مقالات مختارة

«المستقبل» يُغري «داعش» بالتمدّد الى لبنان لاستدراج «التحالف الدولي»! ابراهيم ناصرالدين

 

حاولت اوساط ديبلوماسية عربية في بيروت «جس نبض» عدد من المحسوبين على فريق 8آذار والمقربين من حزب الله للبحث في مدى تأثير «الحملة المضادة» التي بادر اليها تيار المستقبل لوقف «زحف» المقاومة على جرود عرسال، فجاءت الاجوبة حاسمة وقاطعة بان لا عودة الى الوراء، وبان «القافلة تمشي»…، والخطط المرسومة ستنفذ بحذافيرها حتى تصل الامور الى خواتيمها بطرد كافة المسلحين من المناطق الحدودية، والاستنتاج الواضح من هذه المسآلة ان التهديد بالفتنة المذهبية لم يعد «سلاحا» يقلق حزب الله لان المخاطر الراهنة تتجاوز كل هذه الحسابات. فما هي هذه المخاطر ولماذا لا يكترث الحزب بحملة الرئيس سعد الحريري التحريضية؟ ببساطة شديدة لان قيادة المقاومة باتت تملك صورة واضحة عن رهان تيار المستقبل وخطط رعاته الاقليميين، ليس فقط على «جبهة النصرة» وانما على «داعش» لـ«قلب الطاولة» وتغيير التوازنات على الساحة اللبنانية؟

اوساط وثيقة الصلة بـ 8 آذار تشرح الامر من خلال العودة بالذاكرة الى تصريحات قائد الجيش العماد جان قهوجي قبل اشهر، عندما تحدث صراحة عن خطط موجودة لدى تنظيم «داعش» لإقامة ممر آمن إلى البحر لم يستطع تأمينه في سوريا او في العراق، هذه التصريحات لم تكن تنبوءات او قراءة في «الفنجان»، فمعلومات قائد الجيش تقاطعت يومها مع تقارير استخباراتية غربية واعترافات خلايا «تكفيرية» تم توقيفها في لبنان وسوريا، وهي تفيد بأن التخطيط الاستراتيجي لتنظيم «داعش» توصل الى خلاصة تفيد بأن هذا الامر يمكن تحقيقه عبر الحدود اللبنانية، ولذلك فهو يخطط لربط جبال القلمون في سوريا ببلدة عرسال، ثم بمنطقة عكار وأخيرا بالشمال، يومها تلقى لبنان ضمانات بمساعدات مباشرة وغير مباشرة غربية في حال اقدام التنظيم على خطوة مماثلة، وجرى الحديث عن ادخال الساحة اللبنانية ضمن استراتيجية قوى التحالف الدولي لمكافحة هذا المد «الداعشي» اذا ما حصل.

لكن ومع مرور الوقت تبين من مسار الاحداث والتطورات انه لا يمكن الركون للوعود الغربية بعد ان وصل التنظيم التكفيري الى مقربة من السواحل الاوروبية من خلال السيطرة على مساحات واسعة في ليبيا وباتت «روما» على «مرمى حجر» من «ولايته» هناك»، كذلك تبين من خلال سقوط الرمادي ومدينة تدمر مؤخرا، ان الغرب غير معني بوقف تمدد «داعش» ويتعامل مع التطورات انطلاقا من «اجندة» عمل لم تتضح معالمها بعد، ولكنها تخدم مصالحه وتؤشر الى رسم جغرافي جديد للمنطقة تستخدم فيه «داعش» كداة لرسم معالمها.

وفي هذا السياق تضيف الاوساط ان ثمة اعتقاداً ان لبنان يشكل «نقطة ضعف» مقارنة بالساحل السوري المحمي عسكريا، والمحصن»بالفيتو» الروسي الذي لا تستطيع واشنطن تجاوزه راهنا. لكن اين مصلحة «التيار الازرق» بدخول «داعش» الى الاراضي اللبناني؟ هي مصلحة محدودة، ووفقا للمعطيات المتوافرة ينحصر دور تيار المستقبل بعملية «اغراء» التنظيم بالتمدد نحو لبنان من حمص باتجاه القلمون الشرقي، ثم جبال الهرمل وذلك عبر تأمين «البيئة الحاضنة»، من خلال «الحملة» الممولة سعوديا والقائمة على تحميل حزب الله مسؤولية استدراج «الازمة السورية الى لبنان، ووظيفة «التيار الازرق» هي استدراج «داعش» للاستيلاء على مناطق ولو صغيرة في البقاع، لاستدراج التحالف الدولي واعطائه المبرر للتدخل العسكري في لبنان ورسم قواعد عمل جديدة من خلال «مظلة جوية» على الحدود تمنع حزب الله من الاستمرار في استراتيجيته القتالية في سوريا.

رهان تيار «المستقبل» لا يتوقف على «داعش»، فهو جزء من منظومة اقليمية تعمل على هذا «الخط»، تضيف الاوساط، فهو يواكب الاستخبارات القطرية المنكبة على «تأهيل» «جبهة النصرة» وتسويقها كقوة وحيدة قادرة على اسقاط النظام السوري، يقابلها عمل الاستخبارات التركية لرأب الصدع بين هذين التنظيمين، اقله منع التصادم بينهما وتأجيل الصراع على النفوذ الى ما بعد رحيل الرئيس بشار الاسد!. اما دور الاستخبارات السعودية فهو بذل الجهود مع الولايات المتحدة لاقناعها بضرورة «هضم» «جبهة النصرة» في هذه المرحلة انطلاقا من الوهن الذي اصاب «الجيش الحر»، وباعتبارها قوّة فاعلة على الأرض يصعب تجاهلها ولا يفيد استعداؤها لان هذا الامر يدفع أفرادها وقياداتها إلى أحضان «داعش». واللافت في هذا السياق ان تقويم الاستخبارات السعودية يتطابق مع تقارير الاستخبارات الاسرائيلية التي تتحدث عن امكانية التعامل مع هذا الفصيل «وتدجينه» وقد اثبتت التجربة طوال الاشهر الماضية انه التزم بوعوده في «حماية» «الحدود» الاسرائيلية من جهة الجولان، وقبلها قدم «شهادة» حسن سلوك عندما افرج عن افراد قوات الاندوف، وبادر الى رفع علم «الثورة السورية» على معبر القنيطرة في هضبة الجولان السورية بعد الاستيلاء عليها في أيلول من العام الماضي.

هذا التحريف للحقائق ومحاولة الباس «النصرة» قناع «الملائكة» لم يتوقف عند هذا الحد على حدّ قول الأوساط، فما يتم تداوله ضمن التعميمات الداخلية الصادرة عن تيار المستقبل يفهم منه ان واشنطن منحت حلفاءها هامشاً زمنياً جديداً لاحداث تغييرات في الوقائع على الارض، فهي كما سبق واعطت السعودية «ضوءا اخضر» للتغيير في اليمن، منحتهم التغطية اللازمة للتغيير في سوريا والعراق، وبما ان الاحداث قد اثبتت بأن حزب الله يعتبر الرافعة الاساسية للنظام، فيجب تقييد حركته ومحاصرته، فواشنطن تحاول الاستفادة من «الوقت الضائع» للضغط على الايرانيين، قبل حسم الملف النووي، وفي الوقت نفسه تحاول ارضاء الحلفاء عبر السماح بهامش للمناورة والتحرك لتقليص ما يعتقدون بانه تمدد ايراني في المنطقة.

وتلفت تلك الاوساط الى ان مشكلة الحريري لا تكمن في انه مسلوب الارادة أو القرار، او انه لا يعي خطورة موقفه بتغطية المجموعات التكفيرية على الحدود، والمسألة ليست حقدا اعمى على حزب الله، فهو لم يناقش مع رعاته الاقليميين، وهم لم يحدثوه اصلا عن الارباح التي سيحققها مع تياره اذا ما انتصر هؤلاء، لكنهم يخيفونه بالحديث عن خسائره اذا ما انتصر الرئيس بشار الاسد وحزب الله. الفشل بدعم «الجيش الحر» جعل من «جبهة النصرة» «وداعش» الملاذ الاخير المتبقي، باعتبار ان الاخير قابل للتوظيف «ومفاتيح التحكم» به موجودة في تركيا، اما الاول فيسوق له لكي يكون «جيش السنة» المكلف اسقاط «الهلال الشيعي» بدءا من دمشق، وهذا ما يجعله في «خندق» واحد معهما.

وعندما وجه له الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من النبطية رسالة «طمأنة» علنية حول مستقبله السياسي، لم يكن يهدف الى زرع «السكينة» في قلبه كي يهتدي الى الطريق الصواب، فلا قدرة للحريري على القيام بأي استدارة في ظل اصرار السعودية على «جنونها»، وانما اراد السيد نصرالله ان يقول له «نحن نعرف بما تفكر، ونعرف مما تخاف، ونعرف طبيعة تحالفاتك، ونعرف طبيعة رهاناتك»، والاهم من كل ذلك ايصال «رسالة» واضحة الى من يعنيهم الامر ان حزب الله لن ينتظر اليوم الذي سيحاول فيه هؤلاء عبور الحدود، سيستفيد من الوقت لانهاء وجودهم هناك، وسينهي بذلك اوهام بعض اللبنانيين ورعاتهم الاقليميين، لن يسمح لاحد بفرض خريطة التقسيم في المنطقة، وبعد القلمون سيتم توظيف قدرات «قوات النخبة» في مناطق استراتيجية لقلب «المعادلات». هذا في الجرود، وما بعد بعد الجرود، اما عرسال فلن يكون حزب الله مضطرا للتدخل لتحرير اهلها، فحماقة المتورطين هناك كفيلة بتكرار سيناريو الشيخ الفار احمد الاسير في صيدا. وبعدها ستصم آذان اللبنانيين «بصراخ» السنيورة والحريري؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى