مقالات مختارة

الانتخابات التركية.. ثلاثة خيارات حاسمة محمد نورالدين

 

بعد ثلاثة أيام تواجه تركيا إحدى أهم الانتخابات منذ العام 2002 حين جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة ولا يزال لتاريخه.

أهمية الانتخابات النيابية المقبلة ليس فيمن سيحرز المركز الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع. إذ إنها محسومة منذ الآن. لكن الأهمية في أنه إذا توفرت بعض العوامل الصغيرة جداً، فإن البلاد وللمفارقة ستشهد إما افتقاد حزب العدالة والتنمية الحاكم لتفرده في السلطة أو للسلطة حتى أو تعزيز قبضته في اتجاهات تعزيز سلطته أو الاستمرار في الوضع الراهن.

لكنها المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة احتمال انكسار الحزب.

منذ العام 2002 وحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان يحرز الانتصار تلو الآخر على خصومه وبأكثريات كبيرة تدرجت من 34 في المئة عام 2002 إلى 49 في المئة أي نصف الناخبين في العام 2011. وأضاف الحزب إليها انتصارات في جميع الانتخابات البلدية كما انتخابات الرئاسة عام 2007 (عبدالله غول) وفي العام 2014 التي حملت أردوغان إليها بالاقتراع الشعبي.

بعد انتخابات الرئاسة تغيرت واجهة حزب العدالة والتنمية. لم يعد أردوغان رئيساً للحزب ولا للحكومة. تم انتخاب أحمد داود أوغلو رئيساً للحزب وللحكومة بدعم كامل من أردوغان ليكون خليفته فيه.

هذا العامل هو أحد خصائص الانتخابات الحالية. للمرة الأولى سيخوض حزب العدالة والتنمية الانتخابات من دون أن يكون أردوغان رئيساً له.

العامل الثاني هو أن الحزب يفتقد في الانتخابات الحالية لكل النواب والقيادات المعروفة فيه والتي واكبت وصنعت أمجاده خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية. والسبب أن النظام الداخلي للحزب قد وضعه أردوغان بحيث لا يبقى نائب في موقعه أكثر من ثلاث دورات نيابية متتالية.

وعامل آخر هو أن الحزب يخوض الانتخابات من دون أي صفة مؤثرة لأحد أهم مؤسسيه وداعميه أي عبدالله غول بعد خروجه من رئاسة الجمهورية في العام 2014 لمصلحة أردوغان.

ويخوض الحزب الانتخابات وقد غرق في فضائح الفساد ومع أن هذه الفضائح لم تنعكس في الانتخابات البلدية غير أنها لن تعدم ولو بعض التأثير.

.ويخوض الحزب الانتخابات في ظل مؤشرات التراجع الاقتصادي وتراجع معايير الحريات والديمقراطية. ولاسيما قمع الصحفيين وآخرها الكشف بالصوت والصورة عن محتوى شاحنات كانت تحمل أسلحة إلى سوريا وكان أردوغان ينفي ذلك قائلاً إنها مساعدات إنسانية إلى تركمان سوريا. ولا يعرف بعد كيف سيكون تأثير ذلك في الناخب التركي خصوصاً لجهة المصداقية التي اهتزت لخطاب أردوغان- داود أوغلو.

أما على صعيد المعارضة فإنها تتوزع على أربعة أحزاب رئيسية.

الأول حزب الشعب الجمهوري العلماني والذي يحتل المركز الثاني في كل الانتخابات وبنسبة تقارب ال 27 في المئة. ولا يطمح الحزب إلى زيادة أصواته بصورة دراماتيكية ولكنه يحاول أن يقدم نفسه أكثر انفتاحاً على المتدينين ويعد الناخبين بمشاريع اقتصادية ضخمة مثل إقامة مدينة جديدة داخل تركيا في الأناضول أو البحر الأسود تكون مركزاً عالمياً.

أما حزب «الحركة القومية» اليميني المتشدد فيحتل دائماً المركز الثالث بنسبة تقارب ال 17 في المئة ومع أن المنطلقات الإيديولوجية للحزب قريبة من حزب العدالة والتنمية غير أنه أكثر علمانية ويعارض بشدة تورط تركيا في الأزمة السورية والعراق خلال حماية تركمان العراق.

ويأتي«حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي في المركز الرابع وهو لم يكن يترشح كحزب بل كان مرشحوه يخوضون الانتخابات بصفة مرشحين مستقلين..الحزب المؤيد لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان يخوض الانتخابات الآن كحزب على أمل أن يحصل على عشرة في المئة فيدخل البرلمان وإلا فسيبقى خارجها.

أما الحزب الخامس فهو تحالف بين حزب السعادة التركي وريث خط نجم الدين أربكان وحزب الوحدة الكبير وهما حزبان صغيران إسلاميان قد ينالان معاً حوالي 3-4 في المئة.

.تكتسب هذه الانتخابات أهمية فائقة نظراً لتقارب الاحتمالات المطروحة.

هذه الانتخابات مفصلية لرجب طيب أردوغان الذي يريد أن يحقق حزب العدالة والتنمية فوزاً كاسحاً يصل إلى ثلثي المقاعد (367 مقعداً من أصل 550 مجموع مقاعد البرلمان) من أجل أن يعدل الدستور في البرلمان وتغيير النظام من برلماني متعدد إلى رئاسي يحصر فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية وقد يلغى فيه منصب رئيس الحكومة أو حتى صفة الوزير. وإذا لم يحصل حزب العدالة والتنمية على 367 مقعداً فعلى الأقل 330 مقعداً وهو العدد الضروري الذي يجب على أي تعديل دستوري أن يناله ليتمكن من تحويل الاقتراح إلى استفتاء شعبي فيراهن أردوغان حينها على الاستفتاء لتغيير النظام السياسي.

كل الأنظار تتجه إلى ما سيحققه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. إذ إنه في حال نجح الحزب في تخطي عتبة العشرة في المئة فإنه سينال حوالي 55-60 نائباً ولكن في حال فشل في ذلك فإن غالبية هذه المقاعد الستين ستذهب إلى حزب العدالة والتنمية ، وهذا سيضاعف من قوته بشكل يمكنه من ملامسته وربما تخطي عتبة ال 330 نائباً وربما أكثر.

إن فوز «حزب الشعوب الديمقراطي» سيوجه ضربة إلى العدالة والتنمية لكن فشله سيفيد جداً الأخير وهذا متوقف على أمر وحيد وهو أن يحصل حزب الشعوب الديمقراطية على 10 في المئة. الاستطلاعات الحالية تشير إلى أن الحزب الكردي يقف على حد السكين إذ تعطيه الاستطلاعات نسبة نجاح تتراوح بين 8 و 11 في المئة. أي أن نقطة أو نقطتين أو حتى نصف نقطة مئوية ستكون حاسمة في خيار النظام الرئاسي أو سقوطه.

لكن هناك احتمالات أخرى وهي أنه في حال فوز «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي بعشرة في المئة وتراجع أصوات حزب العادلة والتنمية الى أٌقل من 42 في المئة فإن احتمال فشل العدالة والتنمية في عدم حصوله على الأكثرية المطلقة أي النصف زائد واحد(276 نائباً) وبالتالي عدم قدرته على التفرد بالسلطة سيكون وارداً جداً.

أي نقطة أو اثنتين صعوداً لدى الحزب الكردي ومثلها لكن تراجعاً لدى حزب العادلة والتنمية ستتحكمان بالنتائج وبمستقبل تركيا. فلمن سينحاز الناخب التركي؟

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى