سراب تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة د.منذر سليمان
اعلان القمة العربية الاخيرة في “شرم الشيخ” المصرية عن “تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة قوامها زهاء 40 ألف عنصر،” شكل ايذانا بتسليم النظام العربي الرسمي “لقيادة السعودية” ودعما لمخططاتها وتحالفاتها الدولية.
على الرغم من اجواء الارتياح التي اشاعها الاعلان، لا سيما بين الدول الخليجية، الا ان الأمر ينطوي على موقف ضعف وليس قوة في الحشد والتحشيد ضد “الخطر الايراني” المزعوم، وخاصة لبدء السعودية غاراتها الجوية على بلد عربي لم يعتدي عليها دون انتظار التئام لقاء القمة. دخول السعودية المباشر أضاف من تعقيدات العوامل الإقليمية واضفى صبغة طائفية على الصراع “مما سيؤدي إلى تعقيده وإطالة أمده،” كما يعتقد.
السفير الاميركي السابق لدى الرياض، روبرت جوردان، اوضح ان “السعوديين يخاطرون بتنفير واستعداء الكثير من سكان اليمن بسبب غاراتهم الجوية،” التي استهدفت المواقع الحيوية ومخازن الوقود والغذاء. لقد بدأ “حجم المغامرة التي اتخذها الملك سلمان ونجله الامير محمد يتضح بازدياد اعداد الضحايا” والنتائج المتواضعة في تدمير البنى التحتية اليمنية، ليس الا. وسائل الاعلام الاميركية تقول ان الغارات “بالنسبة لبعض اليمنيين المعارضين للحوثيين تساهم في توجيه غضبهم ضد المملكة السعودية بدلاً من حركة الحوثي .. بل ان الميليشيات المحلية تقاتل بعضها دون الاكتراث” بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي.
سيتم رفد القوة العسكرية، التي لم تتشكل بعد، بقوات برية وجوية وبحرية، اضافة لمختلف انواع الاسلحة والقوات الخاصة، لمواجهة “ايران كمصدر تهديد” لاستقرار الانظمة العربية، بعد ان حمّلها رئيس الجامعة نبيل العربي مسؤولية “التدخل في بلدان عدة؛” دون ان يتحمل عناء تقديم الدلائل والبراهين، باستثناء ما اعتبره بالنيابة خروج اليمن من تحت عباءة الهيمنة السعودية.
لم يعد سرا او محض تكهنات تعويل السعودية على مشاركة فعالة من باكستان، والتي لا زالت تحتفظ بـ “8،000” عنصر من قواتها المقاتلة هناك عقب انتهاء المناورات العسكرية المشتركة، قبل فترة وجيزة. بيد ان قرار المشاركة بقوات برية، نيابة عن السعودية، يلقى معارضة غير ملتبسة داخل صفوف القيادات العسكرية والقوى والمؤسسات المدنية المختلفة، خاصة وانها تواجه تحديات متزايدة من طالبان الباكستانية ومشتقات القاعدة الاخرى. وابلغت السعودية رسميا بدعم مخططاتها دون الافصاح عن مشاركة مباشرة.
آفاق “القوة العسكرية” سياسيا
مراهنة السعودية وحلفائها الاقليميين على انخراط قوات عسكرية باكستانية، نيابة عنها، للقتال في اليمن بددته المعارضة المدنية الداخلية وحساسية الأمر داخل القيادات العسكرية. ونشرت صحيفة “الفجر – دون” الناطقة باللغة الانكليزية نتائج استطلاع لقرائها، 31 آذار، شملت نحو 22 ألف فرد لعزم تدخل بلادهم رسميا في اليمن. وقالت ان الغالبية العظمى، 77%، من المستطلعة اراؤهم رفضت بشدة اي مشاركة لباكستان في الغزو السعودي لليمن. ربما توقيت النشر هو الأهم، اذ جاء غداة سفر وزيري الخارجية والدفاع الباكستانيين للرياض للتشاور بشأن “الطلب السعودي لمساعدة عسكرية.”
معهد ستراتفور الاستخباراتي اوضح استنادا الى “مصادره الخاصة ان السعودية ومصر تستمران بحشد قواتهما (البرية) استعدادا لاشتراكها في معارك استعادة مدينة عدن” التي اطبقت القوى اليمنية الوطنية سيطرتها عليها منذ الثاني من نيسان الجاري. واضاف ان القوات السعودية المحتشدة على الحدود الشمالية مع اليمن “قد تصدر اليها الاوامر لاختراق الاراضي اليمنية بغية السيطرة على صنعاء” مستدركا ان مغامرة من هذا النوع ستثبت كلفتها الباهظة .. اذ لا يعتقد ان تقدم السعودية على اتخاذ هكذا قرار باستخفاف،” في اشارة الى تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة.
المغامرة السعودية لم تلقى تأييدا معتبرا بين النخب الفكرية، على الرغم من رفد معظمها باموال وهدايا كبيرة. صحيفة “نيويورك تايمز” وصفت ما يجري “بتدخل سعودي مشؤوم في اليمن .. يهدد بصراع اقليمي واسع النطاق يشمل ايران، ويبدد اي امل بتحقيق الاستقرار.” وحثت الصحيفة الرئيس اوباما على “استخدام نفوذه لتشجيع جميع الاطراف التوصل الى حل سياسي ..”
مركز الدراسات السياسية، المناهض لسياسات التدخل، اعتبر غزو السعودية “امتدادا لسياسة الخروج على القانون الدولي التي ارستها الولايات المتحدة بشنها لحرب (مفتوحة) على الارهاب.” واضاف ان حجج الولايات المتحدة والسعودية “باحتواء النفوذ الايراني هي كذب ورياء وترمي بعرض الحائط مصالح وحياة الشعوب في اليمن وسورية والعراق ولبنان والبحرين.”
بينما اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست،” 31 آذار، ان تركيز الحملة الاعلامية، السعودية والاميركية، على ايران شكل “وسيلة فعالة لصرف الانتباه عن التوتر الخطير الجاري بين الانظمة العربية .. وتوفر فرصة سانحة للابتعاد عن المنافسة المريرة” بين مختلف القوى.
واعربت الصحيفة عن شكوكها في “ديمومة” التحالف برئاسة السعودية، “فسرعان ما سيتلاشى” بالتزامن مع “وصول الحملة العسكرية الى طريق مسدود، ولن يتوفر خيار حينئذ الا بين انسحاب او المضي بتصعيد خطير.” وذكّرت الصحيفة السعودية بعقم مراهنتها على “القضاء على الحوثيين اذ فشلت في هزيمتهم عسكريا على مدى العقد الماضي الشاهد على ذلك.”
دورية “فورين بوليسي جورنال،” عدد 3 نيسان، تكهنت ان السعودية “تستقوي بمصر” لابلاغ واشنطن رسالة مفادها “ان سياستها لاسترضاء ايران هي توجه احمق؛” واعتبرت شعور السعودية بالتهميش من قبل واشنطن هو احد العوامل الرئيسة الذي حفزها للاقدام على مغامرتها العسكرية.
آفاق “القوة العسكرية” عسكريا
تعددت التفسيرات لحقيقة القوة المنوي تشكيلها، وهل سترى النور ام ستلاقي مصير الضحايا الآخرين في قرارات الجامعة العربية. يشار في هذا الصدد الى العقبات المتعددة التي واجهتها دول الخليج في انشاء “قوة درع الخليج،” عام 1984، وقوامها نحو 10آلاف جندي موزعين على كتيبتين، مقرها في السعودية رابطت على حدودها المشتركة مع كل من الكويت والعراق. تضخمت القوة لتصبح زهاء 40 ألف جندي في الوقت الراهن. التجربة التاريخية تشير الى تعثر القوة وتواضعها في انجاز الاهداف المنوطة بها.
غزت السعودية البحرين في شهر آذار 2013، تحت واجهة قوات درع الجزيرة، وشاركتها قوات من دولة الامارات. استثمرت دول الخليج النفطية اموالا ضخمة لشراء قطع بحرية حديثة تعينها على “مواجهة التدخل الايراني” المزعوم، مسلحة بافضل ما يمكنها الحصول عليه من اسلحة ومعدات، تشمل زوارق هجومية سريعة مزودة باجهزة استشعار ليلية وصواريخ خفيفة ومدافع ذاتية الحركة. المعلومات العسكرية المتوفرة تشير الى تفوق تلك الزوارق ومعداتها على ما تمتلكه ايران من معدات مماثلة، وتتيح لها البقاء في المياه لمدة طويلة.
رغم التسلح بافضل المعدات، عجزت القيادة الموحدة للقوات الخليجية عن بلورة خطة محددة المعالم للرد على اي تهديد بحري محتمل على خطوط التجارة البحرية. واستندت الى نمط دفاعي يعتمد على السير المكثف بقافلة بحرية، والذي يعد سلبيا ليس بوسعه الانتصار في اي مواجهة، واقصى ما يستطيع انجازه هو ابطاء معدل الضرر الذي قد يصيب اساطيل التجارة البحرية.
تكثيف القوى البشرية والزوارق الحربية والطائرات المقاتلة متعددة المهام لن يؤتي ثماره في ظل غياب خطة عسكرية واضحة المعالم لمواجهة الاخطار، وهي التي سقطت في غفلة سباق مؤتمر القمة المذكور وتخلفه عن التعبير لوحدة الارادة السياسية، وستظل مصدر قلق للقوة العسكرية المعلن عن انشائها.
الحرب على اليمن
دقت دورية “فورين بوليسي جورنال” ناقوس الخطر محذرة مصر من مغبة الانزلاق الى “مستنقع فيتنام جديدة،” سبق لها اختبار قوتها حينما هبت مصر الناصرية لنصرة الجيش اليمني ضد السعودية، 1962 – 1967. كما اوضح عدد من الخبراء العسكريين الاميركيين ان الانخراط في الحرب على اليمن يوازي “مآزق بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في افغانستان،” وتساوي نتائجها بهزيمتهم جميعا. يشار الى توارد بعض الانباء عن وجود فعلي لقوات مصرية في السعودية ترابط على حدودها المشتركة مع العراق، شمالا، واليمن جنوبا.
كما ان صراعات معسكري الحرب الباردة، لاحقا، اسهمت في بروز دولة اليمن الجنوبي والتي انخرطت في حرب طويلة مع جارتها الشمالية، توجت عام 1994 بحرب اسفرت عن توحيد شطري البلاد. جولة الحرب والصراع المسلح الراهنة برزت الى النور عام 2004، ايضا ضد السعودية واركانها المحليين في شمالي اليمن بشكل خاص.
اججت الولايات المتحدة حدة الصراعات والحروب في اليمن، عقب هجمات 11 ايلول 2001، واتخذت من الاراضي اليمنية مسرحا ممتدا لطلعات طائرتها المسيرة تلقائيا، الدرونز، وقيامها باغتيال الابرياء المرة تلو الاخرى. وصعدت الولايات المتحدة نطاق انخراطها عسكريا في اليمن منذ افول عام 2004، باشتراك قواتها المسلحة وطواقم وكالة الاستخبارات المركزية في شن غارات مكثفة ضد المدنيين والابرياء. وعلى اثر انكشاف حجم الضرر الذي تتسبب به الغارات الاميركية تنامى حجم المعارضة في الداخل الاميركي، وخاصة بعد مقتل مواطنين اميركيين احدهما من اصول يمنية في ايلول 2011، انور العولقي، وسمير خان. وفي الشهر التالي تسبب غارة اميركية مماثلة بمقتل نجل العولقي، عبد الرحمن، والذي يحمل الجنسية الاميركية.
في صدد الحرب الجارية على اليمن، يجمع المراقبون، سياسيون وعسكريون، على ان الغارات الجوية السعودية “استنفذت اغراضها،” ولم تعد بفائدة تذكر. ويحذر هؤلاء السعودية من التغاضي عن الاستفادة من التجارب التاريخية التي اثبتت عقم الغارات الجوية بمفردها لاحراز انتصار، كما دلت عليه تجارب الولايات المتحدة و”اسرائيل،” الأمر الذي اقتضى انخراط قوات برية لتحقيق اهداف متواضعة. ويضيف هؤلاء ان السعودية بقدراتها الذاتية لا تقوى على شن حرب بمفردها وخاصة لعدم توفر “خطة عسكرية متماسكة” لها ولحلفائها.
ماذا عن الدور الاميركي
الموقف الرسمي الاميركي “بارك” الغارات الجوية السعودية، معربا عن انخراطه في توفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي باستثناء ارسال قوات اميركية. وسائل الاعلام العربية، ومعظمها موالي للسعودية ودول الخليج، افادت مرارا باشتراك طائرات الدرونز الاميركية في الغارات الجوية على اليمن، فضلا عن توفيرها احداثيات دقيقة لطائرات تحالف السعودية لاهداف يتم قصفها تؤدي الى مزيد من الضحايا المدنيين.
صناع القرار السياسي الاميركي وضعوا نصب اعينهم هدف ضرورة التوصل الى اتفاق نووي مع ايران ووضع حد لسياسة اقصائها طمعا في ابطاء برنامجها النووي على الاقل؛ وفي الوقت نفسه ابقاء انخراطها العملي في الصراعات الجارية “وادارتها من خلف الستار.”
اميركا، والسعودية ايضا، قلقة من امكانية خسارة اعوانها اليمنيين ميدانيا واقصائهم عن التحكم بالممر الاستراتيجي في باب المندب والتسهيلات البحرية المبرمة معها في ميناء عدن. في هذا الصدد، اعرب معهد ستراتفور الاستخباري عن الاضطراب الشديد والخشية من “تحكم القوى المعارضة في مدينة عدن ومينائها،” معربا عن شكوكه في “قدرة السعودية شن حملة ناجحة لاستعادة السيطرة قبل فوات الاوان.” ومنذ الثاني من نيسان الجاري تواردت الانباء عن سيطرة الحوثيين والجيش اليمني سوية على معظم انحاء عدن ومينائها.
ما يتبقى من خيارات محدودة لا تبشر بالخير لاميركا التي قد تجد نفسها مضطرة للدخول ميدانيا بقواتها الخاصة بحجة “تدريب” قواتها الحليفة على فنون الحرب غير التقليدية؛ وهي المهمة التي اضطلعت بها قواتها المعروفة بوحدات “القبعات الخضر” قبل نضوج مرحلة الحرب المفتوحة على الارهاب. الأمر الذي يعد بنشوب حرب اخرى في ساحة جديدة ضد اليمن وشعبه.
تاريخ الصراعات في اليمن يدل على ان البلاد عصية على التدخلات العسكرية. الغزو السعودي حقق بعض الضرر وتدمير البنى التحتية، بيد ان الامتحان الحقيقي يكمن في مدى قدرة قيادة الغزو الخلفية، اميركا، استيعاب الدروس وتأييد حل سياسي يبعد شبح الحرب الطويلة والمفتوحة عن اليمن وعموم المنطقة، ويحيل انتصار المغامرة السعودية الى مجرد اضغاث احلام.