواعد يمكن من خلالها التوسع وتكثيف القتال ضد داعش على مرّ الوقت».

إن الحديث عن سيناريو تقسيم سورية وفقاً لما سبق من طروحات تشوبه عراقيل عدّة أهمها:

ـ يغفل واضعو السيناريو عن قدرة الجيش السوري والحلفاء على استرداد زمام المبادرة. فهم يسلّمون أن الدولة السورية غير قادرة على تكرار تجربة السنوات الماضية. هنا يقول جيفري وايت في دراسة له في معهد واشنطن: «يبدو اليوم النظام على وشك الدخول في فترة ركود طويلة قد بدأت على الأرجح، الأمر الذي قد يؤدّي إلى انهيار الدولة أو انكماشها».

ـ «داعش» الذي يسيطر بحسب الإعلام الغربي على «50 في المئة» من مساحة سورية، يكبّل العلاقة الرسمية معه أو شرعنة عملية التقسيم باعتباره موجوداً على الأرض. قرارات أممية وتحالف دولي للحرب ضده يقوده أوباما شخصياً، وبالتالي لا يمكن الرهان على مناطق سيطرة «داعش» المتصلة جغرافياً في تقسيم سورية.

ـ على رغم الاعتراف الذي نجده في الدراسة الأميركية التي أجراها مايكل أوهانلون بوجود قوتين على الأرض في سورية: «داعش» و«النصرة»، إلا أنّ الرهان على الحكم الذاتي في سورية و«الانطلاق من هذه المناطق لقيادة الحرب على داعش»، لا يغيب عن العقل العسكري الذي يحكم توسّع «داعش» في سورية، فالتنظيم الذي يدرك خطورة «النصرة» على مشاريعه في سورية سيسعى إلى تكرار ما جرى في دير الزور ـ السنة الماضية ـ في محافظة إدلب، ولن يترك «النصرة» قادرة على إقامة إمارتها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى