مقالات مختارة

الحريري نموذج سعودي «للفشل»: يُحارب «طواحين الهواء»و«المستقبل» ينهار واشنطن لا تصنع رؤساء الحكومة.. «وبوابة» السراي تمرّ من «حارة حريك» ابراهيم ناصرالدين

 

عندما سمع احد الصحافيين الاميركيين المخضرمين المتابعين لقضايا المنطقة الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري يقدم نفسه «رأس حربة» في مواجهة تطرف حزب الله «والقاعدة»، سئل احد اصدقائه اللبنانيين «هل فعلا يصدق هذا الرجل نفسه؟» «وهل يدرك حقيقة قدرته الفعلية في التأثير بالاحداث»؟ «وهل يعرف ان المسؤولين الاميركيين ما كانوا ليتكبدوا عناء استقباله لولا حساسية الاوضاع مع المملكة العربية السعودية»؟

هذه الانطباعات يضاف اليها كلام لدبلوماسي عربي في بيروت اكد فيه ان الحريري يمثل بأمانة منقطعة النظير نموذجا واقعيا عن تخبط الاستراتيجية السعودية في المنطقة، فهو يزور واشنطن ويخطط لزيارة موسكو لتغيير موقف الروس من النظام السوري، ويحاول السعوديون «تلميع صورته» لاعادته الى المشهد السياسي اللبناني من «بوابة» السرايا الحكومية، وفي الوقت نفسه يتحدث عن تطرف حزب الله، وفي مكان آخر يتمسك بالحوار معه، ثم يتحدث عن احباط الامين العام لحزب الله من «كسر» شوكة ايران في اليمن. وهو يدعو لإنشاء منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة على الحدود مع سورية، لإجبار النظام ومن يدعمه على التخلي عن الرئيس الأسد، عبرغطاء جوي ورص صفوف المعارضة العسكرية، اي «جبهة النصرة» وهي فرع «تنظيم القاعدة» في بلاد الشام. وفي الخلاصة يحاور الرئيس الحريري «المتطرفين» الشيعة والسنة ويقاتلهم في الوقت نفسه. هل فهم احد شيء؟ بالطبع كلا. فالحريري نفسه لا يدرك ما يقوله لكنه بحاجة الى اعادة تسويق نفسه، ولا يمكن اغراء الاميركيين الا بعنوان «الريادة» في مكافحة التطرف.

وفي هذا السياق، تلفت اوساط قيادية في 8 آذار، الى ان الحريري يطرق مجددا «الابواب» الخاطئة، فقد فاته والحلفاء في السعودية ان رئاسة الحكومة لا تصنع في واشنطن او الرياض، وهو لن يعود الاّ القصر الحكومي الى من «بوابة» حارة حريك، واذا اراد حل «لغز» الاستحقاق الرئاسي فعليه اولا «طرق» «باب» الرابية كطريق الزامي الى السراي الكبير، اما الاستواء «بعاصفة الحزم» لفرض وقائع جديدة على الساحة اللبنانية فهي مجرد اوهام لا يمكن صرفها او الرهان عليها، لكن المشكلة الوحيدة تبقى في القراءة الخاطئة للقيادة السعودية التي يقرأ الحريري في «كتابها».

وفي مقاربة بين الواقع اللبناني والحرب في اليمن تشرح الاوساط الدبلوماسية التخبط السعودي بالقول ان الرياض تعيد اليوم سيناريو المغامرة الفاشلة المحفوفة بالمخاطر مع «انصار الله» ولم تستفد من تجربتها السابقة مع حزب الله، فالرياض فشلت في الماضي في رهانها على القوة العسكرية الاسرائيلية للتخلص من «عبء» المقاومة «وتقليم اظافر» ايران على الساحة اللبنانية، وهي تحاول بنفسها اليوم التخلص من الحوثيين بعد ان رفض الحلفاء خوض حرب بالوكالة عنها، وبعد ان فشل وكلائها على الساحة اليمنية باتمام المهمة. اما لماذا لم تلتزم بوقف الغارات الجوية فورا بعد الاعلان عن انتهاء «عاصفة الحزم»؟ فلان ما كان يجري على الارض يشبه احداث السابع من ايار 2008 في بيروت عندما حاولت السعودية استخدام «ميليشيا» تيار المستقبل لانجاز مهمة نزع سلاح الاشارة التابع للمقاومة، وحصل ما حصل يومها من انهيار كامل للمنظومة السياسية والعسكرية، وهذا الامر يحصل راهنا في المحافظات اليمنية.

والخلاصة انه في الوقت الذي يقول فيه السعوديون إنهم استطاعوا معاقبة الحوثيين الذين حاولوا السيطرة على البلاد. وقالوا إن الحملة دمرت كل الدفاعات العسكرية، فان هؤلاء لا يزالون يتقدمون، وبات مؤكدا أن السعوديين لا تتوفر لديهم استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف السياسية أو حتى إدارة عملية التدخل. ولا مفر من اعتراف السعودية بـ«انصار الله» كجماعة سياسية يمنية وجزء اساسي من الحل، وهذا يعني تكرار نموذج حزب الله في لبنان.

والمفارقة في هذا السياق ان التقارير الديبلوماسية الغربية تتحدث عن مبالغة سعودية في تظهير الدور الإيراني مع الحوثيين وأهمية إيران في اليمن، فقبل الحرب كان الدعم الإيراني متواضعا وغير واضح ومحدود، والسفارة الاميركية في صنعاء كانت ترد على الاتهامات السعودية لواشنطن بالتقصير في منع التمدد الايراني بتقارير الى الخارجية الاميركية، تفيد بان الدور الإيراني في اليمن على خلاف سوريا والعراق محدود وأن أهمية اليمن لإيران تظل أقل من العراق وسوريا. لكن المسؤولين السعوديين لم يقتنعوا بذلك رغم ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري عرض هذه التقارير باسهاب خلال اجتماعه الاخير مع نظرائه الخليجيين في الرياض، لكن توجس «العائلة الحاكمة» من ادارة الرئيس اوباما دفعتهم الى هذه المغامرة الخطيرة التي قدمت اليمن على «طبق» من «ذهب» الى ايران التي باتت اكثر من اي يوم مضى مهتمة بالانتصار هناك بعد ان رفعت السعودية شعاراً «زائفا» عنوانه كسر هيبة طهران في اليمن، وهذا لن يسمح به الايرانيون وهم باتوا «رقما صعبا» على طاولة المفاوضات، ولن يسمحوا للسعودية بتسجيل اي انتصار وهمي على الساحة اليمنية.

وهذا ينطبق ايضا في لبنان، وتلفت تلك الاوساط الى ان الازمة الراهنة غير مرتبطة «بالحاشية» الجديدة حول الملك سلمان، فالاخطاء على الساحة اللبنانية ادت الى فقدان حلفاء الرياض القدرة على تحقيق توازن قوة حقيقي مع حزب الله، والخطيئة التي ارتكبت منذ اعوام من خلال اقصاء التيار الوطني الحر ودفعه «عنوة» الى «احضان» حزب الله، والاستمرار راهنا في تقويض فرص وصول الجنرال ميشال عون الى القصر الرئاسي، تتكرر في اليمن من خلال «اقصاء» علي عبدالله صالح، ودفعه قبل اعوام للتحالف مع الحوثيين بعد ان خاض ستة حروب بالوكالة ضدهم بدعم سعودي مالي وعسكري، وهذا ما دفعهم الى البحث عن تحالفات خارجية تحميهم من «البطش» السعودي. واليوم تتخبط الرياض في «مستنقع» لا تعرف كيفية الخروج منه، والاثمان التي ستدفعها جراء ذلك؟

في الغرب يتحدثون عن «عقدة نقص» تجاه طهران دفعت المملكة العربية السعودية الى خوض حرب في اليمن، فحجم الإنفاق السعودي على التسليح هو الأعلى في العالم، وبلغ العام الماضي 80 مليار دولار أي ثمانية أضعاف ما تخصصه إيران لميزانيات الدفاع، ورغم كل هذا فإيران تتسيد الموقف في لبنان والعراق وسوريا والان اليمن، وهي «تسرق» من الرياض علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة على وقع المضي في توقيع الاتفاق النهائي حول الملف النووي. وفي لبنان يشعر الحريري «بعقدة نقص» تجاه حزب الله بعد سقوط كافة الرهانات المالية والعسكرية والسياسية على اضعافه، بينما فشل هو في الحفاظ على ارث والده المالي والسياسي، وهو تلقى نصائح خلال الايام القليلة الماضية بضرورة العودة الى بيروت لوقف انهيار تيار المستقبل بدل «تضييع الوقت» في لقاءات مع كيري وبايدن، وفي محاربة «طواحين الهواء»، فالاولوية لحل خلافاته مع «ابو العبد» كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي قبل ان تكبر «كرة الثلج» ويصبح السؤال الاكثر واقعية، هل يمثل الحريري فعلا التيار السني الاكبر في لبنان؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى