مقالات مختارة

معالم ثريا عاصي

 

لو كانت الجماهير الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هي التي بادرت منذ ما يقارب الخمس سنوات، إلى إطلاق حركات إحتجاجية، ثورية، متزامنة، لجاز القول أن هناك قاسما مشتركا بين هذه الجماهير جميعا، رغم طول المسافات التي تفصل بينها وإختلاف الظروف الإجتماعية والسياسية والتاريخية من بلاد إلى أخرى. وبالتالي لحق لنا أن نفترض وجود عامل واحد أجج هذه الثورات، يستتبع ذلك منطقيا، أنها تصبو إلى هدف واحد أيضا.

أكتفي هنا بابراز هذه النقاط. فما أود الإشارة إليه هو أنه لو كانت المبادرة إلى الثورة محلية وطنية الأصل كنتيجة لتنامي الوعي الشعبي وتعبيرا عن قرار وإرادة في التغيير والتبديل، لأمكننا الأخذ بخلاصة واقعية، مفادها أن الثائرين مدوا جسرا فوق الهوة العريضة والعميقة التي تعيق منذ قرون، الناس في بلاد العرب عن التقدم فصار بإمكانهم أن يدركوا الشعوب التي تتعلم وتعمل وتنتج.

مجمل القول أنه ليس من السهل في سياق الفوضى التي تعم بلاد العرب أن نتبين الجهة التي تصدر الأوامر من الجهة التي تتلقى وتنفذ. ينبني عليه أننا لا نعرف إلى أين يذهب الناس وما هي الأسباب التي جعلتهم ينحون نحو هذا الإتجاه بدل ذاك. علما أن الثورة هي سيرورة يشارك فيها الناس العاديون، فتتيح لهم أن يتطوروا ويتعلموا ويتقدموا وأن يفكروا. لا تكون الثورة، بقرار من مفكر تافه وحاقد أو من كاتب يتقن السفسطة. إن دفاع المثقف عن السلطة يفسده.

كثيرون من الذين كتبوا عن الثورة في سوريا فكذبوا ولفقوا، ومن الذين تصوروا سيناريوهات السقوط والإنبعاث الثوريين، إنما فعلوا ذلك من أجل مصالحهم الخاصة. كل تعبير يخدم من نطق به. رغم أن الفاجعة مستمرة منذ خمس سنوات، لم نسمع حديث الناس الذين ثاروا، أو تمردوا في سوريا، ولماذا؟

يحتكر المسؤولون الغربيون ذوو النزعة الإستعمارية الكلام باسم الثورات العربية: «أوجدنا نحن وأعواننا في المنطقة «داعش». لن نسمح لكم بمقاتلتها. سنتولى معالجة الأمر بأنفسنا. سنوظف الحكومات التابعة لنا. حتى تبقى «داعش» ضمن الحدود التي نرسمها لها. لن يصل الجيش العراقي إلى الموصل. وحلب، متى يفرج السلطان التركي عنها؟»…

كوني معارضا للسلطة في بلادي، أكره الذين يمارسونها، لا يعني انه يحق لي أن أتعاطف مع جهات أجنبية تعلن هي أيضا كراهيتها لهذه السلطة. من المفروض أن السناتور الأميركي جون ماكين والوزير الفرنسي لوران فابيوس والرئيس التركي أردوغان يُبْغضون الحكومة السورية لأسباب تناقض تلك التي تبغضني لها.

الفوضى هي عدوة الثورة، كونها تقود إلى كارثة إجتماعية ووطنية. الثورة ليست ملهاة. الثورة الحقيقية تطبق النظام الثوري أينما تصل. ما هي المتغيرات التي طرأت في المناطق التي خرجت عن سلطة الحكومة المركزية في سوريا، هل أن الأوضاع فيها صارت أفضل مما كانت عليه؟

عندما يتلازم نهوض حركة مطلبية إصلاحية مع إحتمالية إغتنام الجماعات الوهابية الفاشية للفرصة من أجل إسقاط الدولة، تتزايد حظوظ هذه الأخيرة في تحقيق مآربها. الطامة الكبرى هي عندما تخاف القوى الوطنية والسلطة الوطنية، من الحسم العسكري والإنتصار على الفاشيين خشية من إغضاب الأعداء الذي يقفون وراء الأخيرين، ومن ردة فعلهم. إذ يظن الوطنيون أحيانا أنهم إذا داهنوا الأعداء إتقوا شرهم ! وهذا ليس صحيحاً.

لا جدال في أن الطغيان والديكتاتورية، يـُلحقان أعظم الضرر في الجماعة الوطنية وفي الكينونة الوطنية، فيشعر المرء ان بلاده ُسلبت منه. إن علاج هذه المسألة، الصعبة، لا يكون بالإنضمام طوعاً أو كراهية، إلى العصابات التي تأتي لسرقة البلاد، لتدميرها، لتشريد سكانها، للإتجار بهم. يجب أن لا يركن الإنسان، أيا كانت الظروف واختلفت الأحوال، إلى جهة وطنية أو أجنبية تتصرف تجاه بلاده وفق إعتبارات السياسة الخارجية.

يبدو أن الشعوب تصاب أحيانا، ربما لأسباب ذاتية وتحت تأثير ظروف صعبة، بالبلادة والخمول. فتعتاد على العيش في ظل الديكتاتورية. لا تقاومها ولا تدافع عنها. يستتبع ذلك أنها لا تستيقظ من غفوتها وتستعيد حماستها الوطنية، بين ليلة وضحاها، حتى عندما تتعرض البلاد للغزو. يلزمها وقت طويل نسبيا حتى تكتشف حقيقة ما يجري. يعرف الأعداء ان عليهم أن يحسنوا إستغلال هذا الوقت، وتحقيق أهدافهم الرئيسية قبل انتهائه.

يتوقف المصير الوطني، عندما تستفيق الجماهير وتشعر بالخطورة التي يمثلها الغزاة على وجودها، على معطيات الصراع على الأرض بين المستعمر من جهة وبين السلطة الوطنية من جهة ثانية، بصرف النظر عن طبيعة هذه الأخيرة، ديكتاتورية كانت أم ديمقراطية، وعن التحولات التي تكون قد أدخلتها هذه السلطة في بنيتها إستجابة لمتطلبات المواجهة المفروضة عليها. فإن تلاشت هذه السلطة، أو إنحلت، تحولت البلاد إلى مربعات «أمنية» طائفية ومذهبية، ومافيوية. أما إذا استطاعت السلطة أن تحافظ على تماسك الجيش الوطني وأن ترفده بدفعات متتالية من أبناء الوطن دون تمييز مناطقي أو إثني أو عقيدي، فإن هذه السلطة تكون قد نجحت في التخلص من شوائبها، وصارت جبهة تحرير وطني. من المعروف أن برنامج التحرير الوطني يغطي مرحلتين، الأولى هي طرد الغزاة والثانية هي إعادة بناء الوطن على أسس جديدة، بحيث يكون أكثر مناعة، فلا يتسرب إليه الإٍستعمار بواسطة قنوات الفساد والرجعية وتجار الدين!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى