مقالات مختارة

لماذا ترسل روسيا مزيدا من القوات إلى آسيا الوسطى ؟

 

ستراتفور

11 أبريل 2015

روسيا تبذل جهودا متضافرة لزيادة الوجود العسكري والأمني ​​في جميع أنحاء آسيا الوسطى، ليس فقط للأسباب التي يمكن التعرف عليها من اهتمام الكرملين بالتهديد غير المباشر لمعاقل الإرهاب والتطرف الاسلامي في أفغانستان – الدافع المزعوم لها لنشر مزيد من القوات – بل هو أكثر بكثير القلق بسبب ما تعتبره روسيا تمددا صينيا وغربيا إلى المناطق التي خضعت للنفوذ الروسي تاريخيا. وهذا القلق سيحرك السلوك الروسي في آسيا الوسطى في السنوات القادمة .

لعبت آسيا الوسطى دورا هاما في إسقاط القوة العسكرية الروسية منذ توسع الإمبراطورية الروسية في القرنين ال18 وال19. خلال هذه الفترة، أنشأت روسيا المواقع العسكرية حيث تنافست مع الإمبراطورية البريطانية على النفوذ في المنطقة. وبحلول منتصف القرن 19، وكانت روسيا قد جلبت في العصر الحديث كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان في إمبراطوريتها. في أوائل القرن العشرين، تم إدراج البلدان في الاتحاد السوفياتي.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، احتفظت روسيا بوجودها العسكري في آسيا الوسطى ولعب هذا الوجود دورا رئيسيا في الصراعات الإقليمية، مثل الحرب الأهلية الطاجيكية بين العامين 1992-1997 وتحتفظ روسيا بقواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان. كازاخستان عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، الكتلة العسكرية التي تقودها روسيا. وعلى الرغم من أن أوزبكستان وتركمانستان ليستا جزءا من هذه الكتلة، فهما تحتفظان بعلاقات أمنية وعسكرية مهمة مع روسيا من خلال مشتريات الأسلحة.

المخاوف من التشدد

النفوذ العسكري الروسي منذ فترة طويلة يتوسع في آسيا الوسطى ويتبدى عبر العديد من التحركات في الآونة الأخيرة. في 2 أبريل، قال قائد القاعدة العسكرية 201 الروسية في طاجيكستان ان روسيا زادت عدد القوات المتمركزة هناك من 5900 إلى 9000 خلال السنوات الخمس المقبلة، وإضافة إلى المزيد من المعدات العسكرية خلال عام 2020. ثم في 3 نيسان ذكر مصدرخاص قريب من الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية لصحيفة كوميرسانت إن روسيا مستعدة لمنح طاجيكستان 1.2 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية خلال السنوات القليلة المقبلة. وبحسب ما ورد في الصحيفة أرسل الخبراء العسكريون الروس إلى حدود تركمانستان مع أفغانستان في 24 آذار ورغم ان المسؤولين التركمان لم يؤكدوا ذل فإن تقارير وسائل الاعلام المحلية أكدت ان عشق أباد طلبت رسميا المساعدة الروسية لحماية الحدود مع أفغانستان.

ترتبط هذه التطورات بالقلق المتزايد من امتداد العنف من أفغانستان إلى آسيا الوسطى. وهو الخوف المشروع لكثير من حكومات آسيا الوسطى بينما حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة يعملان لسحب قواتهما في أفغانستان بينما يتزايد شعور الحكومات الإقليمية بعدم الارتياح لتزايد وجود المتشددين في شمال أفغانستان، بما في ذلك طالبان والدولة الإسلامية.

رددت روسيا هذه المخاوف وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان إن مقاتلي الدولة الإسلامية في الشمال يقومون بتدريب الآلاف من المسلحين بالقرب من الحدود مع طاجيكستان وتركمانستان. وقد ركزت القمة الجماعية لمنظمة معاهدة الأمن على هذه                    المسألة، وحثت طاجيكستان الكتلة على بذل المزيد من الجهد لمواجهة التهديد في قمة دوشانبي 01-02 أبريل.

وعلى الرغم من التصاعد في هجمات المتشددين في شمال أفغانستان، لم يبرز أي دليل ملموس على هجمات عبر الحدود في دول آسيا الوسطى وكانت آخر موجة كبرى للتطرف التشدد قد هزت المنطقة بأسرها بين العامين 1999-2001، عندما شنت الحركة الإسلامية في أوزبكستان هجمات في وادي فرغانة في طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان. وقد قضى التدخل الامريكي في أفغانستان بعد 9/11، على الكثير من تلك المجموعة. وقد انتشر المتبقون من عناصرها على قيد الحياة في جميع أنحاء المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

ومنذ ذلك الحين، شهدت أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان بعض الهجمات من جانب متشددين اسلاميين وامتداد التشدد الأفغاني هو أمر ممكن، ولكن حتى الآن ما يزال التهديد في حده الأدنى.

عوامل أكثر أهمية

امتداد الجماعات الاسلامية المتطرفة من شمال أفغانستان لا يزال يشكل تهديدا طفيفا نسبيا، ولكن اندفاع روسيا إلى آسيا الوسطى قد يكون له دوافع أخرى. تشارك موسكو في مواجهة متوترة مع الغرب بشأن أوكرانيا، مسرح واحد فقط في التنافس على النفوذ على طول المحيط السوفياتي السابق. وآسيا الوسطى هي منطقة رئيسية أخرى في هذه السباق المنطقة تمتلك موارد كبيرة من النفط والغاز الطبيعي وهي جذابة للاتحاد الأوروبي في إطار سعيه لتنويع إمدادات الطاقة وانهاء اعتماده على روسيا. أوروبا سعت بالفعل إلى إقناع تركمانستان بالانضمام الى مشروع خط أنابيب عبر بحر قزوين.

وكانت الولايات المتحدة نشطة أيضا في آسيا الوسطى، وخاصة من الناحية الأمنية. الولايات المتحدة لم تعد تستخدم قواعد عسكرية في آسيا الوسطى التي كانت مراكز لوجستية للعمليات في افغانستان، مثل قاعدة ماناس الجوية في قرغيزستان أو قاعدة كارشي خان أباد الجوية في أوزبكستان. ومع ذلك، تقول واشنطن إنها تستخدم هذه القواعد، في بعض العمليات الأمنية التي تشمل التدريب على مكافحة المخدرات بالتعاون مع قرغيزستان وطاجيكستان.

وقد أعربت الولايات المتحدة أيضا عن رغبتها في زيادة التزامها. وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال لويد أوستن إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المعدات العسكرية والتكنولوجيا لدعم جهود تركمانستان لتأمين حدودها مع أفغانستان. كما أعلنت الولايات المتحدة أيضا في يناير كانون الثاني أنها منحت أكثر من 200 لغما ضد المركبات لأوزبكستان من مخزونها المستخدم سابقا في أفغانستان. وتشير مثل هذه المبادرات إلى رغبة الولايات المتحدة في تطوير علاقات أمنية أكثر تعاونا مع دول آسيا الوسطى.

جهود الجيش والتوسع الأمني الروسي ينبعان جزئيا من القلق إزاء هذه المؤشرات ولم يقتصر تحرك روسيا على نشر العسكريين. موسكو وسعت نطاق عضوية الاتحاد الأوراسي لتشمل توسيع التعاون حول القضايا بما في ذلك الرقابة على الحدود. كازاخستان هي عضو بالفعل، وسوف تنضم قريبا قيرغيزستان. زيادة روسيا عدد من التمارين التي يجريها أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي. كما وجهت الدعوة إلى مزيد من التعاون الأمني إلى أوزبكستان وتركمانستان.

إن قدرة موسكو على تعزيز مكانتها في آسيا الوسطى ستكون محدودة فروسيا لديها اقتصاد ضعيف. وتراجعت نسبة المهاجرين من آسيا الوسطى الذين يعملون في روسيا، مما أدى إلى انخفاض في التحويلات المالية الروسية الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وسوف تحتفظ بنفوذها في المنطقة والصين الناشطة بقوة سوف تستمر في تحقيق تقدمها في المجالات الاقتصادية والطاقة.

وفي الوقت نفسه، ربما يتزايد عدم الاستقرار في المنطقة كازاخستان وأوزبكستان لديهما أزمات متتالية محتملة في المستقبل القريب. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يهدد أمن المنطقة النمو السكاني والتنافس على الموارد المائية. سوف نرى روسيا تواجه اختبارا لنفوذها في آسيا الوسطى في السنوات القادمة وسيبقى التشدد الاسلامي مصدر القلق الرئيسي لموسكو ولحكومات آسيا الوسطى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى