لماذا يدير الغرب الأذن الطرشاء للبنان؟ نبيل هيثم
«انهم يديرون لنا اذنهم الطرشاء.. لذلك لم اشعر بقلق من قبل بمثل ما انا قلق اليوم».
بهذا يوجز سياسي لبناني لبعض المقربين، ما استخلصه مرجع سياسي من محدثيه في مناسبة اجتماعية خارج لبنان بدعوة من «أحد الامراء»، مع شخصيات وديبلوماسيين وسياسيين وعسكريين اميركيين واوروبيين وعرب.
الملف النووي في الصدارة، بل هو قبلة الاهتمامات والاولويات الدولية، والاميركية على وجه الخصوص، في المرحلة الحالية. يأتي اليمن ثانيا، والمقاربات تقدم صورة مرتبكة عما سيؤول اليه الوضع في هذا البلد، وبالتالي الكل متفقون على ان كل الاحتمالات مفتوحة هناك على الأسوأ. ومن ثم السعودية، فعين الغربيين مصوبة على داخلها والتغييرات المتسارعة فيها، وما يلفت الانتباه في مقاربتهم لما يجري فيها، انها لا تشي باطمئنان كامل، اذ لم يسبق ان وصل الوضع في السعودية في داخلها ومع محيطها الى هذا المستوى من التوتر والحساسية. ومن بعدها ليبيا، والعراق وتفجيراته.. وبعده سوريا والنار المشتعلة فيها.
أما لبنان فهو غائب، ولا يؤتى على ذكره برغم كل ما يعانيه. ويقول المرجع اللبناني إنه تعمد السؤال عن لبنان، «فشعرت من الاجوبة المقتضبة ان لا مكان له حاليا، حتى في الدرجات السفلى، لسلم اولويات واهتمامات الغرب والعرب في آن معا».
الجواب الأميركي، كان تكرارا حرفيا للمقولة الاميركية التقليدية «نحن مهتمون بلبنان، ونريده ان ينعم بالامن والاستقرار، دعمنا للجيش مستمر وسيستمر، ونريد اللبنانيين ان ينجزوا الانتخابات الرئاسية في اسرع وقت ممكن». كان صريحا عندما قال ليس لدى واشنطن اية افكار او مبادرات لمساعدة لبنان على الخروج من مأزقه.
أما أحد الديبلوماسيين الفرنسيين فيطمئن إلى بدء توريد السلاح الفرنسي من ضمن الهبة السعودية للبنان، وعند سؤاله عما سيفعله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حيال لبنان، يقول «لا اعلم، ولا اعتقد ان باريس تملك اية حلول او مخارج». وعند تذكيره أن هولاند وعد البطريرك بشارة الراعي بأنه سيقوم بخطوات، لاسيما على مستوى الامم المتحدة ومجلس الامن، لانتاج مبادرات حول رئاسة الجمهورية، أجاب الديبلوماسي الفرنسي حرفيا «لا علم لي بذلك»!
يعتبر الاميركيون موضوع الارهاب «مشكلة العصر». يقولون ان قرار الحرب على الارهاب اكبر بكثير من كل ما يجري ومن كل الصراعات الاقليمية في المنطقة. فأمن الولايات المتحدة الاميركية صار مهددا، كذلك امن اوروبا والعالم كله. تحدث الاميركيون عن هذا القرار وكأنه ملزم للجميع الانخراط فيه.
قال المرجع اللبناني في تلك الجلسة «ان لبنان قد يكون السباق في هذا المجال. والجيش اللبناني يواجه الارهاب بقدراته المتواضعة وهو يملك الارادة والعزيمة ولكنه لا يملك السلاح النوعي والضروري، طبعا مع شكرنا لكل من يقدم لنا المساعدات. ثم اتعلمون ان الجيش في لبنان هو الوحيد الذي يقاتل الارهاب على كل حدوده؟». هنا جاء كلام اردني متضامن يقول «نحن نعاني مثلكم، داعش تهدد بلدنا»!
شدد المرجع اللبناني على ضرورة ان يرفد الجيش بالسلاح المناسب. فردوا بكلام عمومي عزز القناعة بأنهم يريدون من لبنان ان يحارب الارهاب وحده، وبما يملك من قدرات متواضعة لا تتناسب مع حجم المعركة، وليس هناك من هو مستعد لأن يقاتل الى جانبنا.
ولكن ماذا عن التحالف الدولي ضد الارهاب الداعشي في سوريا والعراق في ظل تراجع الحملة وتكاد تكون توقفت؟
جاء جواب اميركي مفاجئ، إذ يفيد بان التحالف الدولي مستمر في حربه على «داعش» والمجموعات الارهابية، «لكننا في هذه الفترة نعتمد تكتيكا جديا»، من دون الإفصاح عن هذا «التكتيك».
لم يقنع الجواب الاميركي ديبلوماسياً عربياً، فسارع الى القول: «محاربة الارهاب يجب ان تكون جدية وتحقق نتائج ملموسة. الارهاب، وتنظيم داعش خصوصا، مشكلة عالمية. لذلك يجب ان نقول للعالم كله تعالوا جميعا لانهاء هذه المشكلة. وقبل ذلك هو مشكلة اسلامية، يجب الاقرار بوجودها اولا، ومن ثم العمل على اجتثاثها من مجتمعاتنا قبل الاخرين، وهذا يتطلب ان يتصدر المسلمون الحرب على الارهاب».
تمتم الديبلوماسي العربي قائلا: «يقولون انهم يريدون محاربة الارهاب، فهل تعتقد انهم يريدون ذلك حقا، وهل تصدق انهم مع انهاء داعش؟ انا اعرف، ان الارهاب المشكو منه في هذه المرحلة هو من صناعتهم، والمشكلة ان بعض العرب يراهنون على دور وظيفي لهذا الارهاب، برغم ان الدول العربية، وقبل غيرها، صارت اهدافا لهذا الارهاب، وليس معلوما متى يبدأ التصويب واطلاق النار علينا جميعا».
ثم اكمل بكل ثقة «لا نصدق ان الاميركي يريد القضاء على داعش، فهو معه. السعوديون والقطريون والاتراك كانوا على علم باحتلال داعش للموصل، وهم سهلوا له ذلك. كانت الخطة تقضي بأن يحتل داعش الموصل. يشكل ذلك عامل ضغط على نوري المالكي فيطاح به ويؤتى بغيره، ولكنهم فوجئوا بأن لداعش طموحات كبرى بعدما اعلن دولته وحاول التمدد نحو اربيل ومحاربة الاكراد. هنا اضطروا لمواجهته، لكنهم لا يريدون القضاء عليه بل يريدونه مقلم الاظافر وفزاعة في وجه شيعة المنطقة، وكذلك في وجه السنة واللعب على التناقضات في ما بينهم».
(السفير)