مقالات مختارة

مسؤولون غربيون: الاتفاق النووي سيؤجج الحروب بالوكالة.. والإرهاب! وسيم ابراهيم

 

يخلص العديد من المسؤولين الغربيين إلى أن المنطقة العربية باتت تعيش «الوضع المثالي» لازدهار الارهاب، ويشيرون إلى أن أحد الأسباب الأساسية لذلك هو الصراع المذهبي القائم عبر الحروب بالوكالة بين السعودية وإيران وحلفائهما. البعض لم ير حرجا، وهو يحصي الوقائع، من القول في النهاية إن «العالم العربي هو من يمول داعش».

ومع ذلك، يفشل الغرب حينما يحاول وضع نفسه خارج مدار الأسباب المباشرة لانتشار الارهاب.

خلال جلسة استماع في البرلمان الأوروبي، لم يعرف يانس شتولتنبرغ، الأمين العالم لحلف شمال الأطلسي، بماذا يجيب نواباً أوروبيين سألوه عن فوضى ليبيا. لم يرِد السؤال بداعي العطف على الليبيين، بل لوجود قلق متزايد من «بلد فاشل» على شواطئ المتوسط المقابلة لأوروبا. قلق السائلين يتضاعف وهم يذكّرون باستعراض القوة الذي قام به «داعش» سعيا للتربع على عرش فوضى جديدة.

نظر شتولتنبرغ الى ورقة أمامه، دوّن عليها عناوين أسئلة متفرقة. حينما وصل إلى السؤال، حاول الاجابة: «بالنسبة لليبيا…». تأتأ للحظة، ثم صمت. لم يقل كلمة واحدة، ثم قفز للرد على مسألة أخرى.

صار الإحراج يمنع الحلف من التفوّه بأي تعليق. التبرير الذي كان يردده مسؤولوه لم يذكر إلا بالمثل الساخر «نجحت العملية لكن مات المريض». كانوا يقولون إن النجاح كان نصيب العملية الجراحية التي قام بها «الناتو» لاستئصال نظام معمّر القذافي، لكن المسؤولية يتحملها «المجتمع الدولي» الذي «لم يقم بما يكفي» لمتابعة حالة المريض.

ليس الإحراج هو ما منع شتولتنبرغ من تكرار هذا التبرير، بل تقليل الضرر، فترديد تلك العبارات سيعني تكريس الإقرار بأن العملية العسكرية، في النهاية، هي من أسست لفوضى «بلد فاشل» كما ذكره النواب الأوروبيون.

لكن ماذا عن تركيا؟ يسأل نواب آخرون عن الدولة العضو في «الأطلسي». يشرحون بأنها لم تكن «دائما على الخط نفسه» مع الغرب، بالنسبة الى توجهات محاربة الارهاب.

استغرب أحد النواب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «عبر عن رضاه التام إزاء سقوط مدينة إدلب» بيد مجموعات معارضة تقودها «جبهة النصرة»، وهي المصنفة على قائمة الارهاب الدولية.

حينما وصل شتولتنبرغ للرد على سؤال تركيا، تملكه الإحراج مجدداً. اللعثمة كانت هذه المرة طويلة، بشكل أثار انتباه جميع الحضور وسخرية بعضهم. أجاب: «بالنسبة لتركيا…»، ثم تبخرت اللغة ليطلق وصلة تأتأة استمرت حوالي 20 ثانية. أخيراً وجد بضع عبارات لا تجيب عن صلب السؤال: «تركيا هي الحليف الأكثر تأثرا بالأزمات في سوريا والعراق، وهي جزء من التحالف (الدولي)، وهم يساهمون في تدريب مقاتلين لمحاربة داعش، لذا فهي تلعب دورا كبيرا».

ولكن بعيدا عن هذا التلعثم، هناك من يدرجون القلق ضمن تفسير واضح لحماوة جبهات القتال بين دمشق ومعارضيها.

يقول مصدر غربي واسع الاطلاع لـ «السفير» إن «التحالف في اليمن والتقارب بين السعودية وتركيا ستكون له آثار على القتال في سوريا». يلفت هنا إلى أن السعودية جعلت الأولوية الآن لمحاربة النفوذ الايراني، وتحتاج الى دعم سياسي من تركيا وحليفتها قطر، قبل أن يوضح أن «ذلك سيجعل محاربة الاخوان المسلمين تتراجع نتيجة لهذا التقارب».

بناء على هذا الأساس، يقرأ المسؤول الغربي نجاح مجموعات سورية معارضة في التحالف للسيطرة على إدلب، معتبرا أن التقارب بين تركيا والسعودية «سيجعلهما يشجعان المجموعات التي يدعمانها على العمل معاً لتحقيق إنجازات عسكرية في سوريا ضد إيران وحلفائها»، قبل أن يستدرك قائلاً ان «التقارب لا يعني طبعا أن السعودية ستقبل بعودة مصر للاخوان المسلمين لكنهم ربما يهدئون جبهات قتال أخرى بما يخدم محاربة النفوذ الايراني».

في السياق ذاته، يرى إلمار بروك، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، أن هذا الصراع لا يخدم سوى مصالح الحكومات. يقول السياسي الالماني المخضرم لـ «السفير» إن «ما يجري هو حروب بالوكالة تحدث في الشرق الأوسط، وكل مكان، بين السعودية وإيران»، قبل أن يضيف ان «هذا الصراع هو ضد مصلحة الشعوب، وكلتا الدولتين عليهما أن تصلا إلى اتفاق لإيقاف حروب الوكالة هذه».

يربط بروك ملف مكافحة الارهاب بالصراع المذهبي، معتبرا أن «دول الاقليم خاصة تتحمل مسؤولية كبيرة للتوصل إلى تفاهم حول محاربة الارهاب». يسحب ذلك على الوضع السوري، قبل أن يخلص إلى أن هناك توافقات يجب أن تتم للحصول على مسار دولي متماسك: «أعتقد أن لدينا آراء مختلفة بين دول الناتو حول ما يجب فعله مع (الرئيس السوري بشار) الأسد، وأعتقد أن هذه الدول يجب تصل لتوافق حول كيفية المضي قدما، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية وإيران».

المختصون بالعمل على ملف مكافحة الارهاب يحذرون أيضا من أن تأثير «حروب الوكالة»، بعدما صارت برأيهم مظلة تحكم تفاعلات المنطقة. هذه الخلاصة حملها المنسق الأوروبي لمكافحة الارهاب جيل دو كيرشوف، ووضعها أمام النواب الأوروبيين. تعليقاً على ملف المفاوضات النووية، قال إن الاتفاق سيجعل إيران أكثر «فعالية مع موارد مالية أكبر»، موضحاً أن «إيران بلد متطور مع رؤية تزداد قوة في الشرق الأوسط، ولذلك سيحمل ذلك (إنجاز اتفاق نووي) من جهة السنة إغراء لدعم مجموعات متطرفة من أجل القتال ضد إيران عبر حروب بالوكالة، وهذا بدوره سبب جذري آخر» يغذي المجموعات الارهابية.

وبرغم صراحته المعهودة، لكن دي كيرشوف لم يستطع تقديم أي إجابة بالنسبة للوضع في اليمن. ردد أمامه نواب أوروبيون أن تنظيمي «القاعدة» و «داعش» موجودان هناك، قبل أن تسأله النائبة الاشتراكية آنا غوميز: «كيف تقصف السعودية وتقاتل الشيعة في اليمن بينما لم تفعل ذلك بالنسبة لداعش الموجود هناك؟».

تجنب مسؤول مكافحة الارهاب الاجابة عن هذا السؤال، ولم يقدم أي توضحيات حول تداعيات حرب التحالف الذي تقوده الرياض على وجود «القاعدة» و «داعش» في اليمن.

الخارجية الأوروبية سبق أن حذرت من التبعات السلبية العديدة للصراع العسكري في اليمن، بما فيها إمكانية استفادة التنظيمات الارهابية، وطالبت الاطراف الاقليمية بأن تتصرف «بمسؤولية» حيال هذه الهواجس.

مسؤول أوروبي يعمل على هذا الملف قال لـ «السفير» إن هناك «مخاوف حقيقية من أن الحرب في اليمن ستؤدي إلى تقوية التنظيمات الارهابية»، قبل أن ينتقد الموقف الأوروبي موضحا أنه «حتى الآن ليس لدينا سياسة واضحة حول ما يجب فعله في اليمن».

العديد من السياسيين الأوروبيين حذروا من أن تونس ربما ستكون الهدف التالي لتنظيم «داعش»، سواء لأنها أعاقت تصدير موجات «الجهاديين» إليه أم لكونها «النموذج الناجح الوحيد» للانتقال الديموقراطي. هذا الاستنتاج أكدته أيضا مسودة تقرير يعدها البرلمان الأوروبي حول الاوضاع في السياسة الخارجية الأوروبية. معدّو التقرير اعتبروا أن حجم نشاط «داعش» وسرعة انتشاره يحملهم على الاستنتاج أن «العالم العربي هو من يمول داعش». لكن بعض البرلمانيين طالبوا بإزالة هذه العبارة من التقرير، بعدما أزعجهم تحميل مسؤولية مباشرة بهذه الفجاجة.

المنسق الأوروبي لمكافحة الارهاب حذر من هشاشة وضع تونس، التي زارها مؤخرا وعاد منها بأرقام صادمة. فيما يتخوف الأوروبيون من تبعات وجود حوالي 5 آلاف «جهادي» أوروبي، قال دو كيرشوف إن «تونس شهدت انتقال حوالي ثلاثة آلاف (جهادي) إلى سوريا والعراق، وهو عدد هائل بالنسبة لدولة بحجمها، وعاد إليها حوالي 500، كما قالوا لي إنهم منعوا تسعة آلاف من الذهاب إلى سوريا».

تعقيدات التهديد الارهابي، واتساع نطاقه الجغرافي، حمل دو كيرشوف على القول إنه لا مجال لعمل كل شيء في الوقت نفسه. الأولوية بالنسبة إليه هي التركيز على دعم تونس ولبنان، عبر مشاريع مختلفة، ثم محاولة مساعدة الآخرين. لكن كل الدعم برأيه لا يحل مشكلة لا تزال جذورها الاقتصادية والسياسية ضاربة، خصوصا أنها تعيش أمجادها في وسط خصب يشكله الصراع المذهبي.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى