مقالات مختارة

توقف ” الحزم ” ووجه المنطقة بين فرضيتي التسوية والأحادية حسن شقير

 

إذا، وبعد اليوم السابع والعشرين لتلك الحرب السعودية على اليمن ، انتهت ما تُسمى بعاصفة الحزم ، وذلك قبل بدء الرد اليمني على العدوان ، وقبل أن تدخل المملكة العربية السعودية في نفق مظلم من التطورات المحسوبة وغير المحسوبة ، والتي سرعان ما كانت ستنتقل بالعدوى إلى معظم الدول الخليجية الأخرى ، الأمر الذي كان سيشكل خطراً جدياً على الدولة القطرية الخليجية بوضعيتها الحالية ، والذي اعتقدنا في مقالتنا السابقة ، بأن استفحاله ، سيؤدي إلى مشهدٍ من الإحتراب داخل هذه الدولة ، مما سيجعل – وكما رددنا من اليوم الأول لبداية الأزمة في اليمن – من تكلفة التسوية ، لمن بيدهم الحل والربط في الخليج ، ستكون أكثر كلفة عليهم من أي وقتٍ سابق ، ولربما سيصبح اليمن ، وإيجاد التسوية للحرب عليه – وبفعل تسارع التطورات فيه ومن حوله – مدخلا ً لمعادلة جديدة في المنطقة برمتها ، عنوانها الرئيس : تكاملٌ في إجتثاث الإرهاب من المنطقة ، يقابله عودةٌ بالدولة القطرية الخليجية إلى سابق عهدها ….

بهذه الخلاصة ، أنهيت مقالتي السابقة ، وهذا الأمر ، يبدو أنه تم التقاطه وتداركه ، من قبل أولئك الذين وصفّتهم في بداية الحرب على اليمن بأنهم مجانين القرار والسياسة في العالم – وذلك إن حكمت لغة العقل عندهم – ، وأنهم أدركوا أن الوصول بالمنطقة إلى تلك المشهدية أعلاها ، سيجعل من حساباتهم ، تتجاوز الحسابات السعودية والخليجية على حد سواء ، إلى حسابات أكثر عمقاً في النظام العالمي الجديد ، وكذا في أفق التوازنات السياسية والإقتصادية والأمنية على حد سواء ..

السؤال الكبير : لماذا توقف العدوان بشكل فجائي ، كما بدأ بالشكل نفسه ؟ وما هي الأكلاف الحقيقية نتيجة لذلك ؟ وهل تكررت معادلة رابح – رابح في هذه الحرب ؟ أم أن المعادلة اختلت جرّاء هذه ” العاصفة

في محاولة للإجابة على السؤال الأول ، فلا شك بأن الميدان العسكري على الأرض اليمنية ، قد فرض نفسه في هذه النتيجة ، وذلك بأن الإغراءات السعودية لراعية الحرب على اليمن – أي أمريكا – ، قد أصبحت سراباً ، وذلك لأن هدفي ، مشهدية الأقلمة اليمنية ، ومشهدية الإستنزاف والإحتراب الداخلي … لم يتحققا واقعاً على الأرض ، لا بل أن الميدان العسكري هناك ، أصبح يميل نحو الحسم لصالح أنصار الله ، على حساب من تبقى من ميليشيات هادي ، والتي كانت تأمل – أي هذه الميليشيات – بأن تجعل لها موطئ قدم في أية بقعة يمنية وازنة تحت غطاء التحالف العشري ، لتنطلق منها ، في سبيل منع اللهيب اليمني من التوسع إلى الخارج ، وحصره في الداخل … وبناءً عليه ، يكاد أن يبقى على الأرض مكونين وازانين ، هما الجيش اليمني ومعه أنصار الله من جهة القاعدة من جهة ثانية ، والتي تُحشر في حضرموت تحديداً وعلى مقربة من الحدود السعودية … الأمر الذي سيجعل من الإحتراب بين هذين المكونين في مناطق قريبة من المملكة ، لها حسابات أبعد ، مختلفة عن تلك الحسابات السعودية الداخلية

في المحصلة ، وكنتيجة طبيعية لفشل هذين الهدفين في التحقق على الأرض اليمنية ، كان لا بد من تجرّع السعودية لكأس السم ، والذي سيكون له ارتدادات كبرى عليها ، لسنا في وارد الحديث عنها في هذه العجالة .

أما فيما يتعلق بالإجابة عن التساؤل الثاني ، فإن توقف الحرب بهذه الطريقة المهينة للسعودية ، وذلك من جانب واحد ، فإنه – وبناءً لتشخيصنا الأولي – للتطورات اليمنية ، واعتبارنا بأن اليمن لابد أن تكون الباب الرئيس للتسوية الشاملة ، أو الحرب الشاملة ، والتي لا مصلحة إقليمية ، أو دولية لنشوبها … وبناءً عليه ، فإن الأكلاف التي دُفعت لمنع اللهيب من الإرتداد ، لا بد لها أن تكون ذات قيمة استراتيجية كبرى للاعبين الكبار في المنطقة والعالم … ، وذلك مشروطٌ بإنجاز التسوية بين هؤلاء ، أما إذا كانت القضية ، هي بترٌ للسعودية لعدوانها ، فإن الحسابات المقابلة ساعتئذ ، ستكون مختلفة بكل تأكيد

لنناقش المسألة في هذين البعدين ، فإذا كانت التسوية اليمنية قد أنجزت بالفعل ، وتبين وجود مبادرة متكاملة لحل الأزمة السياسية في اليمن – كما أشارت مصادر أنصار الله بالأمس – ، فإن صورة المنطقة ستكون على الشكل التالي :

مساعدة إيران في حفظ ماء وجه السعودية في المشهد السياسي اليمني الداخلي ، وبالتالي المحافظة على ستاتيكو الحدود السياسية والميدانية اليمنية – السعودية ، وذلك إلى ما قبل العدوان على اليمن ، وبالتالي يكون الخطر الذي كاد أن يُسبب بخلخلة الدولة الخليجية ، قد انزاح عن الصاعق اليمني … وبالتالي ، جاء الأمر الملكي للحرس الوطني السعودي بالمشاركة في هذ الحرب ، قبيل ساعات قليلة من توقفها ، في سبيل البحث عن الصواعق الداخلية المُرشحة فيها، سواء أكانت هذه الأخيرة ، من على الحدود مع اليمن ، أو حتى في الداخل السعودي نفسه

في المقابل ، فإن المقابل لهذا ، لن يكون أقل من تعهد سعودي ، ومن خلفه أمريكي بإطلاق اليد الممانعة في استئصال الإرهاب في المنطقة ، وذلك بالتغاضي أو حتى بالتكافل ، وصولاً إلى إقفال منافذه ومصباته على كل من سوريا والعراق ، من بوابتيه التركية والأردنية على وجه التحديد

ما يعزز فرضية حصول التسوية ، هو أن الإعلان عن إمكانية توقف الحرب السعودية ، جرى على لسان مساعد وزير الخارجية الإيرانية قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي لقيادة العملية ، فضلا ً عمّا سُرّب – بعد ذاك الإعلان مباشرة – عن مصادر مرتبطة بأنصار الله حول اقتراب الولوج في الحل السياسي للأزمة في اليمن ..

في مؤشرات التسوية أيضاً ، لا بد أن نتوقف عند المشهد العراقي ، فهل يُعتبر توجه الجيش العراقي مدعماً بالعشائر والحشد الشعبي نحو الأنبار لبدء تحريرها من الدواعش ، مكملا ً لزيارة الرئيس العراقي إلى تركيا للتنسيق في معركة الموصل القادمة ؟ فهل تكون كعكة محاربة الإرهاب في العراق ، قد جرى اقتسامها في المشهد العراقي ؟ وهل أن ذلك سينسحب على سوريا ؟ لا بد أن نراقب المشهد في القادم من الأيام

إذا ما سارت الأمور – وفقاً للمشهدية أعلاها – فإن حسابات الربح في المنطقة ، هي بالتأكيد ، فوق رابح بالنسبة لإيران ومحور الممانعة معها ، أقله في المشهد العراقي ، وذلك في مقابل السعودية ودورها المنشود في ذلك المشهد ، أما بخصوص الحسابات الإيرانية والروسية في مقابل أمريكا والأطلسي ، فهي يمكن توصيفها برابح – رابح ، وذلك على شاكلة التفاهم النووي الأخير .. فاستقرار الدولة الخليجية مقابل الدور الممانع وبدء الخلاص من الإرهاب المُستنزف في المنطقة ، هو إلى حد ما ، معادلة متكافئة في هذه المرحلة من عمر الإحتراب الدولي على وجهة النظام العالمي الجديد في العالم … فالتكلفة الدنيا ، قد تكون تجنباً للقصوى ، على أقل تقدير

أما إذا كان توقف الحرب السعودية على اليمن ، قد أتى بتراً وفرضاً على العدوان السعودي على اليمن ، وذلك بالتكافل مع أمريكا أو بالفرض منها ، وذلك تجنباً للمألات والمعادلات التي قد ترسو عليها المنطقة برمتها … فإن ذلك سيعني بلا شك تمدداً للمشهد العسكري في اليمن ، واكمال مسيرة الجيش وأنصار الله في ترسيخ المشهد الميداني ، وصولا ً إلى اكتمال المشهد السياسي ، بعيداً عن كل المرتبطين بالسياستين السعودية والأمريكية في اليمن ، وبالتالي ستفتح الكثير الكثير من الملفات السياسية ما بين اليمن بنظامه السياسي المرتقب ، مع المملكة العربية السعودية ، وفي مقدمتها ملف الحدود ، والمناطق الثلاث … وبالتالي يكون المشهد اليمني ، قد عاد في مساره ، إلى ما قبل ” عاصفة الحزم ” عليه … وبالتالي فإن قطار إيران والممانعة سيتابع سيره نحو تضييق الخيارات أكثر فأكثر أمام أمريكا وتحالفها القديم والجديد في اليمن ، وذلك كإكتمال للمشهد النووي السابق .

في القادم من الأيام ، ستنجلي الصورة أكثر فأكثر في المشهد اليمني ، والذي ستكون تداعياتيه حتمية على مسار الصراع في المنطقة برمتها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى