مقالات مختارة

متغيرات الكيان بعد 67 عاماً د . فايز رشيد

 

بدأ الكيان احتفالاته بمناسبة ذكرى إنشائه . استقلال الصهاينة هو نكبتنا الفلسطينية العربية الإنسانية . بعد ما يقارب من 67 عاماً على إنشاء الكيان، ليس من الصعب على المراقب أن يلاحظ وبلا أدنى شك، أن جملة التطورات التي حدثت على الصعيدين الرسمي والاجتماعي في مدى ما يزيد على ستة عقود زمنية منذ الإنشاء، تتلخص في الجنوح مزيداً نحو اليمين والعنصرية، ذلك أن الإيديولوجيا الصهيونية ذات الجذور التوراتية ما زالت هي الأساس والمنبع للسياسات “الإسرائيلية” في المناحي المختلفة، أي أننا أمام صورة أبقت على المضامين كأهداف استراتيجية (ومنها تلك التي ما زالت تطرح في الإطار الشعاراتي السابق لها) على قاعدة تعزيز هذه الشعارات مثل: “يهودية الدولة” وعقيدة الأمن “الإسرائيلي” .

أما بعض الأهداف الاستراتيجية الأخرى فقد بقيت تحمل نفس المضمون، ولكن مع اختلاف بسيط في نمطية الشعارات المطروحة لتحقيقها مقارنة مع مثيلاتها لدى ترسيم ولادة الدولة . هذه الشعارات أخذت تبدو وكأنها أكثر مرونة لكنها المرونة التكتيكية التي لا تتعارض مع الجوهر، بل هي تتواءم وتصل حدود التماهي معه، ولكن مع الحرص على إعطائها شكلاً انتقالياً جديداً للتحقيق، وذلك لاعتبارات سياسية وإقليمية ودولية تحتم هذا الشكل الانتقالي، ولكن على قاعدة الاتكاء على ذات الإيديولوجيا . . فمثلاً فإن الهدف من إنشاء دولة “إسرائيل” الكبرى والذي كان مطلباً ملحاً ما قبل وعند إنشاء الدولة، أصبح بفعل المستجدات السياسية الموضوعية مسألة صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة، وبالتالي فإن السيطرة تحوّلت من الشكل المباشر عبر الاحتلال إلى شكل آخر غير مباشر، وهو السعي لتحقيق ذات السيطرة من خلال السيادة والهيمنة والتحكم الاقتصادي (على سبيل المثال)، ولذلك فإن الخلفية التي أصبحت تتحكم في النظرة “الإسرائيلية” إن على صعيد رؤية الذات كالدولة الأهم في المنطقة أو على صعيد العلاقة مع الدول العربية والإقليمية، تقوم على نظرية السيادة والتسيّد المطلق .

أما لماذا التحوّل من شكل الهيمنة الجغرافية إلى الأخرى الاقتصادية، فإن ذلك يعود إلى:

* أولاً: وجود عقبات فعلية في تطبيق المشروع الصهيوني لأسباب خاصة باليهود أنفسهم، فالخطة الصهيو – “إسرائيلية” بتهجير كافة يهود العالم إلى “إسرائيل”، واجهت وما زالت تواجه مصاعب كبيرة، بالتالي فإن أي احتلال “إسرائيلي” لمناطق جغرافية جديدة يلزمه بُعد ديموغرافي عسكري، وهو ما يفتقده الكيان .

* ثانياً: العامل الفلسطيني ذاته، والذي عبّر عن نفسه أكثر بالمقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها، وبخاصة العسكرية منها، الذي فرمل الحلم الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى عمل على الحد من الهجرة اليهودية إلى الكيان، كما ساهم في رفع وتيرة الهجرة المعاكسة منها نتيجة لانعدام الأمن .

* ثالثاً: عوامل شعبية عربية بالضرورة . فاصطفاف الجماهير العربية مع القضية الفلسطينية واعتبارها قضيتها الرئيسية، وفشل التطبيع معها (تجربة الشعب المصري بشكل رئيسي بعد اتفاقيات كامب ديفيد) كما الرفض الرسمي الصهيوني لما يسمى ب “مبادرة السلام العربية” إضافة إلى العدوانية الصهيونية الدائمة على الفلسطينيين والعرب كل ذلك وغيره يعلق الجرس في أذهان العرب على الخطر المستقبلي الصهيوني على الفلسطينيين والعرب .

* رابعاً: عوامل دولية فإذا ما استثنينا الاحتلال الأمريكي الذي قام في العراق (وما زالت آثاره باقية) وأفغانستان فإن الاحتلال الوحيد الذي بقي في القرن الحادي والعشرين هو الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية . بمعنى آخر فإن طبيعة التحولات السياسية على الصعيد العالمي والتفاف شرائح كثيرة دولية حول الحقوق الوطنية الفلسطينية وشرعية المطالبة بها والنضال من أجلها، إضافة إلى قرارات الأمم المتحدة حول الحقوق الفلسطينية ووجود عالم القطبين (حتى انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية) ووجود دلائل على إمكانية إحياء هذه الظاهرة، والكره الذي تنظر به أغلبية شعوب العالم إلى ظاهرة الاستعمار واحتلال أراضي الغير وارتفاع وتيرة المطالبة بحقوق الإنسان، كل ذلك وغيره من العوامل: يجعل إمكانية احتلال “إسرائيل” لأراض عربية جديدة غير واقعية وستكون مُدانّة دولياً فيما لو نفذتها “إسرائيل” .

من جانب آخر فإن انتصاري المقاومة الوطنية اللبنانية في عامي 2000 و،2006 وصمود المقاومة الفلسطينية وإفشالها للمخططات الصهيونية من عدوان 2014 على قطاع غزة وكافة الحروب العدوانية السابقة على القطاع، ساهم تماماً في إزالة شبح الخوف من البعبع “الإسرائيلي”، وأثبت بما لا يقبل مجالاً للشك، إمكانية هزيمة الكيان، فيما لو توفرت الإرادة . وعلينا ألا ننسى ما قاله رابين في حياته، للصحفي “الإسرائيلي” حاييم بار الذي نشر منذ أعوام: إن اضطراري لتوقيع اتفاقيات أوسلو في أحد جوانبه يتمثل: في شكي في القدرة القتالية الحالية لجيش الدفاع “الإسرائيلي” . رابين أيضا وبعد احتلال الأراضي العربية في حرب عام ،1967 قال في مذكراته “لقد بكيت عندما رأيت الأراضي الواسعة التي قمنا باحتلالها، لكني تساءلت في ذات الوقت كم هو صعب علينا الاحتفاظ بها” .

في نفس السياق يأتي التعامل “الإسرائيلي” مع الفلسطينيين وقضيتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالولوج إلى شكل توافقي يحقق الهدف الاستراتيجي في (الدولة اليهودية) من دون الاصطدام مستقبلاً بالقنبلة الديموغرافية التي يشكلونها مستقبلاً، فمن مبدأ التنكر المطلق لحقوقهم الوطنية باعتبار أن أراضيهم تشكل “يهودا والسامرة”، والتي هي جزء من “أرض “إسرائيل” التاريخية”، إلى إعطائهم ما تتصوره “نمطاً من الحقوق” يجمع ما بين السيطرة الفعلية “الإسرائيلية” كعامل متحكم في شؤونهم السيادية، باستثناء إشرافهم المباشر على القضايا الحياتية، ومن مبدأ الترانسفير والتخلص المباشر من معظمهم، إلى خلق وقائع اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية عسكرية تدفع الكثيرين منهم إلى الهجرة الطوعية، ولذلك تفتق الذهن “الإسرائيلي” عن الحكم الذاتي، الذي يُقدّم إليهم في مشاريع (سلامية) وتحت مسميات مختلفة، وكلها تضمن ل “إسرائيل” السيادة الفعلية على أكثر من ثلاثة أرباع الضفة الغربية . هذه الحلول لن يقبلها الفلسطينيون وإن تعاملت معه سلطتهم في رام الله .

هذه هي أبرز متغيرات الكيان بعد 67 عاماً على إنشائه القسري .

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى