مقالات مختارة

دبلوماسية الرهائن: الحوار الأميركي ـ السوري استؤنف عامر نعيم الياس

 

أثارت تصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري عاصفةً من الانتقادات من محور يمين واشنطن. هي صفعةٌ وجّهها جون كيري إلى الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً، تلتها تأكيدات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني حول الاجتماع بممثلين عن الأسد، صبّت ماءً بارداً على رؤوس جوقة الرافضين أي تحوّل إزاء سورية.

قصَد كيري «التفاوض مع الأسد» لا مع ممثلين عنه، فهو يعي دقائق الأمور، ويعلم أنه تفاوض مع ممثلين عن «نظام الأسد» في مؤتمر جنيف، فالوزير المعلّم الذي نادى «السيد كيري» للفت نظره حول قواعد الدبلومسية، كان يمثل من، ويتحدث بلسان من؟

«في النهاية» سنضطر للتفاوض مع الأسد، تم تحليل دلالات التصريح، لكن توقيت صدوره بقيَ ناقصاً، على رغم الربط المنطقي بتطورات الملف النووي الإيراني وعملية التفاوض، وتقرير الاستخبارات الأميركية حول نزع الإرهاب عن إيران وحزب الله، والصمود السوري، والتوجّه الأميركي لتسليم الملف السوري إلى روسيا وإيران في ضوء تراجع هذا الملف عن قائمة الأولويات الأميركية، لكن يبدو أن هناك عاملاً آخر يقف وراء التصريح الصفعة، تجعله يندرج في سياق إجراءات إعادة بناء الثقة بين واشنطن ودمشق على خلفية قضية المفقود الأميركي أوستن تيس الضابط السابق في البحرية الأميركية والذي تحوّل إلى صحافي، واختفى في داريا قرب دمشق في آب من عام 2012، إذ تعتقد الولايات المتحدة أن الصحافي المفقود محتجز لدى السلطات السورية، وتتواصل معها حتى قبل تصريح وزير الخارجية الأميركية.

وهنا تنقل «لوفيغارو» الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي: «يندرج إعلان كيري عن ضرورة التفاوض مع الأسد كباردة على طريق تأمين إطلااق سراح أوستن تيس». ويضيف الدبلوماسي إنه «في مقابل تخفيف الموقف الأميركي من دمشق، فإن هذه الأخيرة ستبذل المزيد في ملف الصحافي المفقود».

وبحسب الصحيفة، فإن البعثة الدبلوماسية التشيكية المسؤولة عن رعاية المصالح الأميركية في سورية، هي التي تقوم بجهود الوساطة. إذ كشف دبلوماسي تشيكي عن تلقي نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد «اتصالاً هاتفياً من دبلوماسي أميركي رفيع المستوى»، وهو أمر لم تنكره أو تأكده السلطات في دمشق وواشنطن، وقد فسّر مسؤول رسمي في واشنطن هذا لـ«لوفيغارو» بقوله: «لدينا اتصالات منتظمة مع الحكومة السورية حول القضايا القنصلية، ولأسباب أمنية لا أستطيع قول المزيد».

هو تواصل مع الحكومة السورية قبيل تصريح كيري، يفسّر في جزء منه توقيت صدور التصريح، بالتوازي مع الكشف عن تنسيق متواصل مع الحكومة السورية حول عدد من القضايا التي لا يمكن الكشف عنها لأسباب أمنية، فيما تعيد دبلوماسية الرهائن التذكير بالتفاوض مع دمشق في ثمانينات القرن الماضي حول مصير الطيارين الأميركيين في لبنان، ومبادرات حسن النيّة التي أمّنت نوعاً من التنسيق الضمني، على رغم العداء والصدام المباشر على الأرض. مسارات متوازية تعمل من خلالها الإدارة الأميركية بغضّ النظر عن الموقف الرسمي العلني تساعد على التراجع في اللحظة المناسبة، هنا توصِّف «لوفيغارو» ما يجري من تواصل بأنه «سحب للقيود من وراء الكواليس».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى