مقالات مختارة

تحييد الجيش في عرسال غير مضمون ولا ضمانات قطريّة تمنع «غزوة عرسال» ابراهيم ناصرالدين

 

تدخلت المملكة العربية السعودية خلال الساعات القليلة الماضية «لعقلنة» التنافس المحتدم داخل تيار المستقبل بين وزير العدل اشرف ريفي ووزير الداخلية نهاد المشنوق، هذا التدخل ترافق مع حالة من «الاستياء» والغضب» لدى القيادة السعودية من «حرب الاخوة» فوق «سفينة» مهددة «بالغرق»، في ظل تحولات تعمل القيادة «الشابة» في المملكة على بلورتها في المنطقة، وتبين لها مرة جديدة ان «خاصرتها الرخوة» هي الحلفاء في لبنان بعد ان تبين انهم غير قادرين على «الصمود» ومنع «الكارثة» بانتظار اكتمال «قوس» «الانتصار» الممتد من اليمن الى سوريا. فاين تكمن «معضلة» المستقبل؟

اوساط ديبلوماسية عربية في بيروت تشير الى ان «التيار الازرق» تلقى تعليمات سعودية بوقف مؤشرات «الهلع» ازاء الانجازات المتلاحقة لحزب الله في القلمون، ومحاولة الحد من اندفاعته من خلال الابقاء على موطىء قدم للمجموعات المسلحة على الحدود اللبنانية، «فالمطلوب الهدوء والصمود» بانتظار تبلور النتائج النهائية للمواجهات في الشمال السوري، فالسعوديون نجحوا في حل اشكالية كبيرة تتعلق بتعارض المصالح والاولويات بين «خصوم» دمشق، نجح الملك سلمان بن عبد العزيز في تذليلها، وما عانى منه الملك عبد الله منذ رمضان عام 2011 عندما اعلن علنا دعم المعارضة السورية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، انتفى الان، وجرى ترتيب الأولويات السياسية والأجندات بين الرياض والإمارات من جهة والدوحة وأنقرة من جهة ثانية لاسقاط ايران من «البوابة» السورية» ومع استلام الملك سلمان الحكم، اعتبر ان التحدّي الداهم للسعودية سببه قصور التخطيط السياسي الاستراتيجي في الساحتين اليمنية والسورية، فاطلق عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، وبدأ خطة استراتيجية جدّية في سوريا.

وبحسب تلك الاوساط، ففي حال النجاح على الجبهة الشمالية، سيلي ذلك فتح جبهة حلب، وفي وقت لاحق الجبهة الجنوبية، وهي اكثر تعقيدا بفعل الترتيبات الخاصة المتعلقة بدور اسرائيل ومصالحها في هذه المنطقة الحيوية، لكن كل ذلك مقدمة للاطباق على دمشق، ودور جبهة القلمون اساسي في هذه الاستراتيجية، وبحسب السعوديين، فقد حصلوا في قمة كامب ديفيد على «ضوء اخضر» اميركي لاستكمال ما تم البدء به في جبهة الشمال السوري بعد الحصول على ضمانات تركية وقطرية بلجم «وعقلنة» «جبهة النصرة»، ووفقا للسيناريو المعد ثمة خطة لفكّ الحظر عن الاسلحة المضادة للطائرات، وتوفير مناطق آمنة داخل سوريا لانشاء ملاذات «مستقرة» تكون «قاعدة» للانطلاق نحو الاطباق على دمشق، واسقاط النظام في معاقله الاساسية. وهنا تكمن اهمية معركة القلمون في بعدها الاستراتيجي.

وبعيدا عن النقاش حول امكانية نجاح هذه الاستراتيجية، والاجراءات المضادة لافشالها من قبل محور المقاومة، فان ضرب حزب الله لاحد اضلعها، يقدم شرحا لحملة الضغوط الداخلية لثنيه عن مواصلة عملية تنظيف الجرود نهائيا من تلك المجموعات. اما ما يثير «جنون» السعودية فهو عامل المفاجأة في توقيت اطلاق حزب الله لمعركة الحسم في القلمون، بعد ان رفع الحلفاء في بيروت تقارير حملت في طياتها تطمينات تشير الى ان تهديدات السيد حسن نصرالله مجرد تهويل، والمقاومة منهكة في الداخل السوري، وغير قادرة على الدخول الى «مستنقع» القلمون. وقد تبين لاحقا ان هؤلاء يتمتعون بسوء تقدير كبير.

وفي هذا السياق، تقول اوساط في 8آذار، ليس كافيا بالنسبة للرياض قيام الحلفاء في بيروت «بالصراخ»، ورفع منسوب التحريض على حزب الله لاستيعاب تداعيات المرحلة المقبلة، ولذلك انتقل البحث بين تيار المستقبل والقيادة السعودية الى مرحلة متقدمة لها علاقة بكيفية التعامل مع استحقاق عسكري داهم في عرسال وجرودها، واستحقاق سياسي لاحق يتعلق بالانعكاسات الداخلية لنتائج معركة القلمون، وتبين ان ثمة مخاطر كبيرة واحتمالات كثيرة لم تتبلور صورتها النهائية نتيجة «الضبابية» في الموقف السعودي «المربك»، وتخبط «التيار الازرق»، فالاحداث تجاوزته بسرعة قياسية بعد التقدم غير المتوقع لحزب الله على الجبهة الشرقية، «والمستقبل»بات امام استحقاق لم يكن يخطر على بال اي من «العباقرة» والمحللين الاستراتيجيين العاملين في خدمته. فاين تكمن المعادلة الصعبة؟

على المستوى العسكري تضيف الاوساط، لا ضمانة لدى تيار المستقبل ببقاء الجيش اللبناني على الحياد في هذه المواجهة، نعم لن يسمح «التيار الازرق» بمرور التغطية السياسية للجيش في مجلس الوزراء لتحرير جرود القلمون، وسيواصل عملية «الابتزاز» المتعلقة بالتعيينات العسكرية والامنية، ولكن ماذا لو اندفع المسلحون نحو عرسال ومحيطها وبات الجيش في موقع دفاعي؟ خصوصا ان القطريين لم يحملوا معهم خلال الساعات القليلة الماضية اية ضمانات حول التزام المجموعات المسلحة بعدم تكرار ما حصل في «غزوة» عرسال الاولى،

فـ «امير النصرة» ابو مالك التلي يتحدث عن وضع صعب لا يمكن التكهن بكيفية تدحرجه، واذا استمر الضغط واشتد الحصار من المقلب الاخر فلن يكون امام المسلحين من خيار الى محاولة التقدم للاحتماء داخل عرسال حيث يلعب العامل الديموغرافي والجغرافي «والحساسيات» اللبنانية دورا حمائيا يظن المسلحون انه سيكون سدا منيعا امام «الموجة العالية» لحزب الله في المنطقة.

وازاء هذه المعطيات يسود الارتباك تيار المستقبل بحسب الاوساط وهو غير قاد رعلى بلورة استراتيجية واضحة طلبها السعوديون لكيفية مواجهة احتمال مماثل، فالتحريض المذهبي لمنع الحسم في عرسال وجرودها دونه مخاطر كبيرة اذا ما تم تحريك «مفتعل» للشارع السني، وهنا لا يملك «المستقبل» القدرة على التحكم والسيطرة، فالتجارب السابقة اظهرت ضعفا بنيويا في التحكم ب«مفتايح اللعبة» شمالا وبقاعا، بعد «تهريب» عميد حمود وتغييبه عن المشهد مع عدد من القيادات الميدانية المسؤولة عن «التحكم والسيطرة» بالمجموعات «الضاربة» في ميليشيا «المستقبل»، وهذا يطرح تحديات كبيرة مع بروز القيادات السلفية التي يصعب التحكم بها، ولديها اجندات طموحة تتجاوز قدرة المستقبل على تحمل تبعاتها، وفي الخلاصة ستتحول المواجهة الى معركة قاسية مع الجيش. والمعضلة الثانية تتمثل بالتحولات الداخلية التي ستتطغى على المشهد العام في البلاد، فعند الطلقة الاولى تجاه مواقع الجيش لن يكون بمقدور «التيار الازرق» الاستمرار بالحملة السياسية والاعلامية الراهنة وسيكون مضطرا لمجاراة المؤسسة العسكرية في المواجهة، ولن تنفع عندها الاتهامات لحزب الله بجر الجيش الى هذه الحرب، فالشريحة الكبرى من اللبنانيين ستكون خلف الجيش بل ستطلب من مجاهدي المقاومة مؤازرته في معركته.

وامام انسداد الافق وضآلة الخيارات، ومع قناعة تيار المستقبل ان حزب الله لن يفوت الفرصة الراهنة لاستكمال معركة القلمون بعد الانهيار الكامل للمسلحين، بدأ التفكير جديا في اليوم التالي لهذه المواجهة وانعكاساتها على موازين القوى الداخلية، وهذا ما يفسر التمسك «بشعرة» الحوار في ظل توجس من «غموض» استراتيجية السيد نصرالله، والسؤال الملح حول كيفية «صرف» الحزب انتصاره في المعركة، قبل سنوات اهدى الانتصار على اسرائيل الى كل اللبنانيين، فهل سعيد الكرة هذه المرة؟ وهل سيتسامح مع من راهن على هزيمة المقاومة ودعم «التكفيريين» بالمال والسلاح والاعلام؟ ثمة اصوات كثيرة ومؤثرة ترجو السيد الا يفعلها هذه المرة….

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى