مقالات مختارة

الإنتصار المأمول !! ثريا عاصي

 

لندع الحماسة جانباً . من المحتمل أن الحرب على سوريا التي دخلت عامها الخامس قد تطول طالما أن ميزان القوى لا يميل بصورة حاسمة لا لصالح المهاجمين ولا لصالح المدافعين . لا سيما إن هذا الميزان يتأثر إلى أبعد الحدود بالعوامل الخارجية . فلولا أمراء قطر وآل سعود والعثمانيون الجدد لما انعطفت الأزمة الإجتماعية والسياسية في سوريا في غياب كفاءة ووعي الحاكم والمحكوم، نحو الهمجية، ولولا إيران وحلفاؤها في لبنان والعراق لما استطاعت السلطة في سوريا الصمود والتصدي. هذا طبعاً في الدائرة المحيطة مباشرة بالبلاد السورية والعراقية. إذ من نافلة القول أن وتيرة الحرب في سوريا تخضع أيضا لمؤثرات تنطلق من دائرة أوسع، دولية، تتنافس في فضائها القوى الكبرى أو الأقطاب !

مجمل القول أن حربا تدور على الأرض السورية تمسك بخيوطها بشكل رئيسي جهات أجنبية خارجية لديها سياسات متناقضة ومتعارضة. ما يزيد الطين بلة هو أن السوريين أنفسهم منقسمون . يبرر بعضهم تدخل هذه الجهات الأجنبية في بلادهم بل يستنصرونها تارة تحت عنوان التضامن الديني والمذهبي وتارة أخرى باسم الدفاع عن حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية السياسية . بكلام أكثر وضوحا وصراحة يتقدم في نظر الأخيرين الإنتماء المذهبي و «الإنفتاح » على النظام المعولم تحت قيادة أميركية، على ما عداهما (إنفتاح الرئيس المصري الأسبق أنور السادات) . أما البعض الآخر فإنهم يرفضون هذه المواقف جملة وتفصيلا كونها ضمنياً تفريطاً بمفهوم الوطن السوري وبالكينونة الفردية والجمعية السورية المشتركة . هذا المفهوم الذي يتأسس على وحدة المصير وليس على التجانس الديني والمذهبي والعرقي . علماً أن طلب هذا التجانس هو في الواقع تعبير عن خلل منطقي وعقلي مرده في أغلب الظن إلى تجـّذر الذهنية القبلية المتأصلة في النفوس. لعل ذلك يفسر اتخاذ آل سعود مثالاً يحتذى في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالإضافة إلى تقبل خطاب القادة الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين عن حقوق الإنسان والديمقراطية على غير حقيقته بما هو خداع ألفاظ تزيينا للإستعمار الجديد !

من البديهي أن التضحيات الجسام التي بـُذلت خلال سنوات الحرب الماضية والأثمان الباهظة التي دفعها السوريون وحلفاؤهم نتيجة السياسات الخاطئة التي اتبعت منذ سبعينيات القرن الماضي، تجعل وقت الخيارات خلفنا . العدو أمامنا والبحر وراءنا . لم يبق إلا خياران، الإنتصار أو الغرق .

يتطلب الإنتصار الإتفاق الآن، على تعريف معنى الوطن ليكون ذلك أساساً لدعائم الدولة الوطنية . إذ يجب أن يكون معلوماً أن الوطن لا ينبني على الدين، والمذهب والقبيلة والعرق . فهو في جوهره شراكة دائمة مع الآخر في المصالح والثقافة والمصير، في الحرب والسلم . كل سلوك يُلحق الضرر بهذه الشراكة أو يعرضها للخطر هو سلوك خياني مؤقت بالقطع، لأن نتائجه السلبية ترتد حكما على الخائن نفسه . إذا إنفضت الشراكة الوطنية إنتفت الحاجة إلى الخائن !

خلاصة القول ان عدم الوفاء للدماء التي تخضب تراب سوريا وللعذابات التي يتحملها جميع السوريين في هذه الحرب، هو كمثل النكران والخيانة . ان للمقاتل العربي السوري ولحلفائه وأنصاره الحق في أن يقولوا رأيهم وأن يعرفوا كيف ستكون سوريا بعد أن يُدحر المعتدون.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى